على الرغم من أن مسألة "تمكين المرأة" هي مسألة جدلية عموماً في الشرق الأوسط.. فإن ما يثير الجدل حقاً هو جدوى التمكين والدعم لامرأة قيادية في حزب يدعم بوضوح الإخوان المسلمين
كيوبوست
في أبريل من عام 2011، نشر ديكستر فلكينس مقالاً مطولاً في صحيفة “النيويوركر” حول ثورة الشباب في اليمن، وقد حمل مقاله عنوان: “بعد الانتفاضة.. هل يستطيع المتظاهرون إيجاد طريق بين الديكتاتورية والفوضى؟”. تحدَّث المقال عن تجارب الكاتب وانطباعاته حول ما كان يجري في الميادين والشوارع اليمنية، والتي كان من بينها زيارته إلى منزل توكل كرمان في وسط صنعاء، وهي الناشطة القيادية في حزب الإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن.
وحسب ديكستر، احتوت غرفة جلوس منزل توكل كرمان على أربع صور لشخصيات شهيرة؛ بينها صورة هيلاري كلينتون. وتلقَّت منظمتها “صحفيات بلا قيود” تمويلاً من الحكومة الأمريكية. يُذكر أن كرمان قد التقت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في واشنطن؛ وذلك بطلب من السفارة الأمريكية، حسب كرمان.
اقرأ أيضًا: من نوبل إلى “فيسبوك“.. كيف وصلت توكل كرمان إلى المنصات العالمية؟
لم يلفت مقال ديكستر الكثيرَ من الانتباه في ذلك الوقت؛ لكن وزارة الخارجية الأمريكية، بطبيعة الحال، كانت تتابع عن كثب مُجريات الأمور في ساحات الثورات ووسائل الإعلام؛ حتى إن هيلاري كلينتون قد تلقَّت، في اليوم التالي من نشر المقال، رسالة بالبريد الإلكتروني بعنوان: “شيءٌ ما يجعلك فخورة”، وكانت الرسالة حول مقال ديكستر المنشور في “النيويوركر”. بدت كلينتون سعيدة، وفخورة حقاً بذلك؛ حتى إنها قالت في أحد ردودها: “إن هذا يدفعني للتفكير حول ما يجب أن نفعله أكثر”. كان موقع “ويكيليكس” قد كشف عن المراسلات منذ عام 2016، إلا أنه تم رفع السريَّة عنها بالفعل مؤخراً من قِبل الحكومة الأمريكية؛ مما أثار الكثير من الجدل في العالم العربي حول مدى دعم حكومة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ووزيرة خارجيته، حينها، هيلاري كلينتون، للإخوان المسلمين، ودورهم في فوضى ما عُرِف بـ”الربيع العربي”.
إن تلقِّي الناشطين الدعم والدعاية الأمريكية في ثورات ما عرف بـ”الربيع العربي” يثير الكثير من النقاش، جنباً إلى جنب مع تلقِّي المنظمات الحقوقية الدعم والتدريب من قِبل الحكومة الأمريكية و/أو المنظمات الأمريكية. لقد أولت السياسة الخارجية الأمريكية في تلك الفترة الكثير من الاهتمام بالمرأة العربية لإخراجها عن “صمتها” ودمجها في المجتمع. وقد عبَّرت كلينتون عن ذلك في رسالة أخرى بقولها إن الثورات هي أفضل فرصة لتغيير هذه المجتمعات، في إشارة إلى المجتمعات العربية، وأن “المرأة بالغة الأهمية” في ذلك. كما قالت أيضاً: “إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي تركِّز بشكل كامل على تعليم وتمكين المرأة، بالطرق التي تريد أن يتم تمكينها، هي سياسة خارجية تقدمية تخدم قِيمنا ومصالحنا”.
اقرأ أيضًا: توكل كرمان أداة الإخوان الناعمة التي خدعت المجتمع الدولي
وعلى الرغم من أن مسألة “تمكين المرأة” هي مسألة جدلية عموماً في الشرق الأوسط؛ فإن ما يثير الجدل حقاً هو جدوى التمكين والدعم لامرأة قيادية في حزب يدعم بوضوح الإخوان المسلمين، مثل توكل كرمان، وعلى أي أساس يمكن لهذا الدعم أن “يخدم قِيم ومصالح” الولايات المتحدة!
لطالما كان موضوع الدعم الأمريكي للنشطاء محل سخط كبير بين قيادات دول الشرق الأوسط؛ بل حتى بين النشطاء أنفسهم، ففي أبريل 2011 نشرت صحيفة “النيويورك تايمز” تقريراً بعنوان: “المجموعات الأمريكية ساعدت على احتضان الربيع العربي”. تلقت هيلاري كلينتون، كالعادة، نسخةً من التقرير عبر بريدها الإلكتروني من مساعدتها المُقرَّبة؛ هوما محمود عابدين، والتي تثير علاقاتها بالإخوان المسلمين جدلاً واسعاً بين المسؤولين الأمريكيين. ووفقاً للتقرير، تلقَّى عدد من الجماعات والأفراد المنخرطين بشكل مباشر في الثورات العربية تدريبات وتمويلاً من كيانات أمريكية؛ مثل المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني، ومنظمة فريدوم هاوس.
يتم تمويل تلك الكيانات الأمريكية من خلال الصندوق الوطني الأمريكي للديمقراطية، الذي أنشئ في عام 1983؛ لتوجيه المنح المُعزِّزة للديمقراطية في الدول النامية. ويتلقَّى الصندوق الوطني نحو 100 مليون دولار سنوياً من الكونغرس.
تحصل منظماتٌ مثل “فريدوم هاوس” أيضاً على الجزء الأكبر من أموالها من الحكومة الأمريكية؛ خصوصاً من وزارة الخارجية. وحسب تقرير “النيويورك تايمز” فإن الناشطة اليمنية انتصار القاضي، على سبيل المثال، تلقَّت تدريباً أمريكياً في اليمن، وفي ذلك تقول انتصار: “لقد ساعدني ذلك كثيراً؛ لأنني كنت أعتقد أن التغيير لا يتم إلا بالقوة والسلاح.. لكن الآن، من الواضح أنه يمكن تحقيق النتائج من خلال الاحتجاجات السلمية، وغيرها من الوسائل غير العنيفة”. لكن التقرير يبرز أيضاً تبرُّم هؤلاء الناشطين أنفسهم، والذين يتَّهمِون الولايات المتحدة بـ”النفاق”؛ لأنها تدعمهم، وفي الوقت نفسه تدعم الحكومات التي يسعون لتغييرها.
اقرأ أيضًا: هل تخلص توكل كرمان لبلدها اليمن أم لقطر وتركيا؟!
في نهايةِ المطاف، وبعد سنواتٍ من الفوضى المستمرة في اليمن، أثبتت الأحداثُ أن الكثير من الناشطين كانوا مُنخدِعين، بوعي أو دون وعي، بسياسةٍ أمريكية خارجية فوضوية، ومع ذلك، فلم يدفع ذلك بعضَ الناشطين الانتهازيين؛ كتوكل كرمان، إلا إلى المزيد من الممارسات الأنانية؛ للاستفادة من الظروف، واهتمام معدوم بالمبادئ، والعواقب التي ستعود على الآخرين؛ ويتجسَّد ذلك في تركها “ساحات التغيير” في اليمن في وقت مبكر، مغادرةً إلى تركيا، حيث استقرت ونالت الجنسية التركية، وآثرت الظهور الإعلامي بلسانٍ سليط عديم الحُجة، في مكان آمن، على النضال الميداني الذي ادَّعته لسنوات، بينما يستمر نزيفُ اليمنيين ومعاناتهم. فهل يخدم ذلك بالفعل “قِيم ومصالح” الولايات المتحدة؟ قطعاً لا، إذ لم نرَ ذلك يخدم سوى الانتهازيين والمتطرفين والإرهابيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق