تشهد عدة دول عربية بين الحين والآخر تجدد الاحتجاجات نتيجة عدم أي تغير يذكر ، وازدياد تردي الأوضاع الاقتصادية فيها، وعدم استجابة حكوماتها لأي مطالب؛ بل إن الطبقات المتوسطة والفقيرة في كل من لبنان والعراق والأردن ومصر متأثرة بشكل سلبي للغاية من عدم إيجاد الحكومات أي حلول ناجعة تنهض بالاقتصاد نحو هامش معيشي مريح وليس نهضوياً.
ويبدو أنّ هذه التظاهرات التي تشتعل بين الحين والآخر في المنطقة العربية تأثرت إلى درجة ما برياح التغيير التي انطلقت من السودان والجزائر في الأشهر الماضية، والتي استطاعت وفي وقت ملحوظ أن تذهب برأس النظام الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وكذلك الحال في السودان، والحديث هنا عن عمر البشير.
غضب يشتعل في لبنان
لبنان، البلد الذي يعاني اقتصادياً بشكل كبير بسبب ارتفاع الدين العام الذي وصل في الربع الأول من عام 2019 إلى 86.2 مليار دولار بحسب بيانات حكومية، شهد احتجاجات ضخمة دعا لها نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي رداً على قانون الضرائب الذي اقترحت الحكومة اللبنانية سنه مع بداية العام 2020، بالإضافة لضريبة على مستخدمي تطبيق "واتساب" (المجاني) تصل إلى 6 دولارات شهرياً.
تلك القرارات دفعت اللبنانيين إلى تلبية الدعوات المنتشرة والنزول، يوم الخميس (17 أكتوبر الجاري)، إلى الشوارع من شمال البلاد إلى جنوبها، وصولاً إلى مدن البقاع شرقاً، مطالبين بإسقاط النظام الحاكم، والطبقة السياسية المتحكمة في البلاد.
وفرقت قوى الأمن المتظاهرين اللبنانيين مستخدمة الغاز المسيل للدموع في عدة مناطق، أبرزها قرب مبنى السراي الحكومي وسط بيروت، وأعادت فتح طق رئيسية منها قصر بعبدا الرئاسي بالقوة، ما أدى إلى إصابة العشرات بحالات إغماء، نهاية يوم الجمعة (18 أكتوبر الجاري).
كما أُفيد بمقتل شخصين وسقوط 7 جرحى على الأقل في مدينة طرابلس شمالي لبنان، عقب إطلاق رصاص بالهواء قرب المحتجين، في الوقت الذي أعلن فيه الصليب الأحمر اللبناني أنه عالج 64 جريحاً يوم الجمعة، ونقل ما يقارب 530 حالة لم يتمكنوا من الوصول إلى المستشفيات بسيارات مدنية، بحسب تصريحات صحفية.
بدوره أمهل رئيس الوزراء اللبناني سعد الدين الحريري، مساء يوم الجمعة، حكومته 72 ساعة لتقديم إصلاحات ترضي الشعب والشركاء الدوليين.
وكشف الحريري في خطابه المتلفز عن "عراقيل في كل مجال، تحصل عند المرور لتطبيق الإصلاحات التي تم اقتراحها"، لافتاً النظر إلى أن حكومته واجهت "اعتراضات وعرقلة وتصفية حسابات داخلية وخارجية"، حين وصلت إلى "خطوة خفض العجز المالي".
في سياق ذي صلة، حمّل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل مسؤولية فشل المبادرات الإصلاحية بالبلاد، في حين قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: إن "الأزمة الحالية في لبنان لا تنتهي إلا باستقالة الحكومة".
وفي ظل تلك الأوضاع الحالية، أعلنت وزارة التربية والتعليم اللبنانية، إقفال المدارس والثانويات الرسمية والخاصة بالإضافة للجامعات يوم الجمعة، ثم مددته إلى يوم السبت (19 أكتوبر الحالي).
وإضافة إلى المؤسسات التعليمية، أعلنت جمعية المصارف اللبنانية، في بيان، إقفال المصارف الخاصة، السبت، لليوم الثاني، بعد أن أعلنت الخميس إقفالها الجمعة، على خلفية الاحتجاجات وإقفال الطرقات.
من جهتها أعلنت مديرية الأمن الداخلي في لبنان، في تغريدة على موقع تويتر يوم الجمعة (18 أكتوبر)، ارتفاع عدد الجرحى من عناصرها إلى 52 بعموم البلاد، لافتةً إلى توقيفها 70 شخصاً خلال قيامهم بأعمال شغب.
ويرى مراقبون أن الأزمة اللبنانية شبه مستمرة منذ مدة لعدم وجود أي تغير في الواقع وازدياد الغضب الشعبي، من جراء تحكم 1% من الشعب بكامل الثروات وهي الطبقة السياسية الحاكمة التي تشمل جميع الأطراف والطوائف، بالإضافة للسجالات السياسية التي تفاقم الأوضاع في البلاد.
هدوء حذر في العراق
في العراق يسود هدوء حذر بعد احتجاجات ضخمة انطلقت في أول أكتوبر كادت أن تطيح بحكومة عادل عبد المهدي، من جراء مقتل أكثر من 120 عراقياً بينهم عدد من أفراد الأمن وإصابة نحو 6 آلاف متظاهر بجروح على أيدي القوى الأمنية في البلاد.
واستمرت الاحتجاجات نحو 6 أيام بشكل كبير جداً، ثم ما لبثت أن هدأت مجدداً وسط ترقب من إمكانية إشعالها مجدداً في ظل وعود سابقة لم ينفذ منها أي شيء.
فيما أقرت الحكومة باستخدام قواتها العنف المفرط ضد المحتجين، وتعهدت بمحاسبة المسؤولين عن العنف.
وقرر المحتجون في غالبية المحافظات العراقية إيقاف الاحتجاجات بشكل مؤقت حتى انتهاء زيارة "أربعينية الحسين" في كربلاء، التي توافق 20 أكتوبر الجاري.
ويبدو أن إيران كان لها دور في قمع المحتجين الباحثين عن وضع اقتصادي أفضل؛ حيث قال مسؤولان أمنيان عراقيان لوكالة رويترز، الخميس (17 أكتوبر): إن "قناصة تابعين لمليشيات مدعومة من إيران اعتلوا الأسطح وأطلقوا النار على المتظاهرين خلال الاحتجاجات".
من جانبه قال وزير الخارجية العراقي السابق، هوشيار زيباري، في منشور على منصة التواصل الاجتماعي "تويتر"، يوم الجمعة (18 أكتوبر الجاري)، إن الاحتجاجات اليوم في لبنان لها العديد من الميزات المشتركة مع الاحتجاجات الأخيرة في العراق".
وأوضح أن مظاهرات البلدين تشترك بـ "الغضب المشترك من المؤسسة السياسية، والفساد المتفشي، ونقص الخدمات العامة، ودور إيران، والقيادة غير الحاسمة".
أطول إضراب في تاريخ الأردن
لم يكن الأردن بعيداً عن حالة الحراك المدني، إذ شهد أطول إضراب للمعلمين في البلاد استمر شهراً كاملاً، مطالبين بالحصول على زيادة على رواتبهم تصل إلى 50%، مدعومين من نقابة المعلمين في المملكة، لكن الحكومة قررت منحهم علاوة تصل إلى 34 دولاراً للمعلم المساعد، ونحو 44 دولاراً للمعلم الخبير، وهي زيادة لا تتجاوز الـ 10%.
في 30 سبتمبر 2019، أصدرت المحكمة الإدارية في عمّان قراراً بوقف إضراب المعلمين، الذي استمر أربعة أسابيع، بشكل فوري لحين اتخاذ قرار قطعي في دعوى رفعت تطالب بوقفه، ولكن النقابة أصرت على موقفها إلى أن حصل تفاوض جديد، في 5 أكتوبر الجاري، مع الحكومة أدى إلى تلبية قريبة بشكل ما من مطالب المحتجين، واعتذار من الحكومة.
وقد أبرمت الصفقة بين الجانبين بعد محادثات استمرت ساعات، ونتج عنها زيادة الرواتب بنسبة 35%، وزيادة التأمين الصحي للمعلمين بنسبة 5%، أعقبه اعتذار من قبل رئيس الوزراء عمر رزاز، والذي قبله المتحدث باسم النقابة نور الدين نديم.
وقال رزاز: "نشدد مرة أخرى على أن كرامة المعلم تعكس كرامتنا، ولن نقبل أي محاولة لتقليل احترام المعلمين، تعتذر الحكومة عن أي شيء يسيء إلى سلامة المعلمين، ونلتزم بمواصلة التحقيق في الحوادث. ننتظر نتائج التحقيق من قبل المركز الوطني لحقوق الإنسان حتى نتمكن من اتخاذ الإجراءات المناسبة".
وانقسم الشارع الأردني بخصوص الإضراب، فقسم وقف مع المعلم في حقه بتحصيل مرتب يكفيه مؤنة العيش، فيما وقف قسم آخر إلى جانب الطالب الذي قد ينتهي مستقبله في حال استمرت الأزمة على حالها.
مصر على صفيح ساخن
الوضع الاقتصادي في مصر ليس أفضل حالاً، بل ربما هو من الأسوأ بين الدول العربية، حيث خرجت مظاهرات عارمة، يوم الجمعة 20 سبتمبر الماضي، وقد اجتاحت الميادين المصرية مطالبة بإسقاط النظام بعد كشف المقاول والفنان المصري محمد علي، بمقاطع مصورة، عن حجم الفساد داخل مؤسسة الجيش، واتصالها بشكل مباشر برأس النظام عبد الفتاح السيسي وعائلته، لكن تلك المظاهرات المفاجئة والضخمة عادت للهدوء والترقب مرة أخرى.
وشهدت شوارع العاصمة المصرية والمحافظات الأخرى، في الأيام والأسابيع الماضية، حالة استنفار للأجهزة الأمنية وتوقف كامل للمظاهرات، في ظل حالة استقطاب عالية بين قطاع كبير يرفض استمرار السيسي على كرسي الرئاسة، وآخر يستميت دفاعاً عن بقاء الرجل، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً (عندما كان وزيراً للدفاع)، على الرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد، صيف 2013.
وكشف محمد علي، الذي كان له دور بارز في تحريك الشارع المصري، بأول لقاء صحفي معه مع موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في (16 أكتوبر الحالي) أنه يعيش تحت تهديد دائم بالاغتيال، ومحاولات مستمرة لإسكاته بالأموال، إلى جانب محاولات من السفارة المصرية في العاصمة الإسبانية مدريد لاستدراجه منذ نشر مقطع الفيديو الأول حول فساد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتحدث عن تعاطف ضباط في الجيش المصري معه بعد كشفه فساد السيسي، ولكنهم لا يتمتعون بسلطة اتخاذ القرار، أو يستطيعون تغيير الوضع القائم، رغم استياء عدد منهم من إدارة الرئيس للبلاد.
ولفت إلى أن جهات مصرية حاولت استدراجه، من خلال إغرائه بالأموال لإعادته إلى بلاده، مشيراً إلى أنه موجود برفقة عائلته في مكان سري بإسبانيا، ويعمل بشكل مستقل دون وجود أي منظمة أو تنظيم يدعمه.
وفي بداية أكتوبر قالت منظمات حقوقية مصرية ومحامون إن قوات الأمن أطلقت سراح العشرات ممن ألقي القبض عليهم على خلفية المشاركة في مظاهرات 20 و27 سبتمبر الماضي، دون أن توجه لهم أي اتهامات أو تحرر ضدهم أي محاضر شرطية، في عدة محافظات.
جاء ذلك بالتزامن مع تأكيد مجلس الوزراء المصري إعادة 1.8 مليون من بطاقات الدعم التموينية لصرف السلع الغذائية المدعمة حكومياً، مع السماح بصرف الخبز المدعوم لأي مواطن تم استبعاده لحين فحص التظلمات.
ويرى مراقبون أن الأوضاع في مصر معرضة للانفجار مجدداً بأي لحظة بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتحكم الجيش في معظم ثروات البلاد واقتسامها فيما بينهم، فيما يهدد الجوع والفقر المدقع ملايين المصريين دون بوادر أي انفراجة قريبة لأحوالهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق