فيرناندو ديوارتبي بي سي
9 سبتمبر/ أيلول 2020
تقول "لم يكن الأمر أنني قررت الامتناع للأبد، لكن حين دخلنا حالة الإغلاق لم يكن من المنطقي أن أبدأ من جديد في تناول الكحول".
وتضيف أن بقاءها في المنزل مع طفلها ذي العامين ساعدها في البدء اتباع أسلوب حياة خالية من الكحول.
" لم يكن بإمكاننا الخروج أو الاختلاط بالآخرين، وتناول الكحول في المنزل لم يكن خياراً بالنسبة لي".
وبينما تصدرت الطفرات المثيرة للقلق في معدلات تناول الكحول عناوين الأخبار خلال تفشي وباء كورونا، يبدو أن الاتجاه نحو الإقلاع عن تناول الكحول أواستهلاكه بصورة واعية قد ازدهر كذلك، وصار اتجاهاً عالمياً متزايدا، وقرر كثيرون مثل تينا أن يسايروه.
قررت تينا البالغة من العمر 26 عاماً أن تظل ممتنعة عن تناول الكحول حتى بعد أن أُعيد فتح الحانات والمطاعم في المنطقة التي تسكنها في أوائل يوليو/ تموز، قائلة " فقط لم أعد أشعر أنني بحاجة إلى تناول الكحول".
شاب يبيع 28 زجاجة ويسكي "ثمينة" تلقاها في أعياد ميلاده لشراء منزل
تناول الكحوليات أثناء الحمل "ليس آمنا تماما للأجنة"
كيف يسهم أصدقاؤك في تغيير عاداتك إلى الأفضل أو الأسوأ؟
أكثر أم أقل: الكحول في ظل كوفيد -19
وفي حال فشلت تينا في مواصلة الامتناع عن تناول الكحول، فإنها كانت ستصبح ككثيرين غيرها.
فقد تحدثت تقارير عدة عن الآثار السلبية للوباء على علاقة الناس بالمشروبات الكحولية.
وأصدرت السلطات الصحية حول العالم من الهند إلى البرازيل، والولايات المتحدة وعدة دول أوروبية تحذيرات بعدما أشارت الأرقام إلى ارتفاع دراماتيكي في مبيعات المشروبات الكحولية.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، قفزت مبيعات المشروبات الكحولية على الإنترنت بنسبة 400% في نهاية إبريل/ نيسان في ظل فرض إجراءات الإغلاق. بينما حظرت بعض الدول مثل جنوب أفريقيا مبيعاتها خلال فترة الإغلاق في محاولة لضبط الاستهلاك.
وفي المملكة المتحدة حيث تعيش تينا، أظهر مسح أجرته مؤسسة Alcohol Change غير الحكومية أن نحو 30 % من البريطانيين يعتقدون أنهم يتناولون الكحوليات بصورة أكبر خلال تفشي الوباء.
ومع ذلك، وبالرغم من هذه الزيادة المقلقة، يبدو أن الاتجاه نحو الاستهلاك الواعي أو ربما حتى الامتناع التام قد شهد نموا. وهذا ما تؤكده نتائج المسح ذاته لمؤسسة Alcohol Change، إذ تبين أن 37% من الناس " يتخذون خطوات فعلية نحو ضبط تناولهم للكحوليات"، ويشمل ذلك تناولها بصورة أقل أو الإقلاع عنها تماماً، بحسب البيانات.
ويقول جيم تيمونز وهو مدمن كحول سابق ويعمل حالياً كمعالج للحالات التي تعاني من الإفراط الشديد في تناول المشروبات الكحولية " بالنسبة لبعض الناس فإن الوباء أزال بالفعل بعض أسباب التشتيت التي كانت تمنعهم من العمل على تحسين أنفسهم".
ويضيف " لا أقول أن بعض الناس لم يعانوا، ولكن الظروف التي فرضتها إجراءات الإغلاق كانت مثالية للبعض."
وتتزعم الأجيال الأصغر سناً هذا الاتجاه من أجل الامتناع عن الكحوليات.
صغار السن و"الفضول حيال الامتناع عن الكحوليات"
يُنظر إلى أبناء جيل الألفية، كما يُعرف هؤلاء الذين ولدوا بين عامي 1981 و1996 على أنهم أقل "تعطشاً" للكحوليات من الأجيال السابقة.
في حين يبدو المنتمون للجيل التالي وهو جيل زِد أو Zoomers وهم الذين ولدوا بعد عام 1996 أكثر ميلاً لأن يكونوا ( فضوليين حيال الامتناع عن تناول الكحول) وهو مصطلح ابتكره الكاتب الأمريكي روبي وارنغتون عام 2018 في كتاب تناول إعادة النظر في علاقتنا بالكحول.
وأظهرت دراسة شملت 8 ملايين مراهق أمريكي خلال الفترة بين عامي 1976 و2016 أن أبناء "جيل زِد" كانوا أقل ميلاً لأن يجربوا الكحول خلال سنوات مراهقتهم مقارنة بنظرائهم من الأجيال السابقة.
ويشرح جوني فورسيث الخبير في صناعة الكحول في شركة مينتل البحثية قائلاً " قبل عشرين عاماً كان اتباع نظام صحي يبدو أمراً غريبا. أما الآن فقد أصبح ذلك أمراً جذابا. صار المجتمع أكثر وعياً وبات من الصعب تبرير تناول الكحول كما كان يحدث في السابق".
ويضيف "جيل زِد هو الجيل الأكثر اهتماماً بالصحة منذ زمن بعيد. إنهم سيغيرون صناعة الكحول".
وسائل التواصل الاجتماعي والامتناع عن الكحوليات
أعقب نشر كتاب وارنغتون زيادة في عدد المؤثرين المهتمين بالامتناع عن الكحوليات، مثل كيلي فيتزجيرالد التي أصبحت -مستخدمة شعار Sober Señorita -واحدة من أكثر الأسماء شعبية في الولايات المتحدة في هذا المجال على انستغرام.
تقول " لا أدري إن كان الامتناع عن الكحول قد أصبح نوعاً من التحدي خلال تفشي وباء كورونا، لكن من المؤكد أنه أصبح أمراً حقيقياً ومهماً أكثر بالنسبة للكثيرين".
" هؤلاء الذين لم يكونوا ممتنعين عن الكحول قبل تفشي كوفيد -19 وجدوا أنهم مضطرون للبقاء بمفردهم أو داخل المنزل، ولم يستطيعوا تبرير أنماطهم "العادية" للاختلاط بالآخرين وتناول الكحول".
وتضيف فيتزجيرالد " اعتقد أن الكثير من الناس وجدوا أنهم عند مفترق طرق، وسألوا أنفسهم : هل نمط تناولي للكحوليات عادي؟"
لي مينغو والمعروف على انسغترام باسم The Gay Sober رأى أيضاً أنه أمام الكثيرين فرصة لطرح الأسئلة بشأن الأحكام المسبقة حول الإقلاع عن الكحول أو التناول الواعي للكحول.
يقول " بدأ الناس الاعتياد على فكرة الإقلاع عن الكحوليات، رغم أن أكثر عبارة أسمعها هي أن هؤلاء المقلعين عن الكحول مملون".
ويضيف " كانت هذه العبارة تغضبني، لكنني الآن أرد قائلاً إن المقلعين عن الكحول يستطيعون قيادة السيارة إلى المنزل بعد قضاء سهرة ليلية، بدلاً من الوقوف في حالة انتظار مع أناس سكارى يتصرفون كما لو كانوا أمام تخفيضات الجمعة السوداء، عند رؤيتهم أول سيارة أجرة".
الصحفية ميلي جوتش (27 عاما)- المؤثرة على انستغرام والتي تدير جمعية دعم تحمل اسم The Sober Girl Society للمساعدة في الإقلاع عن الكحول- تتفق أيضاً مع الرأي القائل إن إجراءات الإغلاق كانت لها تاثيرات إيجابية على البعض.
كتبت جوتش في رسالة إلكترونية لبي بي سي تقول " بالتأكيد أوجد وباء كورونا تحديات جديدة لفكرة الإقلاع عن الكحول كغياب الدعم المباشر، والقلق العام من أن يدفع ذلك بعض الناس إلى الإفراط في تناولها".
وتضيف" لكن الكثير من أعضاء جمعيتنا قالوا إن الوباء جعل عدم تناول الكحوليات أكثر سهولة بسبب قلة الإغراءات والمناسبات وغياب الضغط الاجتماعي".
استهلاك الكحوليات:عدد الأشخاص والكميات
• يظهر أحدث تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن غالبية الناس غير مستهلكين للكحول، إذ تقل نسبة هؤلاء الذين يتناولون المشروبات الكحولية حول العالم ممن تزيد أعمارهم عن 15 عاماً عن 43 %. وأكثر من 44% من سكان العالم لا يتناولون الكحوليات نهائيا.
* لا يعني ذلك أنه لا مبرر للقلق، إذ ارتفع استهلاك الكحوليات من 5.7 لتر للشخص سنوياً في عام 2000 إلى 6.4 لتر في عام 2016، ما يعني أن هذا الاتجاه قد تصاعد بالفعل قبل فيروس كورونا بسنوات.
* يتسبب الاستخدام الخطر للكحول في 3 ملايين وفاة على الأقل سنويا، أي أكثر من ثلاثة أضعاف خسائر كوفيد -19 عالمياً ( 830 ألف وفاة بسبب فيروس كورونا في نهاية أغسطس/ آب).
* الخبر السار هو أن عدد الأشخاص الذين يتناولون الكحول انخفض بنسبة 5% خلال العقدين الماضيين بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية.
انتشار المشروبات الخالية من الكحول ومنخفضة الكحول
يقول الخبراء إن تغير السلوكيات أدى إلى إيجاد فرص عمل جديدة في الدول الغربية، قد تنتشر قريباً في باقي أنحاء العالم.
فموقع One Year No Beer ( عام بدون بيرة) لديه 70 ألف عضو في 90 دولة حول العالم، وقد شهد تأثيراً لهذه التغييرات السلوكية على نشاطاته.
تساعد الشركة الناس في ضبط استهلاكهم للكحوليات من خلال توفير أدوات للدعم وتحديات لمساعدتهم في إكمال يومهم دون تناول المشروبات الكحولية.
ومنذ مارس/آذار شهدت الشركة زيادة بنسبة 30% في عدد أعضاءها. وأطلقت حملة ناجحة للتمويل الجماعي وتلقت دعماً حكومياً لتشجيعها على العادات الصحية الجيدة.
كما حقق مصنعو المشروبات منخفضة الكحول والخالية من الكحول نمواً في مبيعاتهم خلال تفشي وباء كورونا.
هذا تحديداً ما حدث مع بول ماثيو، وهو خبير أحياء بريطاني وصاحب حانة قام العام الماضي بإطلاق مشروب خالٍ من الكحول لبيعه حصرياً للحانات والمطاعم. وحين تفشى وباء كورونا كان ماثيو يخشى الأسوأ، فحاول بيع منتجه إلى الجمهور مباشرة. وسرعان ما انهالت عليه طلبات الزبائن وارتفعت مبيعاته بنسبة 4000 % نتيجة لذلك.
يقول " صرنا نبيع الالاف بعدما كنا نبيع بضع مئات من الزجاجات في الشهر الواحد. بالتأكيد لم أتوقع هذا".
ويشير تقرير عن أبحاث السوق حول البيرة الخالية من الكحول نشر في أغسطس / آب الماضي إلى " تحول تفضيلات العملاء نحو المشروبات الخالية من الكحول" ويتوقع أن حجم هذا النشاط "سيتجاوز 6 مليارات دولار بحلول 2024" في أوروبا وحدها، مع توقعات بزيادته في أفريقيا والشرق الأوسط أيضا.
ويقول التقرير إن " الوعي المتنامي بالمشكلات الصحية المرتبطة بالاستهلاك الزائد للكحول يشجع المستهلك على الاتجاه إلى مشروبات بديلة".
صحيح أن قطاع المشروبات الخالية من الكحول أو منخفضة الكحول لا يمثل سوى جزءاً بسيطاً من المبيعات العالمية من المشروبات الكحولية التي يقدر حجمها بتريليون دولار، غير أن الشركات العملاقة في صناعة الكحول كثفت هي الأخرى نشاطاتها في انتاج المشروبات الخالية من الكحول.
ولعل المثال الأحدث كان الإعلان عن أن مشروب هاينكن زيرو (البيرة الخالية من الكحول) سيكون للمرة الأولى الراعي الرئيسي لدوري أبطال أوروبا، أحد أهم منافسات كرة القدم في العالم.
وعادة ما تتولى العلامات التجارية الكبرى للمشروبات الكحولية، خاصة البيرة، رعاية المنافسات الرياضية الدولية.
كما أظهر بحث أجرته شركة باكاردي للكحول زيادة بنسبة 42% في عام 2019 في عمليات البحث عن طريق غوغل على كلمة " موكتيل" والتي تشير إلى مشروبات الكوكتيل الخالية من الكحول.
ولكن هل ستستمر العادات الجيدة؟
تخشى تينا رودريغيز من " الإغراءات" التي قد تحملها المناسبة الاجتماعية القادمة التي دُعيت إليها، رغم أن غالبية أصدقائها يتناولون الكحول أقل من السابق أو أقلعوا عنها بالكامل خلال فترة الإغلاق. تقول " اعتقد أننا جميعاً أصبحنا أكثر اهتماماً بالصحة."
هل عاداتها الجيدة ستستمر بعد عودة الحياة لطبيعتها؟
يقول الخبراء إن الإجابة على هذا السؤال لا تحكمها فقط الإرادة الشخصية للناس.
إذ تعتقد الكاتبة ماندي مانرز - المستشارة النفسية ومؤلفة كتاب يحمل عنوان Yourself Sober: A Self Care Guide to Alcohol-Free Living for Busy Mothers لمساعدة الأمهات في الإقلاع عن الكحول - إن المسؤولية تقع أيضاً على عاتق صناعة الترفيه.
تقول "من المهم أن توفر الحانات والمطاعم احتياجات هؤلاء الذين لا يريدون أن يتناولوا المشروبات الكحولية"
" عليهم أن يوفروا خيارات، بحيث نستطيع أن نجلس معاً على نفس المائدة"
هناك أيضاً مؤشرات على أن أجيالاً أخرى تميل نحو التناول الواعي للكحول . فغالبية أعضاء موقع One Year No Beer تتراوح أعمارهم بين 35- 55 عاما. وأغلب الأعضاء الجدد تزيد أعمارهم عن 40 عاما.
من بين هؤلاء النيوزيلاندية كلير بوث (56 عاما) وتعمل في المجال الخيري. قامت بتقليل استهلاكها للكحول في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي بعد علمها بظهور فيروس كورونا في الصين.
تقول " كان هدفي الرئيسي هو أن أكون في صحة جيدة بحيث أتفادي المرض".
وفي الوقت الذي كانت فيه نيوزيلاندا من أوائل الدول التي فرضت إجراءات الإغلاق، كانت بوث شبه مقلعة عن الكحول وتضيف
"تناولت مشروبات كحولية 3 مرات فقط خلال 6 أشهر".
وتقول ميلي جوتش إنها لم تتفاجأ باتجاه أبناء الأجيال الأكبر سناً نحو مراجعة علاقتهم بالكحول خلال فترة تفشي وباء كورونا، قائلة إن الإقلاع عن الكحول يتزايد ليس فقط بين جيلي الألفية والزومرز.
" ربما لأننا جيل التواصل الاجتماعي، فقد صرنا نتحدث عنه بشكل أكبر".
" لكن هناك أشخاصاً رائعين يسلطون الضوء على الإقلاع عن الكحوليات بين الأجيال الأكبر سناً".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق