ثمة تعارض كبير بين 13 توصية وردت في تقرير صندوق النقد الدولي مع وعود وأهداف برنامج وزير الخزانة والمالية براءت البيرق.
الاثنين 2019/10/07
لا يخفي الترويج الاستعراضي للبرنامج الاقتصادي الجديد، الذي أعلنه وزير الخزانة والمالية براءت البيرق، حجم المخاطر التي يحملها بشموله على حزمة ضرائب ثقيلة يمكن أن تؤدي إلى غليان التضخم، رغم أن البرنامج يحمل شعار “التغيير قد بدأ”.
وتختزل زيادة أسعار الكهرباء بنسبة 14.9 بالمئة نوع التغيير الذي يتضمنه البرنامج، إضافة إلى زيادة أسعار أخرى وفرض ضرائب جديدة شاملة. وقد تستخدم الحكومة أيضا مصادر مبتكرة للنقد مثل نظام المعاشات الجديد، الذي تم الإعلان عنه مؤخرا لتمويل خطتها 2020-2022.
ثمة تعارض كبير بين 13 توصية وردت في تقرير صندوق النقد الدولي البالغ الأهمية الذي صدر الشهر الماضي والوعود والأهداف في برنامج البيرق، والتي أثار بعضها دهشة الخبراء.
من ناحية، يهدف البرنامج إلى خفض التضخم، ومن ناحية أخرى يعد بإنهاء العام الحالي بنمو قدره 0.5 بالمئة، يرتفع إلى 5 بالمئة لكل من السنوات الثلاث المقبلة.
ورغم هذا الهدف الطموح للنمو، يعد البرنامج بتخفيض نسبة عجز الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.8 بالمئة في عام 2020، وإلى صفر بحلول عام 2022، رغم أن صناعة البلاد تعتمد إلى حد كبير على السلع الوسيطة المستوردة والمواد الخام.
كما يتوقع البرنامج الاقتصادي الجديد خفض نسبة العجز إلى 2.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وصولا إلى 1.5 بالمئة بحلول 2022، وهي النسبة التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، لكن ذلك يتطلب خفض الإنفاق العام إلى النصف.
وحتى الآن، كان أكبر مساهم في النمو طوال فترة حكم حزب العدالة والتنمية هو الإنفاق العام. والآن، يهدف الحزب إلى خفض الإنفاق العام وفي الوقت نفسه يسعى إلى تحقيق نمو بنسبة 5 بالمئة.
ثمة تناقض واضح آخر في الخطة يتمثل في توقعات البطالة، التي من المرجح أن تبقى في خانة العشرات حتى عام 2022.
ويرى تقرير صندوق النقد أن تركيا يمكن أن تحقيق نموا بنسبة 2.5 بالمئة في عام 2020 إذا اتبعت الإرشادات الصارمة التي وضعها.
وتقول حكومة أردوغان إنها ستحقق ضعف هذا النمو، مع خفض التضخم إلى أقل من 5 بالمئة، مما سيؤدي إلى انخفاض عجز الحساب الجاري إلى الصفر وتخفيض أسعار الفائدة وتخفيض العجز التجاري عن طريق خفض الواردات وخفض الإنفاق العام.
بيد أن ذلك سيتطلب ضخ ما بين 100 و150 مليار دولار في الاقتصاد، أو تقليص الاستثمار في كل القطاعات المتعثرة لتغيير اتجاهه بشكل مفاجئ. لكن ليس هناك ما يشير إلى مصدر الأموال.
وتنصح توصيات صندوق النقد الحكومة بربط زيادات أجور الموظفين العموميين بالتضخم في المستقبل، لمنع ارتفاع التضخم الذي شهدته العام الماضي، وقد امتثلت الحكومة بالفعل في تعاملها مع موظفي الدولة هذا العام، مع الحفاظ على زيادات أجورهم عند أقل من 8.5 بالمئة، وهي نسبة التضخم المستهدفة في البرنامج الاقتصادي الجديد.
وفي ظل ارتفاع يقارب 15 بالمئة في أسعار الكهرباء منذ يوليو والارتفاعات الأخيرة التي تراوحت ما بين 15 بالمئة و25 بالمئة في كل شيء من الغاز إلى أسعار الشاي، لا بد أن يصبح العمال أشد فقرا.
ومثلما تقوم الحكومة بتخفيضات كبيرة في إنفاقها، سيفقد ملايين العمال قوتهم الشرائية بسرعة. ومع ذلك، يستهدف البرنامج الاقتصادي الجديد زيادة قدرها خمسة أضعاف في إنفاق الأسر والاستهلاك المحلي والطلب. وفي ظل الظروف الحالية يمكن للإقراض فقط أن يغذي هذا النوع من النمو.
لكن صندوق النقد أوضح في تقريره أنه لا يثق في بيانات الهيئة المصرفية التركية بشأن الديون المتعثرة، والتي يقول إنها من المرجح أن تتجاوز الأرقام الحكومية كثيرا. وقد دعا الصندوق مدققي الحسابات المستقلين إلى تدقيق القطاع المصرفي والتأكد من المستوى الحقيقي للديون الخطرة والمتعثرة.
وأثناء الإعلان عن البرنامج، وعد البيرق بأن يبدأ القطاع المصرفي في تركيا عام 2020 “بصفحة بيضاء” في إشارة إلى صندوق مقترح لتولي ديون البنوك الخطرة والمتعثرة.
ومن خلال القيام بذلك، تأمل الحكومة أن تتمكن من تمهيد الطريق أمام البنوك للبدء في تقديم القروض مرة أخرى. لكن من سيدفع مليارات الليرات من الديون المعدومة؟
وطلب صندوق النقد الدولي لوائح ضريبية جديدة وزيادة في ضريبة القيمة المضافة. وقد وعد البيرق بالإصلاح الضريبي لتطبيق نظام تدريجي. ومن المحتمل أن يترجم هذا إلى زيادات ضريبية كبيرة تشمل قطاعا عريضا من المجتمع.
ثمة مبادرة أخرى تأمل الحكومة أن تجمع منها ما بين 60 إلى 100 مليار ليرة، وتتمثل في إنشاء ما تسميه نظام المعاشات التقاعدية الإضافي. وهذا يعني خصما إضافيا من الأجور لتمويل نظام المعاشات التقاعدية على وعد بدفع معاشات تقاعدية أعلى.
وقال البيرق إن الشركاء الاجتماعيين ستتم استشارتهم في إنشاء نظام التقاعد ومن المرجح أن يُطلب من أصحاب العمل تقديم مساهمة. ويمكن تعويض ذلك عن طريق وعد بنقل عبء مكافآت نهاية الخدمة من أصحاب العمل إلى نظام المعاشات التقاعدية.
لكن تركيا شهدت خطرا من مثل هذه الخطط عدة مرات في الماضي، فقد جمعت خطط الحكومة “للمعاشات التقاعدية الفائقة” مبالغ كبيرة مع مساهمات إلزامية، لتتبخر الأموال بعد ذلك.
ونصح صندوق النقد الحكومة بالانتقال إلى سوق مرنة للقوى العاملة وإيجاد طريقة لخفض تعويضات إنهاء الخدمة والتأمين لملايين العمال. ويعاني صندوق تأمين البطالة من عجز منذ عامين لأول مرة منذ تأسيسه عام 2000.
هناك أيضا مبلغ 2.1 مليار دولار تم تحويله إلى البنوك العامة من خزائن صندوق التأمين كل عام منذ عام 2017 لتمويل الحوافز الانتخابية. ومن المرجح أن تفعل الحكومة، التي تستخدم صندوق إعانات البطالة لأغراضها الخاصة، الشيء نفسه مع صندوق معاشات التقاعد الذي يبلغ حجمه 100 مليار ليرة.
باختصار، تشير كل المؤشرات إلى فشل البرنامج الاقتصادي لهذا العام، تماما كما حدث العام الماضي. قد تصر الحكومة على خلاف ذلك، ولكن السبيل الوحيد للخروج هو تنفيذ مطالب صندوق النقد وتقديم خطاب نوايا بهدف تأمين مصادر الائتمان الأجنبية.
ونظرا إلى أن هناك انتخابات مقررة في عام 2023، يتعين على الحزب الحاكم تأمين هذا التمويل بحلول عام 2022 إذا كان بإمكانه أن يأمل في جمع أموال للحملة من أجل إلحاق الهزيمة بمنافسيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق