الشيعة.. أنجحوا تظاهرة بيروتحزب الله (انتصر) في سوريا لكن ماذا بعد ذلك كيف يمكن أن يُصرف هذا النصر لدى فقراء في النبطية أو في بعلبك لقد عوقب الشيعة بسبب هذا النصر وها هم اليوم يشعرون بأنهم مستهدفون أكثر من غيرهم.
السبت 2019/10/19جبران هو حصان السلطة وحزب الله هو فارسها والمتظاهرون لم يوفروا أحدا
بقلم: حازم الأمين
في الأشهر القليلة الفائتة بلغ الفساد في لبنان معدلا لم يسبق أن بلغه. وترافق ذلك مع انعدام للحياء وعدم رغبة في توريته. فوزير في الحكومة نصح اللبنانيين بدفع الضرائب على رغم معرفتهم بأنها ستُسرق. قالها بهذا الوضوح ومن دون أي مواربة.
ثمن علبة التبغ "آي كوس" في شارع الحمرا 6 آلاف ليرة، وثمنها هي نفسها في منطقة البسطة ثلاثة آلاف ليرة، وسبب الفارق أن تاجر البسطة لا يدفع الضرائب، وهو محمي طبعا طالما أنه يبيعها في قلب العاصمة من دون أن تتمكن الدولة من محاسبته. ولمن لا يعرف، فإن البسطة لا تبعد عن الحمرا أكثر من كيلومتر واحد!
خلف هذا الفساد المعلن نصاب سياسي معروف، وتحميه قوى السلطة، وهو وصل إلى رقاب الجميع من دون تمييز. وفي هذا الوقت تصرفت السلطة على نحو بالغ الغباء مع استحقاقات جدية مثل العقوبات الدولية التي شرعت تطرق أبواب المصارف والمؤسسات التجارية. فحمل جبران باسيل ملفات الموازنة وتوجه بها إلى الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، بما يشبه رسالة واضحة إلى العالم بأن لبنان غير معني بما يُطلب منه لجهة ضبط أدائه المالي لكي ينسجم مع الشروط الدولية المستجدة في نظامه المصرفي.
والحال أن الوزير باسيل، وهو الشخصية الأبرز في الحكومة، لا يعرف أن بيئة رجال الأعمال الشيعية تحديدا تحاول الابتعاد عن الحزب، وأن الأخير لا يحاول ضغطها، فذهب هو إلى أبعد مما يريد الحزب منه، وضاعف من غربة الحكومة وعزلة الحكم.
في تظاهرات اليوم والأمس في بيروت يبدو جبران باسيل الشخصية السياسية الأولى المستهدفة بشعارات المتظاهرين. وجبران يتجاوز في وعي المتظاهرين ما يمثله. إنه النقطة التي تتقاطع عندها خطوط السلطة الفعلية. بالأمس أمضى ساعات طويلة مع الأمين العام لـ"حزب الله"، وفي يوم التظاهر أمضى نهاره برفقة عمه رئيس الجمهورية، وهو ليس بعيدا من رئيس الحكومة سعد الحريري.
جبران هو حصان السلطة، و"حزب الله" هو فارسها، والمتظاهرون لم يوفروا أحدا، فحملوا هتافاتهم إلى جوار منزل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وهتفوا ضده، تكرر ذلك في مدينة صور، المدينة التي تعتبر عاصمة حركة أمل.
أما مدينة النبطية، وهي أحد معاقل "حزب الله"، فجرى فيها تحطيم مكاتب نواب الحزب، مع ما يحمله ذلك من دلالات وما يمثله من سابقة لم نشهد مثيلا لها في لبنان.
سعد الحريري كان آخر المستهدفين بشعارات المتظاهرين، وهذا ليس بسبب تقدير لموقعه، بل بسبب هامشية دوره، وبسبب شعور المتظاهرين بأن هذا الرجل هو الأضعف في حلقة السلطة وبالتالي في حلقة الفساد. وما زاد من شعور المتظاهرين هذا، كانت كلمته التي تخلو من تقدير لما يجري، والتي ألقاها بعد يوم الغضب اللبناني. فالرجل كان أضعف من أن يستقيل ومن أن يقلب الطاولة على رؤوس من حاول تحميله تبعات ما جرى.
لقد "انتصر" حزب الله في سوريا! لكن ماذا بعد ذلك؟ كيف يمكن أن يُصرف هذا النصر لدى فقراء في النبطية أو في بعلبك. لقد عوقب الشيعة بسبب هذا "النصر"، وها هم اليوم يشعرون بأنهم مستهدفون أكثر من غيرهم وأن المصارف ترتجف حين يتوجهون إليها بودائعهم وأن السفارات تتريث قبل أن تمنحهم التأشيرات، وأن دول المهاجر لم تعد تتسع لهم.
هذا الضيق وجد فرصة لكي يعبر عن نفسه بتظاهرة لا تكشف اضطراب علاقتهم مع حزبهم، إذ أنها توفر غطاء اسمه "السلطة" يواربون عبرها غضبهم، ويستعيضون عن شتم الحزب بشتم حليفه جبران باسيل، ويحطمون مكاتب نواب الحزب في مشهد يُكثف ما يعتمل في صدورهم من غضب وحيرة.
"لولا مشاركة الشيعة لما استقامت التظاهرات" هذه العبارة قرأناها في الـ"سوشيل ميديا" اللبنانية اليوم بأكثر من صيغة. والمشاركة الشيعية لم تكن هذه المرة بسبب تواطؤ أحزاب الشيعة على الحكومة. المشاركة كانت ضد أحزاب الشيعة بالدرجة الأولى. ضد جبران باسيل بصفته حليفهم، وضد الحكومة بصفتها حكومتهم.
الأمر يشبه إلى حد كبير ما جرى في العراق قبل أيام قليلة، عندما تظاهر الشيعة ضد الحكومة الشيعية، فالسلطة استنفدت انتصاراتها ولم تفِ بعهودها، واقتصر توزيع الغنائم على نخبها. جرى ذلك أمام أعين من انتخبها ومن توجه معها للقتال في سوريا، فوجد نفسه معلقا على باب سفارة لا ترضى بمنحه تأشيرة، وأمام باب مصرف لا يقبل وديعته.
ما يجري ليس ثورة، والأيام الثلاثة التي طلبها الحريري لكي يحدد موقفه لن تشهد معجزة. ما يجري إنذار للسلطة المتشكلة في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة. "الحل العراقي" لا يستقيم في لبنان. الاستقالة المؤجلة هي الأفق الوحيد، وما سيعقبها سيكون الدرس الحقيقي الذي سيكشف العجز عن التعامل مع استحقاق ا
نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق