بسهولة تقشير بيضة مسلوقة مُملّحة نستطيع تقدير عمر الشجرة الحقيقي. فإن أردت هذا، فما عليك إلا عدّ الحلقات المتراكمة في جذعها، فكل حلقة تمثل سنة شمسية.
في عمر الإنسان لا ينجح عد الحلقات ولا حساب اتساعها وضيقها أو انبعاجها، ولا تنجح كذلك تقنية تقدير عمر العظم بواسطة الأشعة السينية، لأن بعضنا يرى أن العمر الحقيقي للواحد منا، ليس إلا الأيام السعيدة التي يحياها، ويتبغدد فيها.
رمزي الغزوي |
لم يقل القرآن الكريم: سيروا على الأرض. بل سيروا في الأرض، في إشارة محرضة وداعية للبحث والتحليل، ولهذا يعتمد علم الآثار (الأركيولوجيا) على شق مقطع عرضي في الأرض؛ كي تظهر الطبقات المتراكمة التي من خلالها يتعرف على الحضارات والأحداث التي تعاقبت على المنطقة، بفحص وتحليل المخلفات المتروكة في كل طبقة.
يبقى بعض مسؤولينا على قيد التبجح والتفاخر بأي انجاز تحقق في عهدهم، حتى وهو على دكة التقاعد. ولهذا فمن حقنا أيضاً أن نعرف ماذا تركوا وراءهم من سواد وعفن بكل شفافية؛ كي نسمي الأشياء بمسمياتها.
بكل أسف فقد تبين أن بعض ملفات فسادنا، ليست كطبقات الأرض، تحتاج عالم آثار ليدرسها. لسبب بسيط وهو أنك لن تستطيع تمييز الطبقات بشكل صريح، فهي متداخلة (متكرمشة) على بعضها، كرأس الملفوف..
وهكذا يا سادة يا كرام، طبقة فوق طبقة، حتى تدحرجنا كرأس ملفوف في دنيا الفساد يحق لمواطننا ألا يثق ببعض نوايا الإصلاح، حتى وإن كانت صادقة. فحين يرى أن هناك مسؤولا قد ضرب وهرب. أو أنه ما زال يتمتع بقدرته على التبجح بسيرته العطرة، دون أن يجرؤ أحد ويقول إن حقبته كانت كذا وكذا.
كل ربة بيت تعرف تماماً كيفية التعامل مع رأس الملفوف. فهي تبدأ بفكفكته وتقشيره ورقة ورقة، وهذا يحتاج صبرا ودقة وطولة بال، ثم تقوم بغمر كل ورقة في طنجرة ماء يغلي. عندها تلين وتنفرد وتصبح جاهزة للفّ، أقصد جاهزة؛ كي نقرأ ما نقش فيها من بلاوي زرقاء وحمراء.
عليكم باستراتيجية الماء المغلي؛ إن اردتم معرفة طبقات وتعفنات ملفات الفساد في بعض مؤسساتنا. والله المستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق