أكدت السلطات الإسرائيلية أن رئيس الحكومة الانتقالية، بنيامين نتنياهو، سيشارك في قمة ثلاثية مع اليونان وقبرص، للتوقيع على اتفاقية بشأن مشروع خط أنابيب شرق المتوسط (إيست ميد)، لنقل الغاز الطبيعي المستخرج من إسرائيل إلى اليونان عبر قبرص، ومنها إلى إيطاليا مطلع كانون الثاني/ يناير 2020.
يأتي ذلك في سياق التطورات الأخيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ التي برزت منذ تشكيل منتدى شرق البحر المتوسط للغاز (EMGF) في القاهرة في كانون الثاني/ يناير 2019، دون مشاركة تركيا وسورية ولبنان، فيما شهد المنتدى مشاركة إسرائيلية.
وأخذت الهرولة نحو مصادر النفط شرقي المتوسط منحى تنافسي منذ الإعلان عن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر بعد اجتماعات طويلة الأمد مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وبموجب هذا الاتفاق، تم تعيين الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، وأصبح أي اتفاق محتمل بين إدارة قبرص واليونان وإسرائيل ومصر عديم الفائدة، إضافة إلى أن هذا الاتفاق يجعل من المستحيل الانتهاء من مشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط "إيست ميد"، الذي كان يخطط لنقل غاز شرق المتوسط الذي ينتمي أساسًا إلى إسرائيل وأيضًا إلى مصر وجزيرة قبرص واليونان، إلى أوروبا دون عبور المناطق البحرية التركية، حيث يجب أن توافق تركيا على عملية النقل.
بطبيعة الحال، سيتعين على هذه الدول إيجاد بدائل أخرى أو الحصول على إذن من تركيا للخط الذي يمر عبر المناطق البحرية التركية.
وعلى الرغم من كونها جزءًا من منتدى شرق البحر المتوسط للغاز، فقد كان معروفًا أن مصر لم تكن متحمسة جدًا لمشروع خط الأنابيب لأنها ترى سيكون من الأنسب نقل الغاز الطبيعي باستخدام ناقلات الغاز الطبيعي السائل في مصر بدلاً من خط أنابيب.
من ناحية أخرى، لم ترغب إسرائيل في أن يعزى النقل كله إلى مصر، وأنحت باللائمة على عدم الاستقرار في مصر. وفي حين اعترضت اليونان وقبرص على استخدام المسار عبر تركيا، لم يتم اتخاذ أي خطوات ملموسة.
وخلال الأسابيع الماضية، أفادت التقارير الصحافية بأن سفينة الأبحاث الإسرائيلية "بات غاليم" اضطرت إلى مغادرة المنطقة بعد تحذيرات من سفينة حربية تركية في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، فيما لفتت تقارير أخرى إلى تحليق طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي فوق سفينة تركية مخصصة للتنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية.
وفيما شدد إردوغان، بداية الشهر الجاري، على أن الاتفاق المبرم بين بلاده وليبيا حول تحديد النفوذ البحري في المتوسط، "حق سيادي" لكلا البلدين، تعتبره إسرائيل محاولة لـ"السيطرة التركية" على شرقي البحر المتوسط وتهديد على مخططها لتمرير أنبوب غاز من حقل "ليفياتان" إلى إيطاليا.
وقال إردوغان في حوار مع قناة "تي آر تي" إن "أنقرة لن تسمح بأي خطوات أحادية الجانب في البحر المتوسط، ولن تتمكن اليونان ومصر وإسرائيل وقبرص من اتخاذ أي خطوة دون موافقتنا، بعد توقيعنا على مذكرة التفاهم مع ليبيا".
ولفت الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (واينت) إلى أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية، التي وصفها الموقع بـ"أحادية الجانب"، تشكل انتهاكا للمياه الدولية التابعة للحدود الاقتصادية التابعة لليونان ومصر كما يقطع المساعي الإسرائيلية لإنشاء خط نقل الغاز إلى أوروبا.
وأخذت السلطات التركية خطوات عملية في هذا السياق، حيث تم استدعاء مفوض السفارة الإسرائيلية في أنقرة لإجراء مكالمة توضيحية في وزارة الخارجية في العاصمة التركية، وأوضحوا له المسؤولون الأتراك أن أي خطوة تتعلق بخط أنابيب الغاز إلى أوروبا يجب أن تلقى موافقة تركية.
في غضون ذلك، كثف نتنياهو، اتصالات مع نظيره اليوناني والرئيس القبرصي، لعقد قمة ترمي إلى التوصل لاتفاق لمد أنبوب غاز بين الدول الثلاث، ردا على الخطوات التركية، وتم التوافق على إجراء قمة في الثاني من كانون الثاني/ يناير المقبل، سيتم خلالها التوقيع على الاتفاقية.
وبحسب الموقع، فإن نتنياهو، الذي امتنع عن الرد المباشر على الإجراءات التركية في هذا الخصوص، اعتبر خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسيادس، أن الاتفاقية الاقتصادية التركية الليبية غير قانونية.
وقلل مصدر سياسي إسرائيلي، تحفظ الموقع عن ذكر اسمه، من الإجراءات التركية التي وصفها بـ"البلطجة"، واعتبر أنها ليست ذات معنى على المستوى العملي في الوقت الراهن، مبررا ذلك بأن "إنشاء خط الأنابيب لنقل الغاز من إسرائيل لأوروبا غير مطروح حاليا على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية".
وادعى المسؤول الإسرائيلي أن "إسرائيل تفضل خلال هذه المرحلة نقل غازها عبر خط أنابيب إلى مصر ومن هناك نقلها بحرا بواسطة سفن إلى أوروبا"، مضيفًا أن "اليد التركية تهدد من جهة، ومن الجهة الأخرى تمد يدها الثانية لحل دبلوماسي يمر عبر تركيا".
واعتبر الموقع أن القمة الثلاثية (الإسرائيلية اليونانية القبرصية) التي ستشهد توقيع اتفاقية بشأن خط أنابيب "إيست ميد"، ليست أكثر من خطوة شكلية على صعيد العلاقات العامة لإظهار موقف موحد في مواجهة الإرادة التركية، مشككة من إقدام إسرائيل على الشروع الفعلي في المشروع نظرا لتكاليفه الباهظة، بالإضافة إلى الصعوبات التقنية بسبب العمق في بعض المناطق.
وأشار الموقع إلى أن السلطات الإيطالية لم تصادق حتى هذه اللحظة على مشروع خط الأنابيب "إيست ميد"، ما يجعل من التوقيع في أثينا خلال القمة الثلاثية مجرد خطوة دبلوماسية رمزية - ولكن يمكن أن يقحم إسرائيل في الصراع بين تركيا والمحور اليوناني ويمكن أن يجرها إسرائيل مجددا إلى صراع مباشر مع أنقرة.
حملة يونانية للحد من طموحات تركيا لاستغلال الغاز في شرق المتوسط
وعلى صلة، قال خبراء ووسائل إعلام يونانية، اليوم، إن أثينا تواصل حملتها الدبلوماسية لمواجهة اندفاعة تركيا وراء الغاز والحد من تأثير الاتفاق الذي أبرمته في تشرين الثاني/ نوفمبر مع ليبيا لتوسيع حدودها البحرية.
وقام وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، أمس، الأحد، بزيارات خاطفة إلى شرق ليبيا ومصر وقبرص سعيا وراء الحصول على دعم بمواجهة الاتفاقية العسكرية والبحرية الموقعة أواخر الشهر الماضي بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني الليبية التي تعترف بها الأمم المتحدة.
وقد دعت اليونان، الأمم المتحدة إلى إدانة الاتفاقية التي تسمح لأنقرة بالمطالبة بحقوق في المناطق الغنية بالمحروقات في البحر المتوسط، وخصوصًا قبالة جزيرة كريت.
وقد أثار اكتشاف حقول غاز عملاقة في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة شهية العديد من الدول. وتتولى سفن تركية التنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص، واسفر ذلك عن توتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبي الذي تنتمي إليه قبرص.
وبعد جولة وزير الخارجية اليوناني مباشرة، أعلنت أثينا أنه سيتم توقيع اتفاقية بشأن خط أنابيب "إيست ميد" بين اليونان وقبرص وإسرائيل في الثاني من كانون الثاني/ يناير، في قمة ثلاثية دعيت لها مصر لمواجهة النفوذ التركي المتصاعد.
ومن المتوقع أن يجعل خط الأنابيب البالغ طوله 2000 كيلومتر الدول الثلاث حلقة وصل مهمة في سلسلة إمدادات الطاقة في أوروبا وأن يعرقل محاولات تركيا توسيع سيطرتها على شرق البحر المتوسط.
من جهته، قال أستاذ مساعد في قسم السياسة الدولية بجامعة ديموقريتس في تراقيا، سوتيريس سربوس، لإذاعة أثينا: "هذه هي المرة الأولى منذ 20 عاما التي نلاحظ فيها مثل هذا النشاط" الدبلوماسي لليونان.
ويقول محللون إن التقارب بين تركيا وليبيا هدفه تأمين دعم أحد حلفائها القلائل في المنطقة، حكومة الوفاق الليبية وعدم استبعادها من الاندفاعة نحو الغاز.
كما أدت الهزائم العسكرية للحكومة الليبية بمواجهة الرجل الذي يحظى بدعم مصري إماراتي فرنسي وروسي، في شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تقترب قواته من طرابلس، إلى الإسراع في توقيع الاتفاقية.
بدوره، قال أستاذ مساعد في قسم الدبلوماسية بجامعة بيلوبونيز، أنتونيس كلابسيس، للتلفزيون اليوناني العام، إن "التحالفات تؤدي إلى أحلاف مضادة".
وتتخذ اليونان التي عادة ما تتجه إلى الاتحاد الأوروبي في القضايا الرئيسية، مبادرات هذه المرة من خلال إقامة تحالفات مع مصر وإسرائيل، علما بأنها كانت قد طردت السفير الليبي في السادس من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، احتجاجا على الاتفاقية التركية الليبية. كما أن أثينا تعمل حاليا على تسريع المحادثات مع مصر بهدف تشكيل منطقة اقتصادية خالصة.
أما رئيس تحرير صحيفة "كاثيميريني" من يمين الوسط، أليكسيس باباخيلاس، فقال إن "الأشهر الأولى من عام 2020 ستكون صعبة بالنسبة للعلاقات اليونانية التركية".
وكتب في مقالة الإثنين إن "لحظة الحقيقة باتت أمامنا منذ أن بدأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مصمما (...) على المضي قدما في مطالب أنقرة في بحر إيجه وفي شرق البحر المتوسط".
وسيقوم رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس بزيارة رسمية للبيت الأبيض في السابع من كانون الثاني/ يناير، علما بأن الدبلوماسيين الأميركيين كانوا قد أدانوا الاتفاقية التركية الليبية، لكن موقف الرئيس دونالد ترامب الذي عارض مواقف وزارة الخارجية في الماضي، لا يزال مجهولا.
وأضاف باباخيلاس "إنه نوع من المواقف حيث تكتشف من هم أصدقاؤك وحلفاؤك الحقيقيون"، وكان المتحدث باسم الحكومة اليونانية، ستيليوس بيتساس، قد صرّح، الأحد، بأنه "من المهم للغاية أن تظهر دول هذه المنطقة عضلاتها في مواجهة استفزازات تركيا".
كما قال إردوغان، الذي طالب مرارا بمراجعة المعاهدات الإقليمية السارية منذ عقود مع اليونان إن تركيا "ليس لديها ترف" الصمت حيال هذه القضية.
وتابع إردوغان أن "اليونان والدول التي تدعمها اتخذت منذ فترة طويلة ترتيبات حتى لا تستطيع تركيا التمدد في البحر". وحذر قائلا "نحن الدولة التي لديها أطول ساحل على البحر الأبيض المتوسط، ونحن مصممون على حماية حقوقنا حتى النهاية وبكل الوسائل المتاحة لنا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق