في تفسير ظاهرة الرئيس ترامب // بقلم : محمد ياغي

. . ليست هناك تعليقات:


2020-10-23

سنكون غير منصفين وساذجين إذا قلنا إن الشعب الأميركي انتخب قبل أربعة أعوام أسوأ رئيس في تاريخ بلاده، وإن هذا يعني بالضرورة أن هذا الشعب يتمتع بصفات منها «ضحالة ثقافته السياسية» و»عدم احترام المرأة» و»كراهية الآخر» و»الجشع» المتمثل بالرغبة في استعباد الدول الأخرى وسرقة خيراتها، وهي الصفات التي يمكن استنباطها من خطاب الرئيس ترامب لجمهوره.
هذا غير حقيقي وفيه تسطيح للأسباب التي دفعت جمهوراً عريضاً من الأميركيين لانتخاب ترامب سابقاً ولاستمرار عدد كبير منهم في تأييده إلى يومنا هذا.
مراكز استطلاعات الرأي في أميركا تشير إلى وجود ٤٠٪ من الأميركيين يرغبون في بناء جدار يفصلهم عن المكسيك ومثلهم يرغبون في فرض رسوم جمركية على الواردات من خارج بلادهم، وأكثر من نصف الأميركيين يرغبون في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
في انتخابات العام ٢٠١٦، أكثر من ٥٥٪ ممن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، قالوا إنهم من أبناء الطبقة العاملة.
الكثير من هؤلاء يعتبرون ترامب ممثلا لهم ويرغبون في نجاحه في الانتخابات القادمة بعد أسبوعين.
لكي نفهم ظاهرة ترامب وهذا التأييد له علينا أن نعود قليلاً لعصر الرئيس بيل كلينتون، لندرك كيف انتقل الملايين من العمال البيض من تأييد الحزب الديمقراطي إلى معاداته وتأييد ترامب بصفته مرشحاً لهم من خارج النخبة السياسية التي حكمت أميركا لأكثر من قرنين من الزمان.
لم يتوقع ملايين العمال الأميركيين أن تؤدي اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك وكندا العام ١٩٩٣ (نافتا) والانفتاح التجاري على الصين العام ٢٠٠٠ إلى فقد الملايين منهم لعملهم بسبب انتقال المصانع التي يعملون فيها إلى المكسيك والصين.
الولايات التي تعرف بالمتأرجحة في أميركا والتي حسمت فوز ترامب في انتخابات العام ٢٠١٦، كانت تلك الولايات الأكثر تضرراً من سياسات «التجارة الحرة» في عصر كلينتون: غالبية عمال مصانع السيارات في أوهايو، عمال الألبسة في بنسيلفانيا وعمال الأثاث في نورث كارولينا فقدوا عملهم.
الاستيراد من الصين، وفقاً لدراسة أعدها ديفيد أوتر الباحث في معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا، تسبب بين أعوام ٢٠٠٠ و٢٠١٠ بإخراج مئات الآلاف من أعمالهم في كل من ميتشيغان وويسكنسون وهي أيضاً ولايات متأرجحة، بسبب إغلاق أصحاب العمل لأعمالهم لعدم قدرتهم على منافسة البضائع الصينية.
ترافق ذلك كله مع احتلال المهاجرين غير الشرعيين للأعمال التي لا تحتاج لمهارة مثل تنظيف الفنادق والمطاعم والمقاهي والمستشفيات، قص الأعشاب، العمل في المسالخ...الخ.
منافسة الأميركيين البيض على هذه الوظائف التي لا تحتاج لمهارة أصبحت صعبة جداً، لأن المهاجرين غير شرعيين يقبلون بأجور وامتيازات عمل أقل بكثير من نظرائهم «البيض» بسبب عدم وجود وثائق قانونية معهم.
بفقدان الطبقة العاملة الأميركية وتحديداً في الولايات المتأرجحة، حيث الغالبية العظمى منهم من البيض، لعملهم زادت معدلات الفقر بينهم وارتفعت نسبة الجرائم والكثير من المشاكل الاجتماعية المرافقة للفقر والشعور بالقلق من المستقبل.
فقدان العمل وما ترتب عليه من مشاكل اجتماعية مضافاً له عدم القدرة على منافسة المهاجرين غير الشرعيين على الوظائف البسيطة التي بالكاد تكفي أجورها لدفع الفواتير الشهرية، أوجد ظاهرة العنصرية تجاه المهاجرين.
لذلك عندما كان ترامب ولا يزال يتحدث ضد اتفاقات التجارة الحرة وضد المهاجرين بشكل عنصري، فإن خطابه «الشعبوي» لا يزال يلقى آذانا صاغية من جمهور عريض من الأميركيين الذين شعروا بوطأة العولمة وعانوا منها.
المنظرون للتجارة الحرة يقولون إن «العولمة» خلقت أيضاً ملايين الوظائف البديلة، وهذا أيضاً حقيقي، لكنها خلقتها للفئات الأكثر تعليماً، التي يمكنها العمل من البيت في شركات التأمين والبنوك والمؤسسات المالية عموما، أو في قطاع التكنولوجيا حيث العمل لا يعتمد على المكان الذي يتم منه.
لكن قطاع العمال، القطاع الذي انتخب ترامب سابقا، وكان هذا العام أكثر تأييداً لبيرني ساندرز، كان ولا يزال القطاع الأكثر تضرراً من العولمة.
هذا الواقع لم يتغير منذ انتخاب ترامب.
الذي تغير هو أن ملايين العمال الذين صوتوا له سابقاً قد اكتشفوا بأنه مخادع وأنه لم يتمكن من إعادة مصنع واحد من المصانع التي غادرت أميركا إلى الصين والمكسيك، وبأن سياساته الاقتصادية لم تخلق فرص عمل لهم وأنها فقط قد مكنت الأغنياء من زيادة ثرواتهم من خلال تخفيض الاقتطاعات الضريبية عنهم.
هذا عدا عدائه الشديد للنقابات العمالية التي عمل على إضعافها وتفكيكها من خلال تشريعاته.
الذي تغير أيضاً، هو أن الحزب الديمقراطي ومن خلال مرشحه جوزيف بايدن يطرح سياسات جديدة تستقطب جزءا مهماً من الذين صوتوا لصالح ترامب العام ٢٠١٦. منها مثلاً فرض ضريبة إضافية تعادل عشرة بالمائة على دخل كل شركة تنقل معاملها إلى خارج الولايات المتحدة، ومنها خطة طموحة بقيمة تريليوني دولار للاستثمار في الطاقة المتجددة بهدف خلق ملايين الوظائف الجديدة للأميركيين خلال أربع سنوات.
هذه السياسات لا تشكل حلولاً جذرية للمتضررين من العولمة، ولكن عند مقارنتها بسياسات ترامب وتجربته في الحكم خلال السنوات الأربع الماضية وفشله في التعاطي مع أزمة «كورونا»، فإنها قد تكون ما قد يحسم الانتخابات لصالح منافسه بايدن.
مختصر الكلام من السهل القول إن الأميركيين أو الأوروبيين عنصريون بسبب انتخاب ترامب وتصاعد اليمين المتطرف في الغرب، لكن المسألة أعمق من ذلك بكثير وهي مرتبطة بظاهرة العولمة واقتصاد السوق الحر ومحاولات السياسيين خداع الجمهور بتحويل غضبهم إلى المهاجرين بدلاً من سياساتهم الاقتصادية الكارثية.

المصدر : صحيفة الايام الفلسطينية
كن مدون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا