مرت فترة بعثت الأمل في نفوس الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، بأن الشعب الفلسطيني يقترب من الحل الدائم للقضية الفلسطينية، باسترجاع حقوقهم في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون.
وتَوّج الرئيس كلينتون هذا الأمل بزيارة إلى المنطقة وتحديداً قطاع غزة وإسرائيل، ورحب الفلسطينيون في عهد الراحل أبو عمار ترحيباً كبيراً بزيارة الرئيس الأمريكي كلينتون، حتى إن الراحل أبو عمار، وقف بالمجلس التشريعي بغزة، يتحدث عن: "مارتن لوثر كينجغ" الزعيم الأمريكي الأسود، الذي ناضل طويلاً من أجل القضاء على العنصرية في أمريكا، وقبل زيارة الرئيس كلينتون بأيام، طلب أبو عمار مدير الفرقة الرئاسية الموسيقية إلى مكتبه في غزة، وقال له: الرئيس كلينتون سيزور غزة، وأريد منكم عزفاً مميزاً أثناء استقباله.
وفعلاً حصل ذلك، وكانت زيارته لغزة فرحة عارمة للشعب الفلسطيني، وبعد هذه الزيارة قامت دول عربية عديدة بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مثل قطر وسلطنة عمان، والمغرب وتونس، باعتبار أن الشعب الفلسطيني قد حصل على حقوقه، وحتى إن السلطة آنذاك لم تتضايق من التطبيع الذي قامت به بعض الدول العربية.
وبعد ذلك؛ تغيرت الإدارة الأمريكية، ورحل كلينتون من البيت الأبيض، وجاء جورج بوش الذي دخل البيت الأبيض، بقناعة بأن إحلال السلام بين إسرائيل وفلسطين، يتطلب إما رخاء اقتصادياً كبيراً، بحيث يشعر الفلسطينيون بمزايا السلام أو أن تسيل الدماء، وهذه تعطي نتائج أسرع، فاختار جورج بوش سيل الدماء، فاندلعت انتفاضة الأقصى.
ورغم ذلك، حاولت الإدارة الأمريكية، أن تكون معتدلة في مواقفها، حتى انتهت انتفاضة الأقصى، وتغيرت الأحوال، رغم وعود الرئيس بوش الابن للرئيس أبو مازن بقوله: "لن تنتهي ولايتي قبل أن أعلن قيام الدولة الفلسطينية"، ولكن انتهت ولايته ولم تقم الدولة الفلسطينية وأحيل الملف برمته إلى أوباما.
ورغم ذلك لم يتخذ الرئيس أوباما أي موقف جاد لحل القضية الفلسطينية، حتى جاء الرئيس ترامب، وقام بسياسة انحياز مطلق لصالح إسرائيل، وشن حملة تضييق شديدة على الشعب الفلسطيني، والسلطة الفلسطينية، وأهمها نقل السفارة من تل أبيب للقدس، فثارت ثائرة الشعوب العربية والإسلامية.
وانعقدت قمة إسلامية في تركيا، حيث استنكرت وبشدة السياسة الأمريكية، كما أن هذا الموقف الأمريكي، استفز مشاعر المسلمين والعرب جميعاً.
ومؤخراً جاءت الانتخابات التونسية، وقام أحد المرشحين، وهو نبيل القروي بإجراء اتصال سري مع إسرائيل، طالباً منها المساعدة لدى روسيا وأمريكا، وأعلن المنافس قيس سعيد، بأن التطبيع مع إسرائيل خيانة، والأولوية لتونس دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، حتى ينال حقوقه.
وفي السابق أي قبل عشرين عاماً كانت مثل هذه المواقف تؤدي لنجاح القروي، وتؤدي لإسقاط قيس سعيد، ولكن ما حصل كان مفاجئاً للجميع، أن التوانسة قاموا بتأييد قيس سعيد، ونجح في الانتخابات التونسية، وهذا دليل على حالة اليأس التي وصلت إليها الشعوب العربية بسبب سياسة ترامب، عندما أدار ظهره للشعوب العربية بنقل السفارة.
والحقيقة أن الرئيس ترامب قد أخطأ خطئاً جسيماً تجاه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، ظناً منه أنه يخدم إسرائيل بهذه السياسة، ولكنه بالحقيقة تسبب في دمار في العلاقات الإسرائيلية العربية، وسدت الطريق على أي افاق للتطبيع بينهم، كما سدت الطريق على أي تعاون اقتصادي بينهم.
وعادت الشعوب العربية لحالة من الغليان ضد إسرائيل، كما كانت الشعوب العربية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والاستخفاف بالحال الذي أوصلنا إليه ترامب، سيؤدي إلى انفجار شنيع بالمنطقة لا أحد يعرف مداه وإلى أين سيصل.
والحقيقة، أن ترامب ضيّع فرصة ثمينة وتاريخية على إحلال سلام عادل وشامل في المنطقة، وفتح الباب على مصراعيه أمام تأجيج الصراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق