العراقي.. إذ يريد وطناً // بقلم: مشرق عباس

. . ليست هناك تعليقات:


وطن يجمع أبناءه لا يشردهم في المنافي وخيم النزوح ومع كل اختلاف لا يشكك بوطنيتهم ولا ينصب المشانق لأفكارهم فهو وطن يرعاهم، يشعرون أنه ملكهم يتقاسمون قراره ويدافعون عن مصيره عادل بينهم لا يفرق على أساس الطائفة.

الثلاثاء 2019/11/26


الوطن العراقي يجمع أبناءه لا يشردهم في المنافي وخيم النزوح ويسلمه للولي الفقيه

بقلم: مشرق عباس

ليس الأمر وكأن انتفاضة تشرين العراقية الغاضبة، قد خلت من ايسلم لمظالم الشخصية والمطلبية، لكن جوهرها العميق يخص تلك الصرخة المؤلمة التي نطق بها الشباب منذ أول أيام احتجاجهم: "نريد وطنا".. ويتحول هذا الشعار إلى جوهر التظاهر، ويختصر مجمل الاضطراب والارتباك الذي أصاب النخب الحاكمة وما زال في التعاطي معه.

إن يفشل عراق ما بعد 2003 بأن يكون وطنا، بالمعنى الواسع للكلمة، فليس لأنه يفتقر إلى مقومات الوطن، وليس لأنه "وطن مخترع" كما زعمت أوساط سياسية مختلفة، كما أنه ليس وطن طوائف كما استقرت الأحزاب التي جيء بها مع الاحتلال الأميركي على تسميته، بل لأنه وطن فعلا في حدوده التاريخية وفي امتداده الحضاري وفي هوية سكانه المتميزة والغارقة حد المرض أحيانا في النرجسية الوطنية.

عندما أخفقت النخب السياسية في فهم صراخ الباحثين عن وطن، فلأن معظمها كان قد قطع تلك العذابات النرجسية في سنوات اغترابه، واستبدل ختم الطائفة ببطاقة هويته التي حملت نسر الجمهورية، فالعراق كان وطنا ظالما على أية حال لأبناء شعبه، دفع بهم إلى المجازر والمنافي، واستباح ثرواتهم في انقلابات وحروب وصراعات دفعوا وحدهم أثمانها، حتى أصبحوا أغرابا فيه، وصار غريبا بينهم.

لم يفهم الساسة المنتشون بالسلطة بعد الإذلال، وبالمال بعد العوز، أن تكون ثمة حكومة وبرلمان وانتخابات وهيئات ومؤسسات وجيش وقوى أمنية في هذه البقعة من الأرض، ولا يكون هناك وطن!

لم تفهم ممثلة الأمم المتحدة، التي استمرت في محاولة الحصول على وفد تفاوضي من المتظاهرين مع الحكومة ذلك. ولم تفهم دول ديمقراطية مهمة عبر العالم، ولم تتمكن الهيئات الدينية والعشائرية من استيعاب المشهد المهول، فسقط الجميع في التأويل، وانشغلوا عن فك رموز الشعار الاحتجاجي، بكيفية إعادة هؤلاء الشباب المغامرين إلى منازلهم، وكان القتل والخطف والترهيب والتهديد وتلفيق التهم، أسلحة تقليدية بيد من يمتلك القرار وتعوزه حكمة التاريخ.

كان السؤال الأساسي عن شكل الوطن الذي يريده هؤلاء؟ هل يريدون وطنا بعثيا أو صداميا مثلا؟ ولأن السؤال خاطئ، جاءت الإجابات على هيئة حملة تشكيك بنيات شباب ولد معظمهم بعد نهاية حقبة البعث برمتها؛ فهم ليسوا مجرد متمردين أغوتهم الدعاية البعثية التي لا أحد يعرف أين هي بالضبط وما تأثيرها! مثلما لا أحد يعرف حقيقة ووزن المتبقين من رموز هذا الحزب فعليا!

وتاليا.. كان الحديث ينطلق عن حملات تمويل خليجي وأميركي لهذا الحراك الشعبي المهيب، متناسين أن المال لو كان يغوي العراقيين لأغواهم المال الإيراني المفتوح في تمويل وسائل الإعلام والمليشيات الإلكترونية والمواقف المهادنة، بل أن مال أصدقاء إيران في العراق الذين استولوا على مؤسسات الدولة واستقطعوا حصصا من صفقاتها، بات مضرب المثل في سخائه على من ينتمي إلى هذا المحور ويدافع عنه، والأهم من كل ذلك أي مال يمكن أن يدفع شبابا في عمر الزهور للتضحية بأنفسهم أمام مذبحة القناصين المدافعين عن أسوار المنطقة الخضراء؟

لا يمكن لمن لا يفهم معنى الوطن أن يطرح الأسئلة الصحيحة، وهذا ما كان في مسرح العراق الدامي؛ فأن يطالب المراهق بوطن، فلأنه يلمح الظلم الاجتماعي الذي يسمح لابن مسؤول في حيه أو مدرسته بالتعالي الفج عليه؛ وأن يريد الشاب وطنا فلأنه بدأ يفهم أن وطنه غني بإمكاناته وأن ما يعيقه هو الإدارة الفاشلة لبلد يمتلك كل إمكانات النجاح؛ وأن يطلب الموظف الحكومي وطنا، فلأنه يشهد عملية الإفساد الممنهجة التي دأبت عليها الأحزاب وهي تقتسم مؤسسات الدولة وتلوي قوانينها وتتاجر بمقدراتها وتعظم شأن المتسلقين والنفعيين والفاسدين على حساب الشرفاء النزيهين؛ وأن يصرخ الشيخ مطالبا بوطن فلأنه بدد سنوات عمره في الحروب مضرجا بدم زملاء وأصدقاء وأبرياء ولا يريد لأحفاده أن يسحقوا تحت سرف الدبابات.

البداية من السؤال نفسه، فالوطن الذي يليق بشعب يفترش الساحات من أسابيع بلا كلل ولا تراجع، هو وطن سيد لا ينصّب زعماءه ولا يقيلهم أجنبي، ولا يحدد قراراته جار أو شقيق أو صديق، ولا يبدد شبابه دفاعا عن مصالح غيره.

الوطن العراقي يجمع أبناءه لا يشردهم في المنافي وخيم النزوح، ومع كل اختلاف لا يشكك بوطنيتهم، ولا ينصب المشانق لأفكارهم فهو وطن يرعاهم، يشعرون أنه ملكهم يتقاسمون قراره ويدافعون عن مصيره، عادل بينهم، لا يفرق على أساس الطائفة والعرق واللون والمعتقد، يربي الأجيال القادمة على حفظ الأمانة الوطنية لا إهدارها، كما يربيهم على أن الديمقراطية منهج حياة وسلوك ورؤية وليس لعبة انتخابات ومناصب.

لم يكونوا حالمين، أو ربما هم كذلك، وما ذنب حالم إذا كان يحلم بوطن؟
تُشر في صفحة الحرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا