لا يمكن إغفال الضرر الكبير الذي ألحقه تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني، لأكثر من اثني عشر عاماً بفعل الانقسام الفلسطيني، حيث أن آثاره السلبية لم تقتصر على المشهد السياسي، وإنما امتدت لتطال المشهد الاجتماعي والثقافي والقانوني والاقتصادي أيضاً.
ومن هنا جاء اعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 74 عن عزمه إجراء انتخابات فلسطينية عامة. حيث أن مكان الإعلان يعكس مدة جديّة وتلهف الرئيس لإجراء الانتخابات، كما يمكن القول أن الاعلان كان بمثابة رسالة غضب موجّهة لكل مستفيد من استمرار حالة الانقسام.
فادي ابو بكر |
لم يترك الرئيس عباس أي هامش لحركة حماس للمناورة، خصوصاً بعد أن وافق على طلبها بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. من جانبه أكد حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية أن «اجتماعه مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية كان متميزاً، وأن الجميع يسير نحو إجراء الانتخابات»، فحتى حركة الجهاد الاسلامي صاحبة الموقف الثابت بعدم المشاركة في أيّ انتخابات تحت «مظلة أوسلو»، عبرّت عن دعم ذلك التوجّه بشريطة التوافق الوطني.
في ضوء ما سبق، هل يمكن اعتبار هذا التوافق كافياً لإجراء الانتخابات؟ وما هي طبيعة التحديات المقبلة؟ وكيف يمكن تذليلها؟
الشر يكمن في التفاصيل
بعد التوافق الوطني على مبدأ الانتخابات، فإن الخطوة القادمة، ستتمثل بالتأكيد في عقد اجتماع موسّع يضم كافة الفصائل الفلسطينية من أجل ترتيبات ما قبل الاتفاق النهائي.
سيكون ذلك الاجتماع بمثابة المعيار الحاكم، وإذا ما تم طرح قضية المجلس الوطني وربطها بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، فإن ذلك سيهدّد الصيغة التوافقية الحالية، وقد يلغي كل مؤشر ايجابي بالخصوص. حيث لا يخفى على أحد طموح حركتي حماس والجهاد الاسلامي بالولوج إلى داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
لا بد من إخراج المجلس الوطني من دائرة المشاورات القادمة، وتأجيل النقاش في انتخاباته إلى إشعارٍ آخر، لأن الشر يكمن في التفاصيل، وربط المجلس الوطني بالانتخابات التشريعية والرئاسية، هي مسألة صعبة من شأنها أن تطرح تساؤلات معقدة ومتشابكة، لها علاقة بنسبة تمثيل كل فصيل، ومسائل جدلية عدة أخرى.
بحاجة إلى إجراءات استثنائية
لأن الانتخابات الفلسطينية ستكون استثنائية، في ظروفها وطبيعتها ولحقيقة غيابها لفترة طويلة، فإنه لا بد من اتخاذ إجراءات استثنائية لضمان سيرها بسلاسة.
في ظل التشكيك القائم بين حركتي فتح وحماس من جهة، وتشكيك الشارع في الفصائل من جهة أخرى، لا بد من إيجاد آلية ضابطة ملزمة للجميع، على منوال الشروط الجزائية العالية التي توضع في العقود، بحيث تستدعي من الجميع التفكير ملياً قبل التراجع عن أي التزام.
وفي ظل الدعم العربي للانتخابات الفلسطينية، يمكن الاستعانة بجهات عربية صديقة للكل الفلسطيني وليس لأجندة معينة، بحيث تلعب دور المراقب على الانتخابات.
خاتمة
يبقى المستفيد الأكبر من حالة الانقسام وعرقلة الانتخابات هو الاحتلال الإسرائيلي، ولكن التوافق الوطني الفلسطيني من شأنه أن يتغلب على كافة العراقيل.
يعتبر التوافق حول الانتخابات الفلسطينية مؤشر إيجابي ولكنه ليس كافي، وبحاجة إلى آلية صارمة تؤطره، لأن الذي سيعطّل إجراء الانتخابات، أو يراوغ إنما يطعن آمال شعبنا، وعليه أن يتحمل تبعات فعلته..!
وفي الختام لا يمكن فصل المصالح الحزبية والضرورة الوطنية والمعترك الدولي عند قراءة مدى إمكانية إجراء الانتخابات، بصفتهم مفاعيل أساسية مرتبطة بمسار المصالحة الفلسطينية. وبالتالي تبقى إمكانية إجراء الانتخابات منوطة بمدى طغيان كل واحد من هذه المفاعيل على الآخر.
* كاتب وباحث فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق