قطاع الطاقة الأمريكي في أصعب أزماته .. مخاوف من ضائقة عالمية وشيكة جراء تسارع كورونا
أسامة سليمان من فيينا -
استمرت التقلبات في أسعار النفط الخام، مع الميل إلى تسجيل انخفاضات سعرية جديدة تحت ضغوط الإصابات المتسارعة بفيروس كورونا في أغلب دول العالم وتداعياتها الواسعة على الطلب العالمي على الوقود، مع استمرار تعثر قطاع النقل الجوي نتيجة مخاوف الوباء المنتشرة في كل الدول، كما زادت الضغوط على الأسعار مع ارتفاع الدولار الأمريكي إلى مستويات قياسية.
وتتلقى الأسعار دعما نسبيا من انخفاض المخزونات النفطية الأمريكية ومن إصرار "أوبك +" على تقليص خسائر الجائحة، بتقييد المعروض النفطي وحث الدول الأقل التزاما على تصحيح مسارها وتضييق الفجوة بين العرض والطلب في الأسواق العالمية خاصة في ضوء الزيادة المتوقعة في الإمدادات النفطية من ليبيا.
ويقول لـ«الاقتصادية»، مختصون ومحللون نفطيون إن العقود الآجلة للنفط الخام تراجعت في ظل المخاوف المسيطرة على السوق، حيث عد التجار أن النفط محفوف بالمخاطر وسط ضائقة اقتصادية عالمية وشيكة وذلك على الرغم من البيانات التي تؤكد أن مخزونات النفط الخام التجارية الأمريكية انخفضت 1.64 مليون برميل إلى 494.41 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 18 أيلول (سبتمبر) – وذلك بحسب إدارة الطاقة الأمريكية –.
ولفت المختصون إلى استمرار ضعف طلب المصافي على النفط الخام نتيجة تراجع استهلاك الوقود، مع تأهب عديد من الاقتصادات الدولية للعودة إلى مرحلة الإغلاق مع اقتراب حلول الشتاء وما يحمله من مخاطر جديدة في سرعة انتشار العدوى وتقلص استهلاك الوقود.
وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن مخاطر السوق وغياب الثقة تهيمنان على الاقتصاد الدولي، حيث تسيطر المعنويات السلبية على توقعات الطلب وسط عودة ظهور حالات كورونا بقوة خاصة في أوروبا، ما يضيف مزيدا من القيود على حركة السفر.
وأضاف أن وضع قطاع الطاقة في الولايات المتحدة ما زال متأزما ويواجه واحدة من أصعب أزماته وقد تفاقم مستوى هذه المخاطر والمخاوف بعدما حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول من أن التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة قد يتوقف تماما إذا لم يتم التركيز على إضافة تحفيز مالي جديد.
من جانبه، يرى فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة أن الوضع الضبابي للاقتصاد العالمي انعكس مباشرة على استمرار التوتر والتقلبات السعرية في سوق النفط الخام وحال دول تعافي الأسعار، حيث سعى المستثمرون القلقون إلى الملاذات الآمنة خاصة الدولار الأمريكي الذي ارتفع إلى مستويات قياسية وكان لذلك مردود سلبي على أسعار النفط الخام بسبب العلاقة العكسية.
ولفت إلى دور تحالف "أوبك +" المتنامي في التعامل مع سوق مضطرب ومليء بضغوط العوامل العكسية، مشيرا إلى أن الاجتماع الأخير أظهر جدية من السعودية وكبار المنتجين في تطبيق خفض الإنتاج ووقف أي تهاون أو تلاعب في بيانات الإنتاج أو التصدير وذلك بهدف الوصول إلى أعلى مستوى ممكن من الكفاءة في الأداء وسرعة التعامل بمرونة مع الخلل المتزايد في علاقة العرض والطلب في السوق النفطية.
ويشير أولتراس فيفراس مدير الاستثمار بأحد بنوك مولدوفا، إلى أن تقلص الاستثمارات حاليا بسبب الجائحة يهدد بتأثيرات واسعة في العرض على المدى الطويل وقد تنقلب أوضاع السوق إلى تفوق الطلب على العرض مجددا وهو ما قد يؤدى إلى قفزات كبيرة في أسعار النفط إلى حد مضاعفة المستويات الحالية.
وأضاف أن الإنتاج الأمريكي رغم الانكماشات الحالية إلا أن المخزونات ما زالت وفيرة وهناك بالفعل عدد من آبار النفط المتميزة منخفضة المخاطر في أكثر أحواض أمريكا غزارة في الإنتاج ولذا - ورغم توقف كثير من المشاريع - إلا أن كفاءة وغزارة بعض المشاريع الأخرى في المناطق الأقل في التكلفة قد يؤدى إلى استمرار النمو في الإمدادات الأمريكية بما يفوق العام الماضي.
بدورها، تقول ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية إن المستثمرين يبحثون في كيفية التعامل مع سوق مشحون بمخاطر جمة مما يصعب معه اتخاذ القرار الاستثماري بسبب عدم القدرة على التنبؤ بتطورات السوق، إضافة إلى تأثير المستجدات السريعة والمتلاحقة واتساع نطاق الخسائر الاقتصادية المترتبة على الجائحة.
وأشارت إلى أن كثيرين يعدون أن الفترة الراهنة ملائمة لتسريع الخطي نحو تنويع موارد الطاقة ودعم خطط التحول الاقتصادي، حيث إن كثير من المنتجين حاليا يأخذون في الحسبان جهود التحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات الضارة المرتبطة بتغير المناخ.
ومن ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار النفط أمس، بعد أن تعرضت لضغوط بفعل مخاوف من أن التعافي الاقتصادي الأمريكي يتباطأ مع استمرار تفشي فيروس كورونا، بينما أدت موجة جديدة من حالات الإصابة بكوفيد - 19 إلى إعادة فرض قيود على السفر في عدة دول.
وأدى القلق حيال الطلب وآفاق الاقتصاد بسبب الزيادة الجديدة في الإصابات بفيروس كورونا إلى ارتفاع الدولار، إذ تحول المستثمرون إلى أصول أكثر أمانا مما يضاف إلى الضغوط على أسعار النفط. ويؤدي ارتفاع الدولار إلى تقلص جاذبية النفط، المسعر بالعملة الأمريكية، للمشترين العالميين.
وبحلول الساعة 06:50 بتوقيت جرينتش، تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 37 سنتا أو ما يعادل 0.9 في المائة إلى 39.56 دولار للبرميل، بينما انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 34 سنتا أو ما يعادل 0.8 في المائة إلى 41.43 دولار للبرميل.
وارتفع الخامان القياسيان قليلا يوم الأربعاء بعد أن أظهرت بيانات حكومية انخفاض مخزونات الخام والوقود في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي. وهبطت مخزونات البنزين بأكثر من المتوقع، لتتراجع أربعة ملايين برميل، وسجلت نواتج التقطير هبوطا مفاجئا 3.4 مليون برميل.
لكن الطلب على الوقود في الولايات المتحدة ظل ضعيفا، إذ تقيد الجائحة السفر، وتظهر البيانات الحكومية أن متوسط الطلب على البنزين في أربعة أسابيع بلغ 8.5 مليون برميل يوميا الأسبوع الماضي بما يقل 9 في المائة عن مستواه قبل عام.
وانخفضت الأسعار بعد أن أظهرت بيانات أن أنشطة الأعمال تباطأت في الولايات المتحدة في أيلول (سبتمبر)، وألمح مسؤولون في الفيدرالي الأمريكي إلى مخاوف بشأن تعثر التعافي وفرضت بريطانيا وألمانيا قيودا لكبح حالات العدوى الجديدة بفيروس كورونا، وكلها عوامل تؤثر في آفاق الطلب على الوقود.
وإلى جانب الإمدادات، ما زالت السوق قلقة بشأن استئناف الصادرات من ليبيا، على الرغم من أنه من غير الواضح مدى السرعة التي يمكن بها زيادة الأحجام. وقال فيفيك دهار محلل السلع الأولية لدى بنك الكومنولث "من الواضح أن ذلك سيكون أمرا لا تريده سوق النفط في الوقت الراهن".
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 41.40 دولار للبرميل يوم الأربعاء مقابل 41.32 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب انخفاض سابق وإن السلة كسبت بضعة سنتات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 41.29 دولار للبرميل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق