بالتدقيق المتأني في حقيقة المأزق العراقي الحالي نجد أن النظام الإيراني الذي فشل في احتلال العراق، بحربٍ دامت ثماني سنوات، جعل احتلاله هدفا استراتيجيا قوميا ملحا، لكونه البوابة اللازمة والضرورية لعبور القوة الإيرانية إلى ما وراء حدوده، نحو الغرب ونحو الجنوب.
ثم حدث أن غزا الأميركيون العراق عام 2003 فأهدْوا خليفة الخميني، بعلمهم أو بجهلهم، فرصة مواتية ليُحقق، بالخديعة والتقية، ما عجز إمامُه الخميني عن نوله بالقوة.
ولا يشك اثنان في أن القبض على العراق ساعَد نظام الملالي على الاستقواء في سوريا، والتمدد نحو لبنان، ثم إلى اليمن لمحاصرة دول الخليج العربي.
وبهذا يصبح النظام الإيراني أول أعداء الانتفاضة الشعبية العراقية، وأخطر الساعين إلى إفشالها بكل الوسائل والأساليب.
فالإيرانيون لا يستطيعون أن يتحملوا خسارة العراق، خصوصا في وضعهم الخانق الحالي، وذلك لأسباب وبدوافع عديدة سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، ولمعرفتهم بأن حلمهم القومي الإمبراطوري يعيش ويكبر ويترعرع في العراق، ولكنه يموت فيه أيضا.
2-
ومع النظام الإيراني تأتي الطبقة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والإعلامية العراقية الحاكمة في المنطقة الخضراء، بأمر المحتل الإيراني وبركاته وموافقاته، لتكونالعدو الآخر المستقتل والمسميت في وأد أي انتفاضة شعبية من أي نوع.
فإن المعلوم لدى جميع قادة الحالي، بمختلف ولاءاتهم وانتماءاتهم ومواقعهم، أن انتصار الشعب العراقي في إسقاط نظامهم وإقامة سلطة شعبية وطنية حقيقية متحررة من أية وصاية أجنبية يعني أنهم والمتحالفين معهم، والمستفيدين من فسادهم، شيعة وسنة وكردا، مسلمين ومسيحيين، جميعا، سيكونون إما وراء القضبان، أو قتلى،أو هاربين من وجه العدالة.
وتخيلوا ماذ يمكن أن يضطرلفعله هادي العامري ونوري المالكي وفالح الفياض وأبو مهدي المهندس، ومعهم سنة إيران وكردها، حين يشعرون بقرب خسارتهم مناصبهم ومكاسبهم وزعاماتهم ومليشياتهم وأموالهم، والعودة إلى حياة الذل والفقر والتسكع في مقاهي طهرا
3-
لم يستح مسعود البارزاني ومعه جميع أفراد أسرته وآخرون من السياسيين الكورد المتحاصصين معه في اقتسام كردستان، من إعلان تأييده الحازم والحاسم لعادل عبد المهدي غير عابيء ولا سائل عن مسؤوليته الأولى عن مئات الشهداء وآلاف المصابين والمختطفين من شباب الوطن المسالمين الذين لم يحملوا حتى سكين مطبخ ولم يطلبوا غير الخبز والكرامة والعدالة، رافضا بإصرار أي تلويح بتعديل الدستور الملغوم المغشوش الذي صاغه، هو وحلفاؤه قادة الأحزاب الدينية الإيرانية، على مقاس مصالحهم الحزبية والأسرية والعنصرية والطائفية، وخصوصا ما يتعلق منه بمكاسب السلطة في كردستان،حتى وإن كانت الجماهير الكردية آخر من استفاد ويستفيد منها
ومسعود، في النهاية، ومعه ورثة جلال الطالباني وبعض قادة الأحزاب الطودية الأخرى، لن يتورع ولو لحظة واحدة في خوض حرب الدفاع عن النظام الفاشل الفاسد القائم في بغداد، منعا لقيام سلطة شعبية عراقية غير طائفية وغير عنصرية وغير مرتشية وغير خاضعة لوصاية خارجية سوف ترفض ابتزازه ونهبه لثروات الوطن.
ألم يعلن مسرور البارزاني، إبن مسعود، رئيس حكومة بارزانستان الحالي، في العام 2016 في حديث لصحيفة (واشنطن بوست)
“أن الأكراد اعتبارا من الجمعة السادس من مايو/ أيار 2016 ليسوا مواطنين عراقيين“.؟
4-
تركيا ودول عربية وأجنبية، ومنها أمريكا ودول أوربا وروسيا والصين وغيرها، لا يسرها ولا يناسبها انتصار الانتفاضة الشعبية العراقية الحالية الخارجة من أعماق الضمير الوطني العراقي، وقيام سلطة الشعب العادلة النزيهة القوية الجريئة التي ترفض العمالة والخيانة والتفريط بأي حق من حقوق الدولة العراقية وسيادتها وكرامة شعبها.
والوضع الحالي، بكل إدانات حكام هذه الدول لقادته بالفساد والنفاق والعمالة والخيانة، أنسب لهم من سواه، وأنفع.
5-
وآخر أعداء الجماهير المنتفضة بعض أصحاب النوايا الحسنة، أو السيئة، من المتظاهرين الذين يرتكبون حماقات واعتداءات وشعارات تؤذي الانتفاضة، وتعطي أعداءها الحجج والأعذار للرد بحماقات ليست الانتفاضة بحاجة إليها الآن.
الخلاصة:
إن الإيرانيين ووكلاءهم العراقيين جاهزون ومتأهبون وعازمون على ردم ساحة التحرير بالمدافع والصواريخ، ودك منازل المنتفضين في النجف وكربلاء والناصرية وغيرها بالبراميل المتفجرة إذا بلغلت الأمور خطها الأحمر الأخير.
ولكن لأنهم يعرفون أن شنهم حربا من نوع حرب بشار الأسد وحزب الله في سوريا ليست في صالحهم الآن، في ظل المناخ الدولي والإقليمي المعادي لإيران. فقد تفتح أبواب العراق لأمريكا ولدول عربية وأجنبية أخرى، لإغراق النظام الإيراني في محرقة جديدة هو ليس في حاجتها الآن وغير قادر على تحمل آثارها ونتائجها المدمرة.
وعليه، فإن الإيرانيين، ومعه وكلاؤهم وعملاؤهم، يراهنون على عامل الزمن. ففي أسبوع أو أسابيع، أو ربما في أشهر، سيشعر المنتفضون بالملل واليأس والقنوط، ويبدأون رحلة العودة إلى منازلهم، رويدا رويدا، كما حدث في انتفاضات أخرى سابقة.
والجماهير المنتفضة، هي الأخرى، لا تملك غير الانتظار. فلعل النظام يتهاوي من داخلهبفعل المحاصرة والعتصامات، ويكون لها النصر الأخير.
إذن فهي حرب انتظار مؤلمة لنهاية صبر الطرفين، وحتى النفس الأخير. والذي يفقد صبره أولا يكون هو الخاسر الأكيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق