أقر مجلس الأمة الكويتي مشروع قانون للحماية من العنف الأسري، وجاء ذلك ثمرة جهود منظمات وفرق تطوعية نسائية ناضلت لسنوات طويلة في سبيل القضاء على جميع أشكال العنف المسلط على الكويتيات والحد من معاناتهن، حيث تعددت قصص المعنّفات والمتضرر واحد هو المرأة، الحلقة الأضعف التي تُؤْثر غالبا الصمت خوفا من كلام المجتمع أو حرصا على مصلحة الأبناء.
"سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون، لن أنتظر ديمقراطية شعب من المخدوعين بالثقافة الذكورية"، لم تثبت عبارات الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة نجاعتها مع التونسيات فحسب، بل صارت فكرة اللجوء إلى سن القوانين مطالب بين السيدات العربيات لضمان حقوقهن هربا من قيود مجتمعاتهن البطريركية.
وساعد وعي النخب المثقفة من السيدات وبعض مناصري المرأة على الدفع بالكثير من القضايا المسكوت عنها إلى طاولات المشرعين، حيث توّجت، مؤخرا، حملات ناشطات كويتيات للمطالبة بحقوق المعنفات وتوفير الحماية لهن، حين أقر مجلس الأمة الكويتي مشروع قانون الحماية من العنف الأسري.
وأظهرت الكويتيات وعيا بحقوقهن السياسية والاجتماعية والإنسانية بدليل تزايد لجان حقوق الإنسان والتحركات الرسمية والشعبية المناصرة للمرأة. ومن بين هذه الحملات حملة “إيثار” التي تهدف إلى حماية المرأة المعنفة جسديا ونفسيا تحت مظلة القانون، ومنع الاعتداء عليها مجددا من جانب أوليائها، بالإضافة إلى توفير ملاذ آمن لها في حال خروجها من البيت الذي عنّفت فيه.
وساهم الفريق التطوعي إلى جانب فرق وجمعيات أخرى مناهضة للعنف ضد المرأة، بعد سنوات من النضال والصراع، في إقرار مجلس الأمة لمشروع قانون الحماية من العنف الأسري بموافقة 38 عضوا من أصل 40، ثم تمت إحالته إلى الحكومة.
وأفادت الدكتورة العنود الشارخ، باحثة في السياسة الإقليمية والأمن ومدافعة عن حقوق المرأة، أنه كان لفريق “إيثار” دور هام في تقديم الاقتراحات في مواد مشروع قانون الحماية من العنف الأسري منذ عام 2016، موجهة باسم الفريق الشكر والامتنان لكل الجهات التشريعية والحكومية التي سارعت بإقرار هذا القانون.
وكانت الشارخ دوّنت على صفحتها الرسمية بتويتر في عام 2018 “فخورة أن أكون جزءا من حراك مدني كويتي صانع للتغيير الإيجابي، الكويت تأخرت في سن قانون بشأن وقف الإيذاء والعنف والتحرش ضد المرأة، ولكننا اليوم نتأمل تشريعا قريبا بعد دعوة فريق إيثار لحضور اجتماع مع لجنة شؤون المرأة والأسرة في مجلس الأمة الكويتي بحضور وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”.
وبعد حوالي ثلاث سنوات، تجددت الدعوة وتحقق ما كانت الشارخ تأمله، وترى أن هذه الخطوة من شأنها أن تعزز الآمال بتغييرات أخرى من بينها إنشاء مراكز الإيواء والاستماع للنساء المعنفات.
وأكدت رئيسة لجنة المرأة والأسرة النائبة صفاء الهاشم خلال انعقاد المجلس أن هذا القانون ركن رئيسي لحماية الأسرة، راجية الجدية في تطبيقه خاصة وأن مراكز الإيواء أصبحت ضرورة، إذ لطالما تعثرت خطط افتتاح مراكز خاصة لإيواء النساء المعنفات وإسكانهن وحمايتهن من ذويهن بسبب غياب القوانين التي تسهل إنشاء مثل هذه الفضاءات وتمنح النساء حق السكن خارج المنزل بعد طلب الزوج أو الأب رجوع زوجته أو ابنته إلى بيت الطاعة، وفق ما يقرره قانون الأحوال الشخصية الكويتي.
ويعتبر بعض من مناصري المرأة أن قانون الأحوال الشخصية الكويتي يميّز ضد المرأة، وأن الدستور على الرغم من كونه تضمّن نصوصا تتوافق والمعايير الدولية في المواطنة والعدالة والمساواة، ورغم مصادقة الكويت على الكثير من الاتفاقيات في هذا الخصوص، بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إلا أنّ حقوق المرأة ما زالت في الكثير من التشريعات بعيدة عن التطبيق العملي.
مواطنة منقوصة
ترى المحامية عذراء الرفاعي، رئيسة لجنة الأسرة في جمعية الحقوقيين الكويتية ومرشحة لمجلس الأمة 2020 الدائرة الأولى، أن “حقوق المواطنة منقوصة”، مؤكدة “رغم وجود الدستور والاتفاقيات الدولية التي انضممنا إليها والتشريعات القانونية، إلا أن حقوق المواطنة ما زالت منقوصة ومقيدة بشروط لا تتناسب البتة مع الحقوق الإنسانية، وعند تشريع الحقوق لا يتم تنفيذها أو تنظيمها لممارستها، ويعد ذلك انتقاصا لحقوق المرأة”.
وأوضحت الرفاعي لـ”العرب”، “على سبيل المثال، عندما تم إقرار قانون إسكان المرأة عام 2011، رافق ذلك زيادة في أسعار العقارات، حيث أصبحت لا تتناسب مع قيمة القرض الممنوح للمرأة لشراء منزل”.
وتظهر هذه المواطنة المنقوصة في مواضع أخرى من مواد قانون الأحوال الشخصية، حيث تحتاج بعض النساء إلى وصي ذكر لإتمام عقود زواجهن؛ بالإضافة إلى أنه لا يمكن للمرأة طلب الطلاق من المحكمة على أسس محددة، بعكس الرجل الذي يستطيع تطليق زوجته من جانب واحد؛ وقد تفقد المرأة حضانة أطفالها في حال تزوجت مجددا من شخص من خارج عائلة زوجها السابق.
كما أن الرجل يستطيع الزواج من نساء أخريات بحدود أربع زوجات، بدون إذن الزوجة أو معرفتها، إلى جانب أنه باستطاعة الزوج منع زوجته من العمل في حال وجد أنه يؤثر سلبا على مصالح العائلة.
وكشف النائب محمد الدلال، على هامش انعقاد مجلس الأمة، أن الحكومة تقدمت بعدد من التعديلات أغلبها صياغة لغوية لتغطية جميع أنواع عقود الزواج وشمول نوعين من الحضانة والحضانة البديلة.
وعلى الرغم من وجود بعض القراءات التي تنظر للدستور الكويتي على أنه لم يأت على ذكر حقوق المرأة تخصيصا أو تسمية، بحجة أن مفردة “المرأة” لم تُذكر في جميع مواده، بحيث بدت حقوق الكويتيات تدور في فلك الإطار النظري العام لحقوق المواطن والأفراد وحرياتهم العامة، فإن الدستور بحسب الرفاعي “جاء بكافة مواده في باب الحقوق والواجبات بالمساواة بين الجنسين مما يعطي الحقوق كاملة للجنسين دون تفرقة، وهذا ما أكدته المادة 29 من الدستور”.
وأضافت أن “قانون العنف الأسري الذي تمت الموافقة عليه من مجلس الأمة وننتظر اليوم إعلانه في جريدة الكويت حتى يتم تنفيذه، يعد القانون الأول على مستوى الكويت في إقرار الحماية لأفراد الأسرة وحمايتهم من أي تهديد قد يصلهم”.
ولم يأت هذا القانون الأول من نوعه في الكويت من فراغ، بل نتيجة سعي منظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية النسائية إلى تقديم مجموعة من القوانين التي تهدف إلى تجريم العنف، إلى لجنة المرأة في البرلمان، لكنّ هذه المطالب ظلت حبيسة الأدراج لسنوات في ظل عدم استجابة النواب وانشغالهم بقضايا أخرى.
وقالت الإعلامية حنان الزايد، وهي شريك مؤسس في فريق منار التطوعي لأمن وسلامة المرأة، إن “حصول الكويتيات على حماية قانونية من العنف الأسري أمر إيجابي وبداية موفقة، فوجود قانون يفتح الطريق أمام المرأة لتتشبث بهذه القوانين والمواد حتى وإن احتاجت بعد ذلك لأي تعديلات بسبب بعض الثغرات، فهي في الوقت الحالي تضمن حماية للطرف المستضعف في الأسرة والمعنف سواء أكان امرأة أو طفلا أو مراهقا، وتوفر مراكز إيواء للمعنفين”.
وأضافت الزايد في حديثها لـ”العرب”، “يوفر هذا القانون، نوعا ما، حماية لأنه يضم الكثير من البنود التي تضمن سلامة الشخص المعنف في الأسرة، من بينها معاقبة كل من يجبر المعنف على العدول عن تبليغ شكواه، بالإضافة إلى أنه يقدم حماية لمن شاهد عنفا وقام بالإبلاغ عنه، إلى جانب توجيه سلطة الضبطية القضائية إرشادا نفسيا لمساعدة المعنف”، متابعة “من هذا المنطلق يمكننا القول إن هذا القانون يضمن حماية ومع ذلك لا تزال هناك بعض القوانين في حاجة ماسة للتعديل”.
سر المادة 153
وأكدت الزايد أنه “لا تزال هناك بعض القوانين المهمة جدا لم تعدل بعد ولم ينظر فيها”، وأن “القانون الذي تم إقراره مؤخرا أيضا ما زال يحفه الغموض، فهو لم ينزل بعد بجريدة الكويت الرسمية وبالتالي فإن مسألة مباركته تحتاج أولا إلقاء نظرة على ما بعد هذا الإقرار”.
وتابعت “لدينا قانون 153 الذي يمكن القول إنه موجود بشكل عام في جل الدول العربية، وهو ينص على أن كلّ من فاجأ زوجته في وضع مخل بالآداب وقتلها في الحال، فإنه يبرأ بدعوى أنه دفاع عن شرفه، في حين إذا حصل العكس وكانت المرأة من وجد الزوج في حالة تلبّس بالزنا، فإنها تعاقب في حال قتلته أو تسببت في وقوع جريمة”.
واعتبرت أن “هذا القانون لا يضمن أي نوع من المساواة بين الرجل والمرأة، إذ أنه يعطي الرجل فرصة ممارسة العنف ضد المرأة وقتلها بكل حرية من دون حسيب أو رقيب، وأصبحت مسألة المطالبة بإلغائه ضرورة قصوى”.
وتعد المطالبة بإلغاء المادة 153 مطلبا جماعيا، ويمكن أن تسرع الجريمة التي جدت بعد فترة قصيرة من تشريع قانون يحمي من العنف الأسري، حيث مثّل مستشفى مبارك الكبير في الكويت مسرحا لجريمة قتل بشعة لسيدة كويتية كانت موجودة داخل العناية الفائقة.
وصدمت الجريمة المروعة الكويتيين الذين تناقلوا تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قام شقيق المغدورة فاطمة العجمي، ويدعى عبدالهادي، بإطلاق النار عليها في منطقة سلوى بمحافظة حولي، ثم لاذ بالفرار على خلفية زواجها منذ سنتين من شخص لم يوافق عليه بسبب ”عدم تكافؤ النسب”.
وأرجعت الزايد أسباب ذلك إلى المعتقدات القبلية التي ما تزال راسخة في أذهان الكثير من الكويتيين بأن الفتاة الحضرية لا تتزوج القبلي أو السنية من الشيعي أو العكس.
وأضافت أن أسباب العنف عائدة أيضا إلى “التنشئة الاجتماعية التي تخول للذكر حقوقا لا تجيزها للأنثى في البيت، حيث تربي العوائل بناتها على أن يكن في خدمة أشقائهن الذكور والسهر على راحتهم، وهو ما ينمي في عقولهم الباطنية وفي المجتمع أنهم يملكون الحق في إحكام سيطرتهم على شقيقاتهم وتوجيههن كيفما اتفق لأهوائهم الذكورية، بالإضافة إلى ترسيخ فكرة أن شكلهم وتركيبتهم البنيوية والجسدية تمنحهم قدرة على تعنيف المرأة وضربها”.
ولفتت إلى أن “التنشئة الاجتماعية ليست وحدها المدانة وإنما أيضا عدم تجديد العقوبات، مما يمنح صلوحية دائمة لبعض الأعراف والنواميس المجتمعية من بينها قضايا الشرف التي ما زالت تثير ضجة كبيرة في عدد من المجتمعات العربية من بينها الأردن”.
وأوضحت أن “جرائم الشرف تذهب ضحيتها الكثيرات حتى في حال عدم ثبوت الجرم، ومع ذلك للأسف لا يوجد إلى الآن قانون جازم أو حازم أو إعدام مرتكبي هذا النوع من الجرائم حتى يكونوا عبرة يعتبر من خلالها”.
ولا تقف أسباب تعنيف الرجل للمرأة على البعدين النفسي والجسدي، بل تصل إلى الجانب المادي، حيث يعمد بعض الآباء أو الأزواج أو الأشقاء الذكور إلى انتزاع الراتب الشهري عنوة للمرأة، وقالت الزايد إنه “يمكن للأب استغلال ابنته أو زوج لزوجته من أجل المال، بحيث يجبرها على الاستدانة أو الاقتراض أو الخروج للعمل”.
التخلص من عقدة الخوف
وفقا لمصادر إعلامية محلية، فإن حوالي 53.1 في المئة من الكويتيات تعرضن لأحد أنواع العنف في حياتهن.
وأشارت الشارخ في حديثها لـ”العرب” إلى أن “نسب العنف المسلط على المرأة الكويتية غير دقيقة ولكنها حسب الإحصائيات الرسمية من وزارة العدل التي قدمتها الدولة لسيداو وصلت إلى 447 حالة عام 2016”.
في حين ترى الرفاعي أن “قضايا العنف ضد المرأة ما زالت مخفية تحت لحاف الخوف من العادات والتقاليد والموروث الثقافي وعدم وجود مأوى لهن في حال تقديمهمن البلاغ.. فالنساء مع ارتفاع أصواتهن ما زلن عالقات”.
وتحاول منظمات المجتمع المدني والفرق التطوعية النسائية توعية الجماهير حول العنف ضد المرأة، عبر عقد ندوات ومحاضرات وإطلاق حملات إعلامية، وبرامج تدريبية.
كما تهدف هذه اللقاءات إلى تشجيع المرأة على عدم التستر بسبب العرف الاجتماعي، حيث تشير الزايد إلى أن “الكثير من السيدات أو الفتيات يخشين الإبلاغ حفاظا على أسمائهن وأسماء أسرهن”.
وبحسب الزايد، هناك سعي دائم خاصة من قبل منظمات المجتمع المدني إلى توعية المرأة قبل توعية المجتمع، مبينة أن “دفاع المرأة عن نفسها وإيمانها بذاتها وبقدراتها، وتسلحها بقوتها الداخلية لحماية نفسها دون أن تنتظر مساعدة من أحد، يساهم في انتقال التوعية للآخرين من حولها وتعم لتصبح حمايتها مسؤولية مجتمعية تنطلق من مساندتها لنفسها”.
وشددت على أن “المرأة بحاجة ماسة للتخلص من عقدة الخوف وذلك عن طريق الحملات التوعوية، إلى جانب ضرورة تجديد القوانين وهذا الأخير منوط بعهدة أصحاب صنع القرار، فهم من يلعب دورا كبيرا ليس فقط في إقرارها، بل وتثبيتها كذلك”.
وأضافت “إذ أن مسألة طرح القوانين وحدها لا تكفي، لا بد من تنفيذها وإبرازها إعلاميا، حتى تنتقل عقدة الخوف من المرأة للرجل حتى يخاف ويفكر قبل الإقدام على أي تصرف مليون مرة، ويقرأ كل العواقب، لكن ما نراه أن انتشار مثل هذه القضايا والجرائم المعلن عنها وغير المعلن عنها يجعل الرجل غير واع بالقوانين”، معتقدة أن “الرجل لو أنه كان على دراية بالعقوبة وأن الجرم قد يصل حد الإعدام ما كان ليستهين بنفسه”.
وتابعت “ألاحظ كذلك غيابا للوازع الديني، في حال إزهاق الأرواح، فهو للأسف مفقود، فالقتل من الأمور المحرمة في الدين وعقوبته الأخروية مجحفة، ومع ذلك لم يتم تسليط الضوء على عقوبة القتل من الناحية الدينية وليس فحسب من الناحية القانونية أو الاجتماعية”.
وعلى الرغم من تفاؤل الكويتيات بالقانون الجديد واحتفالهن به تحت هاشتاغ #التغير_قادم، فإن عددا من النشطاء ما زالوا يتساءلون “إلى متى سيستمر العنف وهذا الجهل ونحن على أعتاب 2021؟”، وذلك لإيمانهم بأن المرأة والقوانين الخاصة بها ليست من أولويات مجلس الأمة، معربين عن خوفهم من أن يظل القانون الجديد حبرا على ورق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق