جدل الخليجيين.. / بقلم : د . محمد قواص

. . ليست هناك تعليقات:

إيران تتحدث كثيراً عن الحوار مع الجيران وعن نظام إقليمي جديد. بيد أن ذلك الكلام يفتقد كثيراً إلى الثقة.




رياح خفيفة للتغيير


لا يمكن لزائر أي دولة خليجية إلا أن يلاحظ أن المنطقة باتت قبلة التحولات. ولا يمكن إلا استنتاج واقع جديد تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي على إيقاع نمو متصاعد متواكب مع هواجس الأمن والاستقرار. باتت هذه المنطقة محور تقلبات قد يشهدها العالم أجمع، سواء في ما يطرأ على راهن الطاقة ومستقبلها أو في ما يتداعى على مستويات الأسعار التي تدق أبواب العواصم في العالم.

أهل المنطقة يتعايشون وعلى نحو غير مسبوق مع الأخطار. أي حرب دولية لحماية التجارة الدولية والسهر على انسياب المنافذ البحرية هي حرب في عقر دارهم. وأي تطور دراماتيكي قد يطرأ على مسار التوتر مع إيران يهدد أمنهم مباشرة. وفي البحث عن الأمان جدل عميق حول كيفية الدفاع المنطقة، بأي آليات، وفق أي منظومة دفاع، وأي مساحة لما هو ذاتي مقارنة بما هو مستورد ما زال مطلوباً.

منطقة الخليج ودول مجلس التعاون الخليجي فضاء هو من أكثر مستوردي السلاح في العالم. ومع ذلك فإن منظومات الدفاع ما زالت قاصرة عن ادعاء القدرة على تأمين حصون دفاعية كافية. تطورت وسائل القتال. لم تعد تقليدية بالمعنى المتعارف عليه، وباتت أية جماعات صغيرة تمتلك أساطيل من الطائرات المسيرة التي قد لا تقهرها الترسانات الحديثة.

وفي الاصغاء إلى نقاشات الخليجين تمرين دقيق في حسن قراءة ما بين السطور. يبدو مجلس التعاون الخليجي هذه الأيام هيكلاً يعمل في الشكل بانتظار أن يعاد تشغيل مضامينه. لا يعترف المجادلون بانتهاء صلاحية المجلس، على الأقل بنسخته الحالية. في الأمر مكابرة نفهم دوافعها. لا أحد، لا الخليجيين ولا العرب ولا العالم، يريد اختفاء أفضل تجربة للتكامل الإقليمي في الشرق الأوسط. الخليجيون أنفسهم لا يريدون لهذا المنجز أن يندثر.

وواضح أن الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي مُجمعون على حفظ ماء وجه مجلسهم، حريصون على تمرير اجتماعاته وفعالياته دون أي نية لإعلان وفاته. حتى قطر التي شاع أنها تود مغادرة المركب الخليجي والتخلي عن عضويته لم تفعل. ومع ذلك بات الخليجيون يشرّحون العلّة، أو على الأقل يقرّون بأن قطر في أزمة وعُمان تنكفئ والكويت تحرص على خصوصيتها فيما السعودية والإمارات "يحلقان سويا".

يذهب المتفائلون إلى الكلام عن زمن خليجي يكاد يقود العالم العربي ويتولى حمايته. فالحرب ضد الإرهاب وجماعات الإرهاب والتصدي لإيران والحرص على تأمين استقرار بلدان المنطقة (مصر مثالا)، مهمات من لائحة تطول تولى الخليجيون التطوّع لإنجازها. بيد أن الواقعيين من داخل دول الخليج لا يؤمنون بأن على منطقتهم أن تأخذ على عاتقها تحقيق طموحات تفوق قدراتها. يعتبر هؤلاء أن الخليج لا يمكن أن يوفر لنفسه الأمن دون أن يكون أمر ذلك جزءا من أمن المنطقة برمتها، بل حتى يذهبون إلى الدعوة إلى أن تكون منظومات الدفاع العربية حاضرة وبشكل مباشر للدفاع عن أمن الخليج.

لم يعد أحد داخل المنابر الخليجية العامة يود مناقشة أزمة قطر. في ذلك أن النقاش لم يعد ناجعاً داخل ملف تحددت داخله مواقف أطراف النزاع. الخليجيون، كل الخليجيين، يتعايشون مع هذا الواقع. الكويت نفسها توقفت عن التوسط بانتظار زمن آخر وظروف أخرى. استمرار الأزمة ليس سببه مواقف أطراف النزاع فقط، بل، وعلى حد تعبير إحدى الشخصيات الخليجية، لأن العواصم المعنية الكبرى، لم تفعل شيئا من أجل إنهاء الأزمة، والأرجح أنها مستفيدة منها وليست مستعجلة على رأب الصدع الخليجي.

يأخذ الجدل الخليجي مظاهر شديدة التحفظ. ربما الاحتشام في قول الأمور بوضوح هي سمّة الشخصية الخليجية التي لطالما سعت إلى تدوير الزوايا وعدم قول الأشياء بحدتها. لكن المتجادلين يقولون، مع ذلك، وعلى نحو لافت، كل شيء. باتت دول مجلس التعاون الخليجي تتحرك وفق سرعات مختلفة، والأرجح أن كل دولة تغني على ليلاها بانتظار ان ينبلج نهار واحد.

والأمر ليس عيباً أو علّة، بل أن في تعدد السرعات ما يحفظ المشروع الخليجي ويبقي سقف المجلس راعيا لتمارين التفرد والتميز. فالاتحاد الأوروبي، لطالما تعايش مع سرعات مختلفة لإعضائه بين من ينخرط بشكل كامل داخل الآليات الأوروبية وبين من يُعتبر انخراطه انتقائي السمات.

من هذا أن بعض بلدان الاتحاد الأوروبي هم داخل منطقة اليورو دون آخرين، وبينهم داخل منطقة الشغن دون غيرهم، وبعضهم يعقد الاتفاقات مع الاتحاد دون الانخراط به وبعضهم (وهنا المثال البريطاني) يسعى إلى الخروج من عضوية الاتحاد دون أن ينفصل عن فضاء أوروبا في الأمن والسياسة والاقتصاد.

يفتش الخليجيون بحيوية حقيقية عن تموضع جديد داخل المشهد الدولي. مقارباتهم الجديدة باتجاه روسيا والصين حقيقية ترمي إلى التخلص من "التبعية" للولايات المتحدة. ليس يسيراً هذا التوجه، ذلك أن تاريخاً عتيقا يعود إلى ما قبل تشكل بلدان المنطقة بصورتها الحالية، ربط المنطقة بواشنطن ولندن والغرب عامة، وأن بكين وموسكو ما زالتا تتعاملان مع التوجهات الخليجية صوبهما بصفتها "رد فعل" انفعالي على سلوك أميركي وليس فعلا بنيويا يمكن البناء عليه.

في ذلك وجاهة. يشعر الخليجيون أن الولايات المتحدة، سواء تحت إدارة دونالد ترامب أو أسلافه، لا تأخذ دائماً مصالحهم وهواجسهم في الحسبان. هكذا فعل أوباما حين اندفع إلى تشييد اتفاق مع إيران من وراء ظهر المنطقة محاضراً على دول الخليج أن تقاسموا النفوذ مع إيران وأصلحوا بيوتكم. وهكذا قد يفعل ترامب، الذي، وبحكم عقلية البزنس التي تسيطر عليه، لن يتوانى عن إبرام اتفاق يسجّل لصالحه ووفق معاييره، دون أن يكون لذلك الاتفاق بالضرورة معايير خليجية.

يراقب الخليجيون ما يجري في العراق ولبنان. يغبطهم ذلك الحراك الذي يربك نفوذ إيران والعراق. لا يحبون الثورات الشعبية ويخشون من آفاقها المجهولة. في بالهم أن ذلك "الربيع" الذي داهم المنطقة منذ عام 2011 كان وبالا ضرب المنطقة ولم ينته. يتأملون الحدثين دون تعليق. في صمتهم حرصٌ على تخليص الحراكات المدنية المتجردة من أي أجندات خارجة من أي حرج. ويخشون ذلك أيضاً بسبب غياب المعطيات حول شوارع تنتفض، بشكل فوضوي، ودون قيادة، على نحو يجعل من المراهنة على أي تحول إيجابي مغامرة انفعالية لا تنتهجها الدول الراشدة.

حقيقة الأمر في النهاية أن الخليجيين سأموا حالة العبث. يروج كلام كثير عن حوار مع إيران. ليس مهما أن منابر الخليج كما منابر إيران لا تعبر عن إيمانها بذلك، لكن كثيراً من الهمس يدور حول استعداد كل الفرقاء للذهاب إلى طاولة الحوار. الأمر يحتاج إلى جرأة كما إلى إيجاد آليات تنقذ ماء وجه الجميع. إيران تتحدث كثيراً عن الحوار مع الجيران وعن نظام إقليمي جديد. بيد أن ذلك الكلام يفتقد كثيراً إلى الثقة. لا شيء في سلوك إيران يقنع الخليجيين بأن رياحاً جديدة تهب في طهران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا