واشنطن ــ فكتور شلهوب
13 نوفمبر 2019
الرغم من طغيان قضية محاكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الكونغرس، والتي تبدأ فصولها العلنية، اليوم الأربعاء، أخذت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لواشنطن قسطها من الأضواء من زاوية التساؤل عن مغزاها وتوقيتها. فهي تأتي وسط جوّ أميركي غير ودّي تجاه أردوغان إن لم يكن عدائياً، سواء في الكونغرس أو الإعلام أو حتى لدى بعض أركان الإدارة، فضلاً عن البنتاغون والعديد من نخب السياسة الخارجية.
بعد دعوة الرئيس التركي للزيارة، رفعت مجموعة من الحزبين (الديمقراطي، والجمهوري) في الكونغرس رسالة إلى البيت الأبيض تحث ترامب على سحب الدعوة. وفي مجلس الشيوخ مشروع عقوبات مطروح ضد تركيا، رغم نهي ترامب عن هذه الخطوة. مع ذلك أصرّ الرئيس الأميركي على الموعد. فهو وحده ومعه عدد من كبار معاونيه في البيت الأبيض، على علاقة جيدة تقوم على "التفهم والتقارب" مع نظيره التركي.
موقف أثار الكثير من علامات الاستفهام ودارت حوله روايات وتفسيرات مختلفة. منها ما أسرّ به مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، في جلسة مغلقة، قبل أيام، تسربت اليوم، إلى الصحف، عندما قال ما مفاده أنّ سياسة الرئيس ترامب تجاه أنقرة تمليها "أعماله ومصالحه مع تركيا وعلاقاته الشخصية" مع الرئيس أردوغان. وكان مثل هذا الكلام قد تكرر في السابق من خلال الإشارة إلى "برجي ترامب" في إسطنبول ومصالح أخرى "بين صهري الرئيسين (صهر أردوغان، وزير المالية بيرات ألبيرق، وصهر ترامب، ومستشاره جاريد كوشنر) تحدثت عنها صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير مطوّل.
لكن هناك اعتقادا أنّ هذه العلاقة لها أبعاد أخرى أهم وأكبر من مجرد مصالح مالية، فهي تنسجم ولا تتضارب مع التقارب الروسي – التركي. وقد انعكس ذلك في التوافق الثلاثي على الخطوة العسكرية التركية في شمال سورية، والذي يرى البعض أنه مرتبط باستراتيجية روسية شاملة "تركّز على تفكيك حلف شمال الأطلسي (الناتو)" عبر التحالف مع تركيا، كما يصوّب نحو رسم خريطة تحالفات وتوازنات شرق أوسطية جديدة.
ومن هنا الاعتراضات الواسعة من جانب حلفاء وخصوم الإدارة الأميركية، على توجهات البيت الأبيض التي يرون أنها تنتظم عملياً في هذه الخطة، خاصة أن الرئيس ترامب متهم بالسعي لفرط "الناتو" كما أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى ذلك مواربة في تصريح أخير له.
وفي هذا الصدد يشير المراقبون إلى خطوات عدّة قام بها ترامب تصب في هذا الاتجاه، منها غضّ النظر عن تزود أنقرة بمنظومة "إس 400" الروسية المضادة وتدخله لتجميد تنفيذ العقوبات التركية رداً على شراء هذه المنظومة. تفاهم متطور أدى إلى منح أنقرة الضوء الأخضر لعبور الحدود السورية ومطاردة القوات الكردية التي أثار التخلي عنها نقمة واسعة في واشنطن ضد ترامب. لكنه تجاوز كل هذه الانتقادات وأصرّ على دعوة أردوغان إلى البيت الأبيض في لحظة غير اعتيادية، علماً أنه رفض لقاء نظيره التركي في نيويورك على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
اليوم يلتقي الرئيسان في البيت الأبيض للتباحث في بنود جدول أعمال ترجح التقديرات أن يشمل سورية والدور الأميركي هناك والوضع الكردي والعلاقة الثنائية المضطربة، إضافة إلى قضية موقوفي "داعش"، وملف زعيم حركة "الخدمة" المقيم في الولايات المتحدة الأميركية فتح الله غولن، المطلوب من قبل السلطات التركية والذي تعود مسألة استرداده إلى بدايات رئاسة ترامب، حيث كاد مستشار الرئيس آنذاك الجنرال مايك فلين أن يسلّمه لتركيا لولا العقبة القضائية.
لكن أهمية هذه البنود محكومة بالتعتيم بفعل طغيان ظل الجلسة العلنية الأولى لإجراءات عزل الرئيس ترامب في الكونغرس، في لحظة الاجتماع ذاتها بينهما في البيت الأبيض. وبالتالي من غير المتوقع أن تكون الزيارة أكثر من جلسة عابرة يبرز فيها الرئيس أردوغان وكأنه فرض حضوره في واشنطن كحليف وخصم وكشريك وندّ في آن، ولو أن خصومته تعمقت في الكونغرس كما في عالم أهل الرأي والقرار في واشنطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق