كتب - هالة عبدالرحمن
أصدرت محكمة هندية قرارا تاريخيا ببناء معبد هندوسي في موقع أيوديا المتنازع عليه في شمال البلاد، بينما كان آلاف المتطرفين الهندوس قد دمروا قبل 27 عاما مسجد بابري التاريخي الذي كان قائما في ذلك الموقع.
ويشكل قرار المحكمة العليا انتصارا للحكومة القومية التي يقودها ناريندرا مودي، وأمرت أعلى هيئة قضائية هندية في قرارها، بأن يعهد بالموقع لهيئة ستقوم ببناء معبد هندوسي فيه وفق بعض الشروط.
بينما يتم تسليم أرض أخرى منفصلة في أيوديا إلى مجموعات مسلمة لبناء مسجد جديد عليها، وتعد قضية أيوديا هي أكثر من مجرد نزاع على الأرض، بل إنه سياسي يذهب إلى صميم سياسة الهوية في الهند.
وبعد أكثر من ربع قرن من الألم والانتظار في أوساط مسلمي الهند، جاء قرار المحكمة العليا بالهند ليبدد آمال المسلمين، ويمنح الهندوس أرض مسجد بابُري بشكل نهائي.
ورغم مرور نحو 27 عاما على هدم المسجد البابري الذي أشعل غضبا طائفيا في الهند وأدى لمقتل أكثر من ألفين معظمهم من المسلمين، ما زال الغضب يشتعل في أرجاء المدينة وفي الهند بشكل عام.
بني المسجد البابري في القرن الـ16، وتعرض للهدم عام 1992 من قبل متطرفين هندوس يزعمون أنه بني فوق موقع ولد فيه "رام" الذي يعدونه إلها.
ويقع المسجد البابري بمدينة أيوديا بولاية أوتار براديش شمالي الهند، على هضبة راماكو المقدسة لدى الهندوس.
وتشير المصادر المختلفة إلى أن تاريخ المسجد يعود إلى القرن الـ 16، وقد بناه الإمبراطور المغولي المسلم ظهير الدين محمد بابُر.
ويزعم الكثير من الهندوس أن المسجد البابري بني على أنقاض معبد بمكان مولد رام الذي يعدونه إلها، ويزعمون أن الإمبراطور المغولي المسلم هدم معبدهم عام 1528 لبناء المسجد.
وانطلاقا من تلك المزاعم، قام الهندوس باعتداءات متكررة على المسجد انتهت بهدمه بالكامل، ففي يوم 22 ديسمبر/ كانون الأول 1949 هجمت مجموعة هندوسية على المسجد ووضعت فيه أصناما، ما اضطر الشرطة إلى وضعه تحت الحراسة وأغلقته لكونه محل نزاع.
ويوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 1984 سمح رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي للهندوس بوضع حجر أساس لمعبد هندوسي في ساحة المسجد البابري، وتبع ذلك حكم صادر من إحدى المحاكم سمح بفتح أبواب المسجد للهندوس، وإقامة شعائرهم التعبدية فيه.
وتواصلت الاعتداءات عندما قام المتعصبون الهندوس بهدم المسجد البابري يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول 1992، ما أدى لتأجيج التوتر بين الهندوس والأقلية الهندية المسلمة، وأعمال شغب واسعة النطاق، خلفت أكثر من ألفي قتيل، وكان هدم المسجد بمثابة "يوم أسود" للمسلمين.
واعتبرت هذه المواجهات الطائفية الأعنف في الهند منذ استقلالها عام 1947، حتى تم هدمه من قبل الغوغاء القوميين الهندوس في عام 1992 بعد حملة طويلة من الإثارة الدينية، وفي أعمال الشغب التي تلت الهدم، قتل حوالي 700 مسلم.
ووجهت اتهامات لحكومة الولاية، التي يديرها حزب قومي هندوسي محلي، بتوجيه الغوغاء نحو المناطق الإسلامية والتغاضي عن العنف، وكان حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، الجناح السياسي على نطاق الهند للحركة القومية الهندوسية، في ذلك الوقت قوة هامشية في سياسة البلاد. لكنها استولت على نزاع أيوديا، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، هو الحزب المسيطر في السياسة الهندية.
وبعد عملية الهدم، بدأ الصراع بين المسلمين والهندوس على أرض المسجد التي تمتد على مساحة 25 هكتارا، وأصدرت محكمة هندية عام 2010 قرارا يقضي بتقسيم موقع المسجد البابري إلى ثلاثة أقسام، ثلث الموقع للمسلمين، والثلثان للجماعات الهندوسية المختلفة، وهو الحكم الذي طعنت فيه جماعات إسلامية.
وظل المسلمون منذ ذلك الحين يطالبون بإعادة بناء المسجد، بينما واصل الهندوس المطالبة ببناء معبد في الموقع، وذلك في إطار حملة تشنها جماعات هندوسية ذات صلة بحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
وعلى إثر ذلك، تأسست لجنة للتحقيق في الموضوع حملت اسم ليبرهان، وعقدت أكثر من أربعة آلاف جلسة للنظر في القضية.
ويؤكد حزب بهاراتيا جاناتا التزامه ببناء معبد مكان المسجد، وكان رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي عبر في ديسمبر/ كانون الأول 2000 عن تأييده لمطالب المتطرفين الهندوس ببناء معبد لهم فوق أنقاض المسجد الذي هدموه، ما أثار موجة تنديد بتصريحه.
وقد استغل الحزب هذا الموضوع لاستقطاب أصوات الهندوس لصالحه في الاستحقاقات الانتخابية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 اتهم تقرير حكومي تم تسريبه للبرلمان زعماء من المعارضة الهندوسية بلعب دور في تدمير المسجد البابري، وجاء فيه أن زعماء بهاراتيا جاناتا لعبوا دورا في التخطيط لتدمير المسجد، ومن بين الأسماء الواردة في التقرير فاجبايي.
دخلت القضية مرحلة جديدة يوم 30 مايو/ أيار 2017 حيث وجهت محكمة رسميا اتهاما للمؤسس المشارك للحزب الحاكم إل كيه أدفاني وقادة آخرين بينهم وزيرة بالتآمر الجنائي في هدم المسجد.
وقدمت المحكمة بمدينة لكناو "لكهنؤ" الاتهامات ضد أدفاني -وهو نائب رئيس وزراء سابق- إلى جانب 11 قائدا آخر، منهم مورلي مانوهار جوشي وأوما بهارتي وكاليان سينغ من الحزب القومي الهندوسي.
ووصلت قضية المسجد البابري المثيرة مرحلتها النهائية اليوم السبت بقرار نهائي من المحكمة العليا بالهند يمنح الهندوس أرض المسجد، ويعطي المسلمين أرضا بديلة لبناء مسجد عليها.
وللهند اتاريخ طويل من العنف الديني، خاصة بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة. عندما تم تقسيم البلاد في عام 1947، وتقرر أن تكون الهند دولة علمانية بدون دين.
ولكن بحلول السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بدأ القادة الهندوس القوميون في حشد الدعم لنوع جديد من السياسة. قالوا إن الهندوس تعرضوا للتمييز من خلال "العلمانية الزائفة"، وأن المسلمين قد حصلوا على صفقة أفضل، وأن الهند يجب أن تكون أمة هندوسية وليست دولة علمانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق