باريس: ميشال أبو نجم
بعد ثمانية أيام، سيكون الملف التركي وما تقوم به أنقرة في مياه المتوسط الشرقي مطروحاً على قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الـ27 الذين سيتعين عليهم، أخيراً، اتخاذ موقف واضح وصريح إزاء هذا الملف المتفجر. وقبلها، سيعقد وزراء خارجية الاتحاد اجتماعاً تمهيدياً يوم الاثنين القادم تحضيرا للقمة وللقرارات التي سيتبناها زعماء القارة القديمة ومن بينها احتمال فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على تركيا في حال برزت قناعة بأن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يستجب للمطالب الأوروبية التي دعته إلى التراجع عن المبادرات «الاستفزازية» التي يقوم بها لجهة التنقيب عن الغاز في المياه اليونانية والقبرصية.
تقول مصادر أوروبية في باريس إنه «لم يعد بوسع الأوروبيين التهرب من مسؤولياتهم وتأجيل اتخاذ القرارات الموجعة بحق تركيا أي العقوبات إما سعياً وراء كسب مزيد من الوقت وإما خوفاً من ردود الأفعال التركية أو حرصاً على عدم الابتعاد عن المواقف الأميركية من هذه المسألة». يضاف إلى ذلك أن العمل بمبدأ «الإجماع» في السياسة الخارجية ومن بينها فرض العقوبات استخدم حتى اليوم للبقاء في موقع المراوحة رغم التصعيد السياسي والدبلوماسي والعسكري الذي تسببت به الممارسات التركية، ليس فقط عمليات التنقيب ولكن أيضا المناورات العسكرية البحرية والجوية والتصريحات النارية للرئيس إردوغان. ولا شك أن باريس، بحسب هذه المصادر، سوف تسعى يومي الاثنين والجمعة، على مستويي وزراء الخارجية ورؤساء الدول والحكومات، إلى تشكيل «كتلة» ضاغطة لحمل الاتحاد للانتقال من مرحلة التهديد باتخاذ العقوبات إلى مرحلة إقرارها.
وقد عملت فرنسا على التحضير لها من خلال القمة الأورو ــ متوسطية التي عقدت في جزيرة كورسيكا والتي جاء في خلاصاتها أنه «إذا لم تحرز تركيا تقدما على طريق الحوار مع اليونان وقبرص» ولم تضع حدا لأنشطتها الأحادية، فإن الاتحاد الأوروبي جاهز لوضع اللوائح العقابية الإضافية خلال قمة 24 و25 الجاري. وأعرب الأوروبيون في البلدان السبعة، بدفع من فرنسا، عن «أسفهم» لكون تركيا لم تستجب للدعوات الأوروبية المتكررة للتوقف عن عملياتها «غير المشروعة» في المتوسط الشرقي وبحر إيجة رافعين سيف التهديد باللجوء إلى الوسائل المناسبة «للرد على هذه الأعمال العدائية».
وأمس، وفي هذا السياق، أعلن «وزير» الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل في البرلمان الأوروبي أنه «حان الوقت لقادتنا أن يتخذوا قرارات صعبة» بحق تركيا التي وصفها بأنها «على مفترق طرق». واستبق بوريل أي تأخير محتمل بحجة «غياب الاتفاق» حول العقوبات بسبب العمل بقاعدة الإجماع غير المتوافرة. ولا يخفي بوريل رغبته بالتوصل إلى «تحويل الاتفاق السياسي» الذي عنوانه التضامن مع عضوين في الحلف هما اليونان وقبرص والدفاع عن سيادتهما، «إلى قرار رسمي» بفرض عقوبات كلفه وزراء خارجية الاتحاد بإعداد قوائم بها ووافق عليها هؤلاء في اجتماعهم في برلين الشهر الماضي.
ويوم الثلاثاء الماضي، دعمت المجموعات السياسية الكبرى في البرلمان الأوروبي فرض عقوبات على تركيا وذهبوا إلى حد المطالبة بوقف التعاون الدفاعي مع أنقرة. وبما أن قبرص تربط موافقتها على عقوبات بحق بيلاروسيا بعقوبات مماثلة على تركيا، فإن بوريل أعرب عن رغبته بالتوصل إلى تفاهم أوروبي بمعاقبة مينسك وأنقرة بـ«الوتيرة نفسها».
رغم التشدد الأوروبي، يبدو واضحا أن المسؤولين الأوروبيين لا يريدون قطع شعرة معاوية مع تركيا. من هنا، تأكيد بوريل على الرغبة باستمرار الحوار مع أنقرة واستعجاله في اعتبار قيام سلطاتها بإعادة سفينة البحث الجيولوجي «أورتش رئيس» الأحد الماضي إلى مرفأ تركي في منطقة أنطاليا على أنها «خطوة باتجاه التهدئة» وهي الخلاصة التي توصل إليها أيضا وزير الخارجية اليوناني ميتسوتاكيس. غير أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عجل في تكذيبهما وأكد أنه «عمل روتيني وليس خطوة إلى الوراء». من هنا، فإن الأيام التي تفصل عن موعد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد والقادة الأوروبيين ستكون حاسمة بحسب بوريل وسوف تحدد الوجهة التي سيسلكها الاتحاد في علاقاته مع تركيا.
ترجح المصادر الأوروبية المشار إليها أن تعتبر العواصم المترددة في اللجوء إلى فرض عقوبات على تركيا، في سحب سفينة البحث الجيولوجي «تجاوبا» من أنقرة مع المطالب الأوروبية وبالتالي فإنها سترى أنه «من غير المفيد» فرض عقوبات لأنها «ستأتي بنتائج عكسية» خصوصا أن تركيا هددت سابقا بأنه في حال فرض عقوبات عليها فإن ردها سيكون «قويا» ما يستبطن اللجوء إلى «وسائل الردع» التركية التي يتخوف منها الأوروبيون وأولها ملف اللاجئين.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التركية أرسلت بداية شهر مارس (آذار) الماضي عشرات الآلاف من اللاجئين على أراضيها إلى الحدود التركية - اليونانية ونقلتهم بحافلات تعود لهيئات حكومية للضغط على اليونان وعلى الاتحاد. يضاف إلى ذلك أن الرئيس إردوغان، وفق أكثر من جهة، يبحث عن انتصارات في الخارج للتغطية على وضعه الداخلي وبالتالي سيكون من المستبعد «رضوخه» للعقوبات الأوروبية لتغيير سلوكه في مياه المتوسط الشرقي وفي ليبيا وسوريا.
بيد أن عاملاً آخر يمكن أن يكون عونا للأوروبيين ويجنبهم الإحراج وعنوانه الدخول الأميركي «المتأخر» على خط الوساطة بين تركيا واليونان. فبعد مرحلة من النأي بالنفس عن التنازع بين عضوين في الحلف الأطلسي وحليفين لواشنطن، لعبت الدبلوماسية الأميركية، إن على مستوى الرئيس ترمب أو على مستوى الوزير مايك بومبيو دورا أساسيا في تهدئة الوضع. وأهم ما جاء فيها دعوة بومبيو تركيا لسحب فتيل التصعيد ووقف الاستفزازات. وأمس، شدد الأخير، في مقابلة صباحية مع إذاعة «فرنس إنتر»، على ضرورة تخلي أثينا وأنقرة عن التصعيد العسكري والتركيز على إيجاد حلول دبلوماسية لنزاعاتهما في شرق المتوسط.
وقال الوزير الأميركي: يتعين إيجاد حل لهذه المعضلة من غير اللجوء إلى القوة العسكرية ولكن عبر الآليات العادية مثل القرارات الدولية، وخصوصا حقوق الأطراف في الطاقة في هذه المنطقة، مضيفا أنه من المهم «خفض الدمغة العسكرية أينما كان وتغليب السبل الدبلوماسية». وهكذا، تكون واشنطن قد دخلت على خط الوساطات بعد الوساطة التي قامت بها المستشارة الألمانية «من غير نتيجة مهمة» والوساطة الأطلسية التي يقوم بها أمين عام الحلف يانس ستولتنبرغ والتي ترجمت بلقاءات «عسكرية فنية» بين وفدين تركي ويوناني في بروكسل مقر الحلف.
إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فسيكون من الصعب انتظار فرض عقوبات أوروبية على تركيا، إلا إذا جاءت الأيام القادمة بتطورات غير مستبعدة تشي بعكس التهدئة التي وفرها سحب سفينة البحث التركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق