مجرد ظهور الإخوان وقنواتهم وبيانات قيادتهم كان سببا رئيسيا لفشل دعوات التظاهر، فالمصري لا يلدغ من الإخوان مرتين.
الاثنين 2019/10/07الحدوتة مملة، يُحكى أن عقربا وضفدعا التقيا على ضفة نهر، طلب الأول من الثاني أن ينقله إلى الضفة الثانية. رد الضفدع: أخاف غدرك. قال العقرب: كيف وأنا فوق ظهرك، سنغرق معا! فرد: أقنعتني.. اركب. في وسط النهر لدغه قائلاً: آسف، الطبع غلب التطبع.
بذرة طبع العقرب في الجذر. فمؤسّسهم بنى أول مسجد “ضرار” لجماعته بـ500 جنيه، قال إنها تبرع من شركة القناة الفرنسية، ونفت سجلات الشركة تبرعها، ما يعني أن المبلغ الضخم، وفق زمنه، أتى من جهة ما.. تكتم عليها، دعمته لتكملة مسيرته خلف القصر والاحتلال ضد القوى الوطنية، لاعباً بـ”الإسلام هو الحل”، والوقائع موثقة.
تحتاج علاقة حسن البنا بجلاد الشعب، إسماعيل صدقي، لدراسة خاصة، الحماية والتمويل… مقابل تبرير سياساته دينياً. وزارته الأولى، مثلا،عرفت جريمتين تاريخيتين. الأولى إلغاء دستور 1921، والثانية أول مشاركة رسمية بمعرض صهيوني في تل الربيع المحتلة، تل أبيب، لأن “حكومة مصر تلتزم الحياد المطلق في معارك البلاد المجاورة”. موقفان فارقان.. وطنياً وقومياً، لقيا دعم الملك فؤاد والجماعة، فقط.
ذات التخندق استمر مع فاروق. فور إعلانه ملكاً وقف “إخوانه” لساعات على محطات القطارات من القاهرة للإسكندرية، هاتفين “نهبك بيعتنا وأولادنا”، وفي ذكرى الهجرة شبهته مجلتهم بـ”الرسول الكريم حينما طلع على أنصاره”، واحتشدوا دائماً لعودته من رحلاته الصيفية. كان فاروق يدعم الجماعة، حسب مذكرات مستشاره كريم ثابت، لضرب الحركة الوطنية.
عهد صدقي الثاني كان الأكثر فجاجة للبنا. دشن الجلاد توليه وزارة عام 1946 بزيارة مقرهم، ومول أول جريدة يومية لهم، ورد قيادي إخواني التحية متلاعبا بالقرآن “واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً”. أيد البنا مشروع “صدقي بيفن”، وسيّر إخوانه هاتفين “الله مع الملك”… رداً على الهتاف الوطني “الشعب مع النحاس”. ركب سيارة حكمدار القاهرة المكشوفة ليهدأ الجماهير، فهتفت ضده “يسقط صنيعة الاستعمار”، ذات الهتاف طارده في كل مصر.
توقفت دائماً عند بيانين لمؤسس الجماعة أصدرهما عقب اغتيال طلابه للنقراشي، بيان للناس.. وليسوا إخوانا وليسوا مسلمين. فعبدالمجيد أحمد حسن، لم يفعل سوى ما غسل به البنا دماغه وما دربه عليه، ودفع الثمن مرتين… بتحميله وحده الجريمة، وبتبرؤ البنا منه… عراه مما آمن بأنه دفاع عن الدين… “لدغه”. قُتل البنا، واقتدى به حواريوه. فمع اختياره مرشداً، حجّ خليفته، حسن الهضيبي، للقصر برفقة إخوانه.. ليجدد بسجل التشريفات ولاءهم لمن “زعموا” أنه قاتل إمامهم، تناسوا دم مؤسسهم. طبع لدغ العقارب ذاتي.. يطال الكوادر كما زعيمهم.
فدائيو القناة لم يسلموا من “عقربتهم”. لمحرر “الجمهور المصري”، 25 أكتوبر 1951، يسخر الهضيبي، من مقاومة الإنكليز “هل سيخرجهم العنف؟، على الحكومة أن تفعل مثلنا، تُربي الشعب أخلاقياً”، وينصح من طالبوا بالمقاومة “اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن”! فعلق عليه خالد محمد خالد في “روز اليوسف” مطمئنا المحتل “أبشر بطول سلامة يا جورج”.
“طبع البناوية” سيتكرر مع أول قائد وطني، وتحسم سياقاته مذكرات الرئيس محمد نجيب. اتصلوا به سراً عام 1953. رفضوا عودة الحياة النيابية، فهدفهم إقصاء ناصر وتشكيل حكومة لا يظهرون فيها، ولجنة سرية تراقب السياسات العليا، ورشاد مهنا “الإخواني” قائداً للجيش. تواصلت اجتماعاتهم مع إيفانز، مستشار سفارة بريطانيا، بمشاركة المرشد ومحمد سالم وصالح أبورفيقة ومنير الدلة. فهم يخططون لانقلاب ينتظر دعم السفارة، وعرضوا عودة الإنكليز برعاية لجنة مشتركة، وحلف عسكري ضد الشيوعية.
مُطمئناً لتلذذ الضفادع المدنية بلسعات العقارب، كتب عبدالمنعم أبوالفتوح مذكرات “خيالية” نشرتها الشروق، دارا وصحيفة، نافياً الثابت تاريخياً من تحالف جماعته مع السادات ضد القوى الوطنية! في السِفر الأخير من خماسية “ملحمة السراسوة” يروي المبدع أحمد صبري أبوالفتوح، كيف مزقت مطواة إخوانية قميصه.. كادت أن تشق صدره. أحمد، كان بين آلاف الطلبة الوطنيين الذين “اتفق” عبدالمنعم مع السادات على أنهم “شرذمة في منتهى الوقاحة وشيوعيون”.. متهما، كما هو على اليوتيوب، الإعلام “إللي بيربي زنديق وعبدة بقر”. عبدالمنعم، الذي أصبح رئيساً لاتحاد طلاب الجامعات بدعم الزنادقة، كان كل همه التذكير بصفقة “دولة العلم والإيمان”، معترضاً، لا على سحل من انتخبوه، بل على عزل “محمد الغزالي”.. مُكفر نجيب محفوظ، من الخطابة، لاتهامه بالترويج للفتنة الطائفية.
عبدالمنعم وعصام العريان، كانا إصبعي الإخوان في كفاية، المناهضة لاستمرار حكم حسني مبارك وتوريث ابنه جمال. شاركا في ستة لقاءات ضمت الحركة والجماعة، انتهت كلها بتعهد المشاركة في التظاهرات… لم يحدث. ومرشدهما، مهدي عاكف، كان يجتمع برموز كفاية… ثم يشتم “قلة أدبهم”، وانتقادها اللاذع لمبارك. كان “البناوية” يناورون لإتمام صفقة 2005، عضوية البرلمان… مقابل عدم التحرك مع الإصلاحيين. لم ينج تكتل وطني أو نقابي من “قرصة وسط النهر”. أساتذة جامعات، صحافيون، محامون، أطباء، موظفو الضرائب، عمال.. إلخ.
“لسنا أهل ثورة”، قالها مرات مهدي عاكف، ومثله كان موقف خليفته، محمد بديع، حاسماً، رفضوا دعوة التظاهر في 25 يناير. والجماعة التي لوحت بتدويل ما سمته اضطهاد الشرطة لأعضائها، بررت رفضها المشاركة بأن “التظاهرة تصادف يوماً وطنياً يحتفل فيه الجميع بجهاز الشرطة، ويجب أن نحتفل جميعاً به”.
في أيام الثورة الأولى، حاول كل من محمد البلتاجي وأيمن نور الإمساك بالميكروفون لتردعهم هتافات “انزل.. انزل، لا إخوان ولا أحزاب”. البلتاجي، حينما تيقنت جماعته من قرب انتصار الثورة، جمع مئات الإخوان حوله، وظهر، في خامس أيامها، أول هتاف إخواني بميدان التحرير. ومع تواتر “فبركات” رموزهم عن دورهم الثوري، سخر أحد أبرز مراقبيهم لفضائية العربية، الباحث الراحل حسام تمام، من مزاعمهم، مستشهداً بما عاينه في الإسكندرية: كان حضورهم باهتاً بين مليون ونصف المليون.
أخشى أن أتوه في ذاكرة “اللدغ” الإخواني، من الصفقة التي أبرموها مع عمر سليمان، لاستمرار النظام، وفضحها أبرز كتابهم في لحظة صدق نادرة، فهمي هويدي، بجريدة الشروق، 7 فبراير 2011، إلى جمعة “قندهار” واحتلال مفتي الإرهاب، يوسف القرضاوي، لقدس التحرير، ومحاولات شبابهم سرقة معارك محمد محمود، وحتى شخص الشهيد أبوضيف، الذي قتلوه برصاصهم، وصولا لخطف الثورة والبلد ذاتها.
مع دعوات تظاهر الأيام العشرة الأخيرة من سبتمبر، نشطت دعوات الضفادع المدنية، متجاهلة جسدها وجسد وطنها “الوارم” من لدغات الإخوان، لاستيعاب الجماعة كفصيل وطني. يقيني أن مجرد ظهور قنواتها وبيانات قيادتها كان سببا رئيسيا لفشل دعوات التظاهر، فالمصري لا يلدغ من الإخوان مرتين.
خان يخون إخوان، وللضفادع المدنية ما صاغه الراحل محمود درويش في “أنت، منذ الآن، غيرك”، عقب انقلاب حماس “لا يغيظني الأصوليون، فهم مؤمنون على طريقتهم. يغيظني أنصارهم العلمانيون”.. و”أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، تلك هي دُونيّة المُتعالي”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق