في أواخر عام 2016 تداولت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام صوراً تُظهر قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" وجنرال إيران الأشهر، متجوّلاً في محيط قلعة حلب بعد أيامٍ من سقوط حلب الشرقية بأيدي جيش الأسد والميليشيات العاملة معه، التي يرتبط معظمها مباشرةً بالحرس الثوري الإيراني وبسليماني نفسه.
لم تكن تلك الجولة ولا نشر صورها على نطاق واسع أمراً عفوياً، وإنما جاء لتأكيد دور طهران في الحرب السورية، وتوجيه الرسائل لمختلف الأطراف المعنية عن مدى عمق الدور الإيراني في سوريا، والذي لم تزده السنوات الثلاث المنصرمة إلا قوّةً وتجذّراً وخطورةً على الأصعدة كافّة.
ولمّا كان سليماني العرّاب الأبرز لدور بلاده في سوريا والممسك بمفاصله الأهم، أي العسكرية والأمنية، في مرحلة ما بعد 2011 خصوصاً، فإنّ مقتله يدفع إلى التساؤل عن إمكانية تأثير هذا الحدث على "المكاسب" التي حققها الرجل لإيران في سوريا.
لا تنبع أهمّية السؤال من هوية القتيل فحسب بل من هوية القاتل أيضاً: الولايات المتحدة. تفسير العملية بأنها ردّ أمريكي على قيام "الحشد الشعبي" بمهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد لا يبدو كافياً، إذ كان من الممكن أن يجري من خلال قصف مقرّات ميليشيات "الحشد" على نحو ما جرى قبل أيام قليلة فقط. ومن ثمّ ليس من المستبعد أن يكون استهداف شخصيّة إيرانية بحجم الجنرال سليماني مؤشّراً على بداية تعامل أمريكيّ مختلف مع سياسات الإيرانيين في المنطقة، ومن ضمنها وجودهم في سوريا، وهو الذي بات من أكثر الملفات إثارة للجدل، وبنداً شبه ثابت على جدول أعمال الاجتماعات التي تتناول الشأن السوري، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. فالمسألة لم تعد تخصّ السوريين وحدهم بل أصبحت موضوعاً للتجاذبات والصفقات بين الدول، على نحو ما تكشفه التصريحات الدبلوماسية حيناً، والعمليات العسكرية في أحيان أخرى.
يصعب التكهّن بما سيعقب العملية من إجراءات أو تداعيات، سيّما وأنّ ساكن البيت الأبيض معروفٌ بتحوّلاته المفاجئة واتخاذ الموقف ونقيضه في غضون أيّام، أو بين تغريدة وأخرى على تويتر. غير أنّ تقليم أذرع إيران في سوريا لا يبدو أنه سيكون بالأمر اليسير. فالإيرانيون يدركون جيداً أنّ وجودهم ودورهم على الأراضي السورية أمرٌ غير مرغوب فيه لدى مختلف الأطراف، سواء من يعلن ذلك صراحةً كالولايات المتحدة وإسرائيل وبعض العواصم الخليجية، أو من يُفترض أنه في موقع الحليف لإيران مثل روسيا، فضلاً عن ذوي الموقف البراغماتي المتلوّن كالأتراك. لذلك، ينبغي التذكير بأنّ الخطط الإيرانية في سوريا لم تقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية التي كان يقودها سليماني بشقيها العسكري النظامي والآخر الميليشياوي، وإنما شملت استراتيجية متعددة المستويات، وُضِعت من أجل وجود طويل الأمد، عبر وسائل اقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية وتعليمية.
فإيران لم يكفِها تمتين الصلات مع الشيعة السوريين وإنما عملت على توطين أعداد كبيرة من أفراد الميليشيات الشيعية التي استقدمتها من العراق وأفغانستان في المناطق المحيطة بدمشق كما في بعض أحيائها القديمة. وثمّة تقارير تتحدّث عن تجنيس هؤلاء وعائلاتهم بالجنسية السورية، وذلك بالتنسيق مع مراكز القوى الموالية لإيران داخل نظام الأسد، إضافة إلى عمليات الشراء المنظمة واسعة النطاق لاستملاك مزيد من الأراضي والعقارات. وقد امتدّت عمليات التوطين لتشمل مناطق من حمص وحلب وغيرها، في مجمّعات تخضع بالكامل للسيطرة الإيرانية. لكن السلاح الأخطر في التغيير الديمغرافي على أساس طائفي يتمثّل في التهجير القسري للسكان أو مبادلة المناطق وإحلال سكان شيعة محل آخرين سنة، كما جرى في "اتفاق المدن الأربع" في ربيع عام 2017، مما يؤدّي إلى خلق وقائع على الأرض من شأنها تكريس التغلغل الإيراني في نسيج المجتمع السوري.
على صعيد آخر، لا يكاد يمر يوم من دون أن تنشر وسائل إعلام النظام وتلك المرتبطة بإيران أنباء عن الاتفاقيات والتفاهمات الاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية التي يتم توقيعها بين إيران والنظام السوري، وهي جميعاً طويلة الأمد وذات تعابير فضفاصة تتيح للشركات الإيرانية الحكومية والخاصة على السواء التمتع بامتيازات وتفضيلات يصعب حصرها. وقد بدأت الاستثمارات الإيرانية تظهر في سوريا فعلاً في مجالات عديدة كالطاقة والاتصالات والثروات الباطنية والزراعة والتجارة والتطوير العقاري وحتى في الجامعات وسواها. ولتسهيل حركة الأموال والأشخاص والبضائع جرى تأسيس مشاريع مشتركة كإنشاء مصرف سوري إيراني لتسهيل حركة الأموال وتغطية الاستثمارات، وشركة إيرانية عراقية سورية للنقل والمواصلات.
ما سبق وغيره يضع بين أيدي ملالي طهران أوراقاً لا يُستهان بها نظراً للطابع "القانوني" الذي أضفِي عليها، من خلال القنوات الرسمية بين حكومتي النظامين ومراعاة الجوانب القانونية الشكلية بشأنها، مما يعزز مواقع النظام الإيراني في سوريا وفي الحدّ الأدنى يقوّي موقفه التفاوضي بشأن الدور المستقبلي فيها، فيما لو نجح اللاعبون الآخرون في تحجيم نفوذ إيران العسكري. ويبقى الأمل بأن يشكّل خلاص المنطقة من سليماني وشروره بداية النهاية للمشروع الذي كان يمثّله.
ولمّا كان سليماني العرّاب الأبرز لدور بلاده في سوريا والممسك بمفاصله الأهم، أي العسكرية والأمنية، في مرحلة ما بعد 2011 خصوصاً، فإنّ مقتله يدفع إلى التساؤل عن إمكانية تأثير هذا الحدث على "المكاسب" التي حققها الرجل لإيران في سوريا.
لا تنبع أهمّية السؤال من هوية القتيل فحسب بل من هوية القاتل أيضاً: الولايات المتحدة. تفسير العملية بأنها ردّ أمريكي على قيام "الحشد الشعبي" بمهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد لا يبدو كافياً، إذ كان من الممكن أن يجري من خلال قصف مقرّات ميليشيات "الحشد" على نحو ما جرى قبل أيام قليلة فقط. ومن ثمّ ليس من المستبعد أن يكون استهداف شخصيّة إيرانية بحجم الجنرال سليماني مؤشّراً على بداية تعامل أمريكيّ مختلف مع سياسات الإيرانيين في المنطقة، ومن ضمنها وجودهم في سوريا، وهو الذي بات من أكثر الملفات إثارة للجدل، وبنداً شبه ثابت على جدول أعمال الاجتماعات التي تتناول الشأن السوري، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. فالمسألة لم تعد تخصّ السوريين وحدهم بل أصبحت موضوعاً للتجاذبات والصفقات بين الدول، على نحو ما تكشفه التصريحات الدبلوماسية حيناً، والعمليات العسكرية في أحيان أخرى.
يصعب التكهّن بما سيعقب العملية من إجراءات أو تداعيات، سيّما وأنّ ساكن البيت الأبيض معروفٌ بتحوّلاته المفاجئة واتخاذ الموقف ونقيضه في غضون أيّام، أو بين تغريدة وأخرى على تويتر. غير أنّ تقليم أذرع إيران في سوريا لا يبدو أنه سيكون بالأمر اليسير. فالإيرانيون يدركون جيداً أنّ وجودهم ودورهم على الأراضي السورية أمرٌ غير مرغوب فيه لدى مختلف الأطراف، سواء من يعلن ذلك صراحةً كالولايات المتحدة وإسرائيل وبعض العواصم الخليجية، أو من يُفترض أنه في موقع الحليف لإيران مثل روسيا، فضلاً عن ذوي الموقف البراغماتي المتلوّن كالأتراك. لذلك، ينبغي التذكير بأنّ الخطط الإيرانية في سوريا لم تقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية التي كان يقودها سليماني بشقيها العسكري النظامي والآخر الميليشياوي، وإنما شملت استراتيجية متعددة المستويات، وُضِعت من أجل وجود طويل الأمد، عبر وسائل اقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية وتعليمية.
فإيران لم يكفِها تمتين الصلات مع الشيعة السوريين وإنما عملت على توطين أعداد كبيرة من أفراد الميليشيات الشيعية التي استقدمتها من العراق وأفغانستان في المناطق المحيطة بدمشق كما في بعض أحيائها القديمة. وثمّة تقارير تتحدّث عن تجنيس هؤلاء وعائلاتهم بالجنسية السورية، وذلك بالتنسيق مع مراكز القوى الموالية لإيران داخل نظام الأسد، إضافة إلى عمليات الشراء المنظمة واسعة النطاق لاستملاك مزيد من الأراضي والعقارات. وقد امتدّت عمليات التوطين لتشمل مناطق من حمص وحلب وغيرها، في مجمّعات تخضع بالكامل للسيطرة الإيرانية. لكن السلاح الأخطر في التغيير الديمغرافي على أساس طائفي يتمثّل في التهجير القسري للسكان أو مبادلة المناطق وإحلال سكان شيعة محل آخرين سنة، كما جرى في "اتفاق المدن الأربع" في ربيع عام 2017، مما يؤدّي إلى خلق وقائع على الأرض من شأنها تكريس التغلغل الإيراني في نسيج المجتمع السوري.
على صعيد آخر، لا يكاد يمر يوم من دون أن تنشر وسائل إعلام النظام وتلك المرتبطة بإيران أنباء عن الاتفاقيات والتفاهمات الاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية التي يتم توقيعها بين إيران والنظام السوري، وهي جميعاً طويلة الأمد وذات تعابير فضفاصة تتيح للشركات الإيرانية الحكومية والخاصة على السواء التمتع بامتيازات وتفضيلات يصعب حصرها. وقد بدأت الاستثمارات الإيرانية تظهر في سوريا فعلاً في مجالات عديدة كالطاقة والاتصالات والثروات الباطنية والزراعة والتجارة والتطوير العقاري وحتى في الجامعات وسواها. ولتسهيل حركة الأموال والأشخاص والبضائع جرى تأسيس مشاريع مشتركة كإنشاء مصرف سوري إيراني لتسهيل حركة الأموال وتغطية الاستثمارات، وشركة إيرانية عراقية سورية للنقل والمواصلات.
ما سبق وغيره يضع بين أيدي ملالي طهران أوراقاً لا يُستهان بها نظراً للطابع "القانوني" الذي أضفِي عليها، من خلال القنوات الرسمية بين حكومتي النظامين ومراعاة الجوانب القانونية الشكلية بشأنها، مما يعزز مواقع النظام الإيراني في سوريا وفي الحدّ الأدنى يقوّي موقفه التفاوضي بشأن الدور المستقبلي فيها، فيما لو نجح اللاعبون الآخرون في تحجيم نفوذ إيران العسكري. ويبقى الأمل بأن يشكّل خلاص المنطقة من سليماني وشروره بداية النهاية للمشروع الذي كان يمثّله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق