حضور المرأة في أعمال ناجي العلي الكاريكاتورية

. . ليست هناك تعليقات:


اعداد :
د. زياد غانم بني شمسه/ أستاذ الأدب والنقد
الطالبة ملك شواهنة - جامعة بيت لحم

"نام الأولاد منذ قليل، وفرغت لتوي من ترتيب المنزل، وأغلقت باب الدار وصعدت لأستريح؛ غرفتك ما تزال مضاءة، لكن الظلام يتنفس في كل زاوية فيها، من أين ينبعث هذا لظلام، آه كم هي الأشياء تبدلت!! هي المشاهد تفاجئني، رباه! ما لهذه الدموع الساخنة لا تأخذ معها شيئا من حرارة النار الناشبة في قلبي؟
أنا لست بارعة في الكتابة يا ناجي، هل تتذكر؟ عندما كنت ترسم لوحة ذات مرة، وقد ارتكبت خطأ إملائيا في الحوار؟ وقلت لي مبتسما: لا يهمني "سيبويه" كل همي أن أنقل ذاك الجرح النازف لحنظلة وإخوته الصغار الحفاة العراة.

صدقت فكل هؤلاء البائسين الذين راهنت على رسمهم على جدار الحياة كسبوا الرهان،

حنظلة الآن بين إخوته ينقل الحجارة، ويسعف الجرحى..و يصلي على الشهداء، ويمارس الرجم حسب الأصول كما علمته، وما زالت الثورة تصعد، الثورة بألف خير."

نم قرير العين يا حبيبي..ناجي لحظة واحدة كأني أسمع رنين جرس الباب، لحظة واحدة سأنزل ؛لأفتح..أظنك قد أتيت." أم خالد زوجة ناجي العلي..

هذا الحضور الكبير للمرأة الذي حرص عليه ناجي العلي في أعماله الفنية، هي وجه واحد لعملته الفنية الكاريكاتورية؛ ذات الوجه النضالي " أم الأرض"، والوجه الاجتماعي "أم الحياة".

ناجي العلي شعلة النور, ونبي الثورة, من أدباء المقاومة, يرسم ويبتكر شخصيات لا تتأطر بكونها صورا وخطوطا منحنية على ورق؛ بل يترجم واقع شعبٍ بفرشاةٍ تستعصي على الكسر يجسم الواقع, وتزداد المقاومة شراسة بحضور المرأة الفلسطينية التي يولدُ من مخاضِ ريشته.

وهنا في هذا المقال نقف على حضور المرأة في أعمال ناجي الكاريكاتيرية بين المقاومة الكفاحية النضالية والمقاومة الاجتماعية بوجهها الإنساني، في قالبين أساسين فكان القالب الأول: "إضفاء نون النسوة على مراحل القضية", والثاني" يجسدُ وجودها الإنساني "المرأة غلاف الكتاب المجتمعي ".


أولا-"اضفاء نون النسوة على مراحل القضية" :

فلسطينُ الأنثى , الثورة , صبرا, النكبة والنكسة, لو استحضرنا تلك  الأسماء كاشتقاق دلالي؛ فإنها تحمل دالا لغويا نون  النسوة يضفي عليها مدلولات أيدلوجية مقاومة.

 وفي قاموسه المقاوم هناك معادلةٌ ثابتة تنص على "أن الوطن أنثى والأنثى وطن" فهي: المنيعة, الثكلى, المكلومة، المثخنة بالجراح، وهي في التصور الأعمق للصورة : الصابرة الصامدة المثمرة بالنضال.

 ولم يقتصر الأمر على فلسطين بل تعداها إلى المخيمات والدول العربية المجاورة, فتمثلت عينُ الحلوةِ رمزاً نسائيا بمدلولٍ ساخرٍ معبِّرٍ عن المخيم والطعناتِ المميتة؛ حيث يتضرجُ وجه الحسناءِ"الحلوة" بالدماء وتتراشقُ قطراتٍ الألم على وجنتيها.



تتخطى الصورة  لسرداب أعمق وأكثر عتمة؛ مذبحة صبرا وشاتيلا, التي تنطوي على جرائم بحق الإنسانية جمعاء ممثلة بالمرأة الحامل, زوجةُ الشهيد, التي بقروا بطنها وظل  لسانها يتعجّل بالتشبثِ بما بقي من صبر وأملٍ يتفتّق من ألم، والزحف الخائن في طريقه يقدم لها الهلاك بطرقٍ مبتكرة.



يستلُّ العلي نفسه من خيباتِ بيروت التي أجهضت أمله، إلى عزيمةٍ جديدة وقفزةٍ إلى ورقات النصر ممثلا بالانتفاضة، امرأة أخرى بقدٍّ ممشوق, صبيةً تعاركُ المحتل وتدحرجِ الغاصبَ من أمامها.



وفي رؤية فنية أخرى بإطار أيدولوجي تظهر صديقة البحرِ غزة, امرأة فلسطينية تُكوِّر على رأسها هاء الخيمة معقودة على حطامِ الذكريات قبل اللجوء، فربما أراد التعبير فيها عن الفعلِّ (غزّ) بانتفاضة السكين وبروزها من هاء الدلالة في  يد الغاصبِ الإسرائيلي.



كما تسلط الصورة الكاريكاتيرية عدستها شمالا، نائيةً عن جغرافية فلسطين، إلى أرضِ لبنان, وتسلم لبنان جنوبها طوعا ليدِ الناجي فيحولها امرأة  تصبُّ الوفرةَ والماءَ على الحواس؛ فترويها وتشفي تعطش جلدها الجاف للثورات, فكأنها عشتارُ آلهة الوفرةِ والخصوبة.



هذا هو الوعي الفكري المتمرد الذي  يقف الناجي خلفه, يرسم الوطن والمنفى، صورة تتكسّر أغلاله على جيدِ امرأةٍ، تأخذ منهُ صفاتها فتقع بحالةِ التباسٍ وتوأمةٍ فكرية تجسيمية للمرأة على هيئة وطن، وللوطنِ الساكنِ على قدِّ امرأةٍ ممشوقٍ، وعنقٍ مشرئبة، وعينان متقدتان بوهجِ الثورة.

ثانيا-"المرأة غلاف الكتاب المجتمعي.

   المرأة الفلسطينية  تشارك بكثافةٍ في أعمال ناجي العلي، لا تغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها، وبرزت كينونتها حاضرة فاعلة كمنارةٍ فكرية, تقف إلى جنب الرجال يد بيد، وخطوةً بخطوة, فمن المجال العسكري، إلى التهيئة الاجتماعية، إلى المقاومة الفكرية, وصولا إلى دورها القيادي في صناعة القرارات، ورصد تنبؤات واعية يُبنى عليها مستقبل أوطان؛ كل ذلك تبقى الأم الحنون التي تهلِّلُ بأكثرِ العبارات روحانية على جبين طفلها, ومن جانبٍ آخر تعدًّ له العدّة والعتاد ليكون نصر فلسطين القادم.

* هي تخلِّف وفلسطين تأخذ؟ 

 "أم سعد "كما جسدها الكنفاني ,أيقونة القضية، رحم الثورة "هي تُخلِّف وفلسطين تأخذ" وفي تجسيد رمزي آخر اختار الناجي اسم "فاطمة" توازي أمّ سعدٍ في الشقاءِ والكد وتحمل في طياتِ شخصيتها جوانباً للتناقضِ المنطقي,المتناسبِ مع لا منطقيةِ بقاء الأرض مغتصبة, تتغير في حالاتها الشعورية  والنضالية، بما يتناسب مع الأزمة والوضع, فبعدَ أن تُثقلَ بمشاعر الأم الحريصة الخائفة على ولدها تتحول إلى الأم الشجاعةِ التي تلقي بابنها في غياهبِ الثورة,ليشربَ من الكرامةِ حتى يروى,,فكانت محوريّة في خلق حالةٍ من الصيرورة لتحويل الواقع من مجرّدِ امرأة تنجبُ الخصب إلى غرسهم ثوارا يستردون ما أُخذ بالقوة ويصلّون في محرابِ القضية.



*المرأة شجرة الحياة والمقاومة في رؤية ناجي العلي:

ومن أعظم الأعمال الترسيخية للمرأة الفلسطينية؛ هو خروجها من جذع شجرةٍ كدلالةٍ الرسوخ, ونقاء الروح المفعمة بالقوةِ، ورباطةِ الجأشِ، يقتاتُ الشعب على صمودها ويقاومُ ما بقيت هي واقفة صامدة تعطيه الأمل وتطعمه القوة, رغم أنها أشد الناس حاجةً إلى جرعةِ أملٍ ترويها،وإلى طعامٍ يقوي عودها, فتظل تمد المارين بالظل, تنظف الطريقَ للعابرين وتدحرج الحجارة بعيدا عن موطئ قدمها، في إشارة إلى مشاركة المرأة طفلةً وشابة في النضال ضد الاحتلال, ولفاطمة برناوي, وليلى خالد ودلال المغربي في بدايات الثورة الكلمة الحاسمة، ولعهد التميمي التي صفعت صفعة القرن، ورزان النجار التي لم يشفع لها غطاؤها الملائكي وهي تحملُ روحها على كفها لإسعاف الثوار، واقتُطِفت ياسمينةً من حقولِ فلسطين.



*وعي المرأة الفكري في الحوار الديني:

تعبر رسومات ناجي العلي عن الوحدة الدينية العقيدية الفلسطينية دون فروقٍ طائفية، يتآخى فيها المسيحي والمسلم..،  اختار الناجي المرأة  توأمة تجمع بين مسيحية ومسلمة في غطاء رأسٍ واحدٍ تعددت أسباب ارتدائه وكان ذاته,تستخدمه احداهنّ عقيديا والأخرى دفئا,في حالةٍ روحانية وتوأمة وطنية.



المرأة صانعةُ الفرح على ترّهات الوعود:*

في اسكتشٍ كاريكاتيري آخر وعلى بساطِ الفن ننقادُ إلى حالاتٍ أيدولوجية تعكس رؤى متعددة, تخلَقُ المرأة فيها صانعة الفرحِ في الأعيادِ، يكلِّلُ رأسها كعكٌ؛ فيتحول الكعكُ قيداً يكبلها ويكبِّل من هتفوا للحرية، فتقابلهم السلاسل, وتندرجُ العبراتِ حزناً على الفقد, فقد الولد, ومأساةُ البلد.



*قمعٌ مزدوج نسوي"شرقيٌّ وغربي"

 في ظل هذا  الحضور؛ كانت المرأة االفلسطينية تواجه قمعين يكبلانِ حريتها ويضيقان الخناق عليها، فكانت وما زالت ممارسات  الاحتلال الإسرائيلي تسعى لإسكاتها وقمعها ليقف جدارا شائكا يحاول تثبي,فمن اعتقال المرابطة "خديجة خويص", وانتهاك حرية الصحفيات، وإنهاء حياة المسعفات, ظل يشكل سلسلة تحطمه المرأة بتضحياتها  .



هذه هي المرأة الفلسطينية التي كان يجسدها الناجي بخطوطٍ منحنية؛ فتتحول الخطوطُ إلى قضية, كانت وستظل للأبد, امرأة واعية, صاحبةُ جَلَد, ووعي فكري عميق, تترصدُ الفكر؛ فتصنع واقعا فلسطينيا  صامدا وجبّارا, فالثورة والمرأة توأمة وأيقونة كبرى في أعمال ناجي العلي الكاريكاتيرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا