الكاتب الفلسطيني عدلي صادق
في مصر، وقعت جريمة اغتصاب جماعي أطلقت عليها الصحافة “قضية فيرمونت”. ولوحظ من خلال ما نُشر أن المتهمين المقبوض عليهم، ومعهم الفارّون المطلوبون للعدالة، ينتمون إلى شرائح اجتماعية ميسورة، وأن الذي فعلوه لا يحدث مثله في أحياء المعوزين والفقراء والطبقة الوسطى.
مثل هذه الواقعة، ليست فعلاً ذكورياً وحسب، جرى فيه الاعتداء على فضيلة أنثوية، فأزال عفافها ودنس طُهرها، وإنما هي نتاج ثقافة رديئة عائمة، تأثر بها الجِنسان، من ذات الطيف الاجتماعي. فالبنت الضحية، أرهقها عدد المعتدين. وهؤلاء، بحكم مطارح حياتهم ونشاطهم الاجتماعي وتعليمهم، ليسوا مضطرين للعمل لكسب قوت يومهم. فهذه شريحة موجودة في المجتمعات التي فقدت طبقاتها الوسطى، وأصبح معظم شُبانها معنيين بالتأكيد على خاصية القوة الذكورية والوفرة المادية من خلال التحرش على اعتبار أن كل فتاة تسهل غوايتها وستكون موطوءة محتملة.
في الوقت نفسه، تحاول المرأة التمرد على خاصية الضعف المقررة عليها في الموروث التاريخي، لكنها ستسقط على وجهها، إن لم تمتلك العزم على الإنجاز الذي تحقق للكثير من الرائدات في مختلف حقول المعرفة استطعن زحزحة الرجل عن موضع التفرد بالمكانة الرفيعة، وحصلن على قدر من الاحترام يتمناه ملايين من الرجال.
منذ أوائل القرن الماضي، كانت هناك نساء ناشطات حاولن شد أزر المرأة الطموحة وتخصيص مساحة معتبرة لتثقيفها والمنافحة عن حقها في الحرية والحقوق المتساوية. وكان هناك رجال بذلوا جهداً مماثلاً في سائر العالم العربي. بل إن العبارات السديدة، في نُصح المرأة الشامخة لتنوير المرأة التائهة، لا تزال تصلح حتى الآن للاستخدام. فلدينا – مثلا – المصرية ملك حفني ناصف، المتوفية في العام 1918 وكانت تسمي نفسها “باحثة البادية”. لقد كانت ملك وهي تطالب بحقوق المرأة، وتفضح ممارسات الازدراء بها، وتسخر من مساوئ الرجال؛ تصرخ ساخطة كلما رأت بعض بنات جنسها في وضع خلاعي “في الشوارع وحوانيت الباعة” على حد وصفها.
لم يقصر الرجل أيضاً في الدفاع عن كرامة المرأة وحقوقها، ودفع ثمناً غالياً، وهو يقرع كل الأجراس لإنصاف المرأة. فقاسم أمين كان الصديق المقرب للشيخ محمد عبده ومترجمه الخاص في باريس، ثم سنده في الدعوة إلى تحرير المرأة. أما التونسي الطاهر الحداد، الذي اصطفاه الزعيم الروحي والسياسي عبدالعزيز الثعالبي، كأحد المقربين إليه، فقد تعرض للإقصاء الاجتماعي، ولما توفي لم يشارك في جنازته أحد، لكن ما دعا إليه أصبح معتمداً في بلاده.
كأننا للأسف، نعود مئة سنة إلى الوراء، إذ لا تزال هناك ممارسات بهائمية، تقترفها عناصر أخذت من أوطانها ما لا تستحق شيئاً منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق