سيدة في مخيم الهول الذي يضم عائلات مقاتلي "داعش"
إما أن نكون مع الخلافة الإسلامية أو نكون مع الدولة الوطنية. لا يمكننا أن نكون مع الاثنتين في الوقت نفسه. ولا يمكننا أن نمجّد ونمتدح الأولى ونحن نسعى إلى بناء الثانية. هذا أمر غريب بالفعل. وهو وصفة للخراب والدمار.
الحدود المصطنعة!
الدول العربية (بعضها أو كلها) تشكو من ضعف الانتماء الوطني وأن المواطنين ينضمون للجماعات الإسلامية ويخرجون عليها، من دون أن تسأل نفسها، كيف يمكن أن تدرّس في مدارسها أن الخلافة الإسلامية عظيمة وحلم ينبغي تحقيقه، ثم بعد ذلك تريد من هؤلاء التلاميذ أن يحتفظوا بالولاء لها؟ هذان أمران لا يستقيمان.
ماذا تعني الخلافة الإسلامية؟
هي تعني أولا أن دولنا بحدودها الحالية هي "كيانات" مصطنعة وأن الأصل أن الدول العربية والإسلامية كلها جزء واحد، والحدود الحالية ما هي إلا حدود وضعها الاستعمار الغربي وثبّتها بموجب معاهدات ظالمة ويجب تغييرها بالقوة.
لا يجب أن ننظر إلى الخلافة الإسلامية بأكثر مما ينظر الغربيون اليوم إلى الحضارة الإغريقية أو الرومانية
هذا ما يدرس في المدارس والكتب التعليمية. وهذا ما يحشون به أدمغة الأطفال الصغار.
فهل هو صحيح؟
معظم حدود دول العالم هي نتيجة معاهدات أو اتفاقيات أعقبت حروبا، والدول العربية ليست استثناء في ذلك. وأن تكون هذه المعاهدات عادلة أو ظالمة ليس أمرا مهما في حد ذاته، المهم هو أن هذه الحدود أصبحت مستقرة ومعترف بها، ومحاولات تغييرها يعني إعلان الحرب والاعتداء على الدول المجاورة وبما يفتح المجال لمنازعات طويلة ولا نهاية لها. وقد جرب كثيرون هذا الطريق ولم يصلوا إلى أي نتيجة.
"داعش" وشعار الخلافة
لم يكن من باب الصدفة أن تنظيم "داعش" سعى أول ما سعى إلى إزالة الحدود بين سوريا والعراق، بعد أن سمى نفسه دولة الخلافة، وأعاد تقسيم الدول العربية على هيئة ولايات وأمصار.
ما فعله "داعش" هو بالضبط ما يدرس في المدارس وما يجهر به رجال الدين ودعاة القومية وغيرهم على الملأ، ويسعون من خلاله إلى غسل أدمغة الناس، وهذا كله موجه ضد الدولة الوطنية ونخر في أساسها ووضع معول الهدم لتدميرها.
قد يكون حلم الدولة العربية الواحدة مطلبا (وإن لم يكن واقعيا) لمن يعتقدون بإمكانية مثل هذه الوحدة، مع أن التاريخ الحديث والقديم لم يزكها على أي نحو من الأنحاء، أما حلم الخلافة الإسلامية فهو كارثة وكابوس مزعج، لا نتمنى لأحد أن يمر به.
لماذا؟ لأن استعادة مثل هذه الخلافة، والإصرار عليها يعني سفك المزيد من الدماء وخلق الانقسامات وتشريد الناس وخراب البلدان وتدميرها.
الخلافة الإسلامية تنتمي إلى الماضي، شأنها شأن الإمبراطوريات القديمة، وقد انتهى عمرها الزمني بحلوه ومره، ويجب النص بوضوح في المناهج الدراسية على أنها لا تصلح للعصر الحديث وأنها تتناقض مع واقع الدول الحالية، وأن تدريسها هو محض عرض تاريخي ولا علاقة له بحاضر أو مستقبل هذه الشعوب.
الوحدة العربية
ثمة افتراض آخر خاطئ، وهو أن الدول العربية كي تتقدم لا بد لها أن تتوحد. الدول العربية ليست بحاجة إلى الوحدة كي تنهض. هي بحاجة أولا إلى بناء دول وطنية حديثة تقوم على المدنية وحكم القانون وخدمة مصالح شعوبها. إذا أرادت أن تتكامل اقتصاديا وتنسق مع بعضها البعض سياسيا فهذا خير وبركة، لكن خلاف ذلك فهي دول ذات سيادة وحدود معترف بها، وعليها أن تتطور تاريخيا في هذا الاتجاه.
دعوات الوحدة التي صدرت طوال المئة عام الماضية لم تكن أكثر من فكرة عاطفية، راقت للكثيرين وداعبت خيالهم، لكن غاب عنها تحقيق المصلحة، ولذلك انتهى بها الأمر إلى مجرد محاولة لإسقاط فكرة متخيلة على أرض الواقع، وفي أحيان أخرى أداة للسيطرة والتسلط بدافع الطمع والجشع والرغبة في الوصول إلى الحكم. وواقع الحال يقول بأن هذه الدعوات لم تجلب أي خير أو منفعة لأية دولة عربية انطلقت منها.
الانتصار للدولة الوطنية
طبعا تظل الدعوة إلى الوحدة العربية، على سذاجتها ومأساويتها، أهون بكثير من قصة الخلافة الإسلامية.
هذه الأخيرة تعيدنا أشواطا بعيدة في الماضي، وهو ماض متخيل، تحسبه كل فرقة إسلامية بالصورة التي تشتهيها أو يوافق هواها السياسي، فيما تنبذه الفرق الأخرى وترى فيه شرا مستطيرا.
ما فعله "داعش" هو بالضبط ما يدرس في المدارس وما يجهر به رجال الدين ودعاة القومية وغيرهم على الملأ
بمعنى آخر فإننا لا يجب أن ننظر إلى الخلافة الإسلامية بأكثر مما ينظر الغربيون اليوم إلى الحضارة الإغريقية أو الرومانية.. نستفيد من إيجابياتها في شأننا الحاضر لا أن نعود لها والعياذ بالله.
11 سبتمبر 2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق