كتبت : رشا نداف
احتلت المرأة اللبنانية حيزًا من تغطية الإعلام المحلي والعربي للحراك اللبناني المستمر منذ تشرين الأول الماضي حتى الآن، لكن هذا الاهتمام الإعلامي بالمرأة لم يكن ليسلط الضوء، بشكل أساسي، على صورتها الثورية ودورها في مواجهة النظام الطائفي والأبوي، في مقابل تكريسه صورًا نمطية اختزلها بـ”الحسناوات” و”المتحررات” كنموذج استهلاكي وتسويقي للمرأة.
غصت وسائل إعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعناوين تصف حضور النساء في الحراك اللبناني بالبارز واللافت والمميز، وغير ذلك من العبارات التي تشي باستغراب وجودها في المظاهرات، سواء بصور إيجابية أو نمطية أو حتى سلبية، عبر التركيز على الرقص والغناء واللباس وغيرها من المظاهر.
واعتمدت بعض وسائل الإعلام المحلية خطابًا يقوم على تسطيح المرأة ونضالها والتركيز على صورها العارية، بعيدًا عن دورها في قيادة احتجاجات، وتصديها لأي مواجهة بين القوى الأمنية والمتظاهرين.
تجلى ذلك الخطاب في استضافة وسائل الإعلام رجال دين وشخصيات عامة تعرف بمواقفها المناهضة لحقوق المرأة، كما استُضيفت إعلاميات بدا خطابهن تكريسًا لصور نمطية سيئة عن الأنثى في الحراك، كأن تقول إحداهن إنها “تنتظر أن تعرف كم حالة حمل ستخرج بوجود المتظاهرات لوقت متأخر”.
النظام الطائفي خلف “ماكينة التنميط”
المشكلة الكامنة في الأداء الإعلامي قد تعود إلى التراخيص الإعلامية التي مُنحت في لبنان على أساس محاصصة طائفية، بحسب ما قالته الإعلامية والناشطة ديانا مقلد، في لقاء حواري نظمته “رابطة المواطنة” في بيروت، منتصف كانون الأول 2019.
فالإعلام برأي مقلد يمارس خديعة حين يقوم بتغطية مباشرة لإيصال أصوات الناس الذين يملكون مطالب ثورية، ويستضيف في نفس الوقت في برامجه الحوارية أشخاصًا يقدمون خطابًا معاكسًا وثورة مضادة.
يلتقي كلام مقلد مع ما لفتت إليه الدكتورة في علوم الإعلام والاتصال نهوند القادري، التي كتبت في ملف مخصص للحراك اللبناني في مجلة “الآداب”، أن “الإعلام التقليدي في لبنان هو ربيب النظام السياسي- الاقتصادي اللبناني، القائم على المحاصصة المذهبية والطائفية، بما تعنيه هذه الكلمة من حماية كل طائفة للمتورطين والمرتكبين في مواجهة الطوائف الأخرى”.
المحامي والمستشار في شؤون التنمية أديب نعمة، يرى أن الخطاب الإعلامي عن النساء اللواتي شاركن بصفتهن مواطنات يطالبن بإسقاط النظام، ويناقشن القضايا الخاصة بهن كنساء مضطهدات مثل بقية المواطنين “يندى له الجبين”، إذ إن الإعلام الرسمي والمحلي أُجبر على تغطية الثورة لاستكمال المسار الربحي الخاص به، لكنه سار على نهج إعادة إنتاج الخطاب القديم على كل المستويات.
مجددًا، ربط نعمة بين هذا الخطاب والنظام اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية، معتبرًا أنه “غير مفاجئ”، ولافتًا إلى حل يمكن الاعتماد عليه لتخطي الخطاب السائد، عبر ما أسماه “الإعلام البديل”.
وجه استثماري
لم يُغفل الإعلام العربي أهمية صور النساء الجميلات في جذب القراء وارتفاع عدد المشاهدات، ولهذا لا يمكن الجزم بأن تغطيته لدور المرأة في الثورة اللبنانية كانت بهدف الشفافية والموضوعية في نقل الحدث فقط، بحسب رأي الناشطة النسوية و”المناضلة اللاعنفية”، جنى أبي مرشد.
تقول أبي مرشد إن الإعلام الانتهازي يحتاج للاستفادة من قوة صورة المرأة، لكن بشكل يعيد إنتاج صورتها النمطية سواء بالوجوه النسائية في الاستوديوهات التلفزيونية، أو باختيار المتحدثات على الميكروفون في أثناء النقل المباشر.
لكن الصحفية نضال أيوب لا تعول على الإعلام في دعم مطالب اللبنانيين في أي مسار انتقالي لا يشمل التغيير الجذري لشكل النظام الحالي، وتلفت إلى أن الناشطات يتعرضن لأنواع كثيرة من المواجهة ومحاولة الترهيب، إذ تُمارس محاولات لاقتحام خصوصياتهن، واتهامهن بقضايا متعلقة بالشرف.
الاستهلاكية كنظام قولبة للبنانيات
تصف الناشطة النسوية جنى أبي مرشد واقع المرأة اللبنانية وتطورها خلال ثلاثين سنة، قياسًا بالمنطقة العربية المحيطة، “فمن المعروف أن لبنان لديه حريات وانفتاح ودور نشر وتركيبة سياسية اقتصادية اجتماعية، لها حد أدنى من الديناميكية التي انعكست بدورها على دور النساء”، لكن السلطة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، “عملت على تنميط وتسليع النساء في الإعلام والإعلان”.
هذا يرتبط، بحسب أبي راشد، بالنمط الاقتصادي والسياسة الاقتصادية التي حكمت البلاد “كون الاستهلاك كسياسة، جعلنا مرهونين لقطاع المصارف، وتم قولبة الجمعيات والحركات النسوية ومنظمات حقوق المرأة بشكل تبلور في نساء الصالونات ونشاطات المرأة المتعلقة بالصبحيات الخيرية، وجمع التبرعات للأيتام والقضايا الحيادية الثانوية وتغييبها سياسيًا”.
لذا أصبح التنميط بارزًا في رؤية العالم العربي للمرأة اللبنانية، لا سيما في مجال الإعلام والإعلان والفن والدراما، وتم تسويق هذا النمط وتعميمه وتسليط الضوء عليه والإشاحة عن النموذج الآخر، كل ذلك بهدف رفع نسب المشاهدات واستجرار الأموال.
الضخ عربي أيضًا
لم ينحصر تكريس الصورة النمطية للمرأة اللبنانية في الإعلام المحلي فحسب، وإنما عبر الإعلام العربي وشخصيات عربية معروفة، منها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، الذي قال عبر حسابه الشخصي على موقع “تويتر”، على سبيل النكتة، إنه أغلق التلفاز حين دخلت عليه زوجته وهو يشاهد ثورة لبنان، بينما برر ذلك لاحقًا للمتابعين على أنها مجرد روح نكتة يمتلكها الشعب المصري عمومًا، ولم يقصد بها أي إهانة.
كما أن رئيس غرفة الصناعة في دمشق، فارس شهابي، نشر على صفحته الرسمية في “فيس بوك” صورًا تضم متظاهرات لبنانيات بوضعيات مختلفة، وعلق بالقول “يعني هدول متظاهرين والزومبي الهمج الي طلعوا عنا متظاهرين؟!”، في مقارنة بين حسن صورة وأشكال ولباس اللبنانيات، ومظهر الثائرات السوريات.
أما في لبنان فاعتذر رجل الدين سامي خضرا، من كل العرب والمسلمين عن الصورة التي ظهرت للمرأة اللبنانية في التظاهرات الأخيرة، وذلك وفقًا لمنشور كتبه عبر صفحته “فيس بوك”.
الصورة الحقيقية.. لماذا يشاركن؟
يكمن السبب حول مشاركة اللبنانيات في الحراك الثوري على نطاق واسع، بحسب أستاذ العلوم الاجتماعية وعلم البشريّات في الجامعة اللبنانية- الأمريكية في بيروت بول طبر، خلال حوار مع “الآداب”، بأن “المرأة في العقود الماضية غدت أكثر علمًا ومشاركة نشطة في الشأن العام وفي سوق العمل”.
كما لم تعد محصورة اجتماعيًا داخل العائلة البطريركية، ثم راحت تواجه مشاكل الرجل نفسها، من حيث البحث عن العمل والخدمات، وصارت أكثر قدرة على التعبير عن ذاتها، ووجدت أنها لم تعد قادرة على إعطاء زعماء الطوائف شرعية طوعية، وفق طبر.
ويرى أستاذ العلوم الاجتماعية أن المنظمات عرضت المرأة لأفكار جديدة، كما أثرت “برامج تمكين المرأة” في ثقافتها، لافتًا إلى أن هذه الأفكار والبرامج ليست هي من “ثورت” السيدات الآن، وإنما العوامل التي دفعتهن للمشاركة الفعالة اليوم، هي تأزم النظام على مختلف المستويات، “أما بقية الاشياء فعوامل مساعدة ومسهلة”، واصفًا ذلك بـ”روافد في نهر كبير”.
بينما تربط الناشطة النسوية جنى أبي مرشد، الوجود النسوي بأشكاله المختلفة بروحية الثورة، مرجعة الأمر إلى طبيعة النساء المتقدة والنزاعة للاختلاف، إذ إن الثورة “كالأعشاب التي تنبت بشكل عشوائي، وإذا خرجت مهذبة تفقد روحها. ولأن المرأة كانت ضمن هذا المشهد فمن الطبيعي أن نرى هذه العشوائية في أشكالها ومطالبها”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق