رنا فوروهار من نيويورك
بصرف النظر عن السياحة والعقارات التجارية، من الصعب تخيل صناعة دمرها كوفيد - 19 مثل تجارة التجزئة. في الولايات المتحدة، أصبحت مراكز التسوق خالية. تقدمت سلاسل العلامات التجارية الكبيرة من" جيه كرو" إلى "بروكس برذرز" و"لورد آند تايلور" بطلبات لإشهار إفلاسها. في عصر العمل من المنزل لا يزال الأشخاص يشترون الأشياء - أجهزة الكمبيوتر ومعدات المكاتب المنزلية - ولكن الملابس لم تعد في قمة اهتماماتهم هذه الأيام.
تظهر أرقام وزارة التجارة الأمريكية انخفاضا بنسبة 20 في المائة في مبيعات الملابس في الشهر الماضي مقارنة بآب (أغسطس) 2019. عندما تكون آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة "فوج"، في المنزل مرتدية بنطالها الرياضي، فمن يفكر في التأنق؟
بالطبع، إذا كنت تبيع الملابس المريحة، فهذه قصة مختلفة. التقيت أخيرا بايارد وينثروب، الرئيس التنفيذي لشركة التجزئة الخاصة "أمريكان جيانت" للملابس الرياضية متوسطة الحجم. تنتج الشركة سترات ذات قلنسوة وقمصان قطنية راقية وأنواعا أخرى من الملابس غير الرسمية المحببة لمحبي موسيقى الجاز.
يقول وينثروب إن شركته في طريقها بالفعل لتجاوز هدفها لنمو المبيعات في فترة ما قبل كوفيد - 19، البالغ 35 في المائة هذا العام، بفضل الارتفاع الكبير في المبيعات بعد عمليات الإغلاق. بعد أن وصلت المبيعات إلى الحد الأدنى في آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، ارتفعت الإيرادات 60 في المائة في أيار (مايو) و80 في المائة في حزيران (يونيو)، وفقا لما لوينثروب.
جزء من هذا يعود إلى الحظ، أن تكون في الفئة الصحيحة. يقول: "لو كنا نبيع بدلات أو ملابس رسمية، أشك في أن الأمور ستبدو جيدة". لكن فيما عدا ذلك، تحمل قصته بعض الدروس الشيقة لبقاء العلامة التجارية في عصر الجائحة.
الدرس الأول: مواكبة التطور الرقمي. كان البيع المباشر للمستهلكين عبر الإنترنت جزءا من أنموذج عمل "أمريكان جيانت" منذ البداية. هذه كانت طريقة مهمة لتعويض تكاليف العمالة المرتفعة التي تكبدتها الشركة بسبب شعار علامتها التجارية، الذي هو كل شيء عن المنتجات المحلية "صنع في أمريكا". تنتج الشركة كل عنصر لصناعة القمصان الثقيلة الخاصة بعلامتها التجارية، من القطن إلى القطع إلى اللمسات الأخيرة، في الولايات المتحدة. استلزم البيع عبر الإنترنت في الغالب تحليل بيانات من الدرجة الأولى، وهو ما يذهب فيه جزء كبير من النفقات الرأسمالية للشركة. يعكس هذا اتجاها أوسع نطاقا في فترة ما قبل الجائحة نحو زيادة الأرباح والابتكار وقيمة المشروع بين أكثر الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية - وهو تحول، بالطبع، تم تنشيطه منذ أن ضرب فيروس كورونا.
الدرس الثاني: كن مبدعا في خفض التكاليف وإعادة التفاوض على الصفقات. يقول وينثروب إن انهيار المبيعات في بداية الجائحة أجبره على تنظيف الشركة حرفيا في محاولة لخفض التكاليف. انتهى به الأمر إلى جمع قصاصات من القماش من أرضيات المصنع، كانت ستذهب عادة إلى سلة المهملات، وتحويلها إلى ملابس جديدة.
كما قلب كوفيد - 19 الطاولة بين "أمريكان جيانت" وأصحاب العقارات التجارية المتعاقدين معها. على نحو مناف للأمور البدهية، يتطلع وينثروب إلى فتح عدد من الفروع الجديدة للبيع بالتجزئة في مواقع رئيسة خلال الأشهر القليلة المقبلة، لأن الشركات العقارية مستعدة فجأة لأن تكون أكثر مرونة بشأن عقود الإيجار العائمة التي ترتفع فيها الأقساط وتنخفض بناءا على مبيعات الشركة. يقول: "لقد كان الأمر مروعا بالنسبة لأصحاب العقارات، وهذا يمنحنا الفرصة للدخول في صفقات ستكون أكثر تكافلية مما كانت عليه في الماضي".
سمعت أشياء مماثلة من عدد من المستأجرين في وسط مدينة نيويورك، التي أصبحت نوعا ما مدينة أشباح حينما ذهب كل من السياح ورجال الأعمال بسبب الجائحة. أخبرني مالك صالون تجميل وناد صح فاخر أنه تمكن من التفاوض على إيجار شهري متغير بناء على مبيعاته، كذلك فعل مالك مطعم مجاور.
من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات مؤكدة، لكنني أتساءل عما إذا كان هذا يمكن أن يمثل بداية تحول طويل الأجل في ترتيبات المستأجرين في بعض المناطق الحضرية - وربما حتى سوق الرهن العقاري السكني. لطالما جادل الاقتصاديون، مثل روبرت شيلر الحائز على جائزة نوبل، بشأن أقساط الرهن العقاري التي تم تعويمها بناء على مؤشرات مثل معدلات البطالة أو أسعار المساكن، من أجل إنشاء نظام أكثر مرونة يتم فيه تقاسم المخاطر بشكل متساو.
الدرس الثالث والأخير: السعر مهم، وكذلك الهدف. ينسب وينثروب جزءا من زيادة المبيعات إلى اهتمام المستهلكين المتزايد برسالة "صنع في أمريكا" التي تعد جزءا أساسيا من العلامة التجارية للشركة. من المؤكد أن عنصر المحلية يحظى بمزيد من التركيز هذه الأيام بفضل تحركات البيت الأبيض الأخيرة لمنع استيراد بعض المنتجات مثل الملابس من الصين، بسبب المخاوف بشأن عمالة السخرة في شينجيانج، التي تم فيها احتجاز نحو مليون شخص، معظمهم من مسلمي الإيجور، في معسكرات إعادة التأهيل.
هناك أيضا اتجاه أوسع: المتسوقون الأصغر سنا يطالبون الشركات التي ينفقون أموالهم فيها بأن تعكس قيمهم، أو أن تكون تلك الشركات التي ترغب في الحصول على المنتجات التي أنتجتها مجموعات عرقية أو محلية، أو تلك التي تكون منتجاتها أكثر استدامة من الناحية البيئية.
المستهلكون من جيل الألفية وجيل زد (الجيل الذي يلي جيل الألفية) لا يشكلون شيئا إن لم يكونوا واعين بالتكلفة - أظهر كثير من الدراسات أنهم حساسون جدا للأسعار، ويبحثون دائما عن القسائم الشرائية، ويجرون مقارنات عند تسوقهم عبر الإنترنت. لكنهم أيضا يقدرون قيمة الاستدامة. يفضل المستهلكون الأصغر سنا دفع مبلغ أكبر قليلا مقابل منتج يدوم لفترة أطول (ملابس ذات جودة أعلى بدلا من الموضة السريعة، مثلا). حتى أن بعضهم يستأجر أو يقترض بدلا من شراء قطع جديدة (شاهد زيادة خدمات الاشتراك التي تسمح للمستهلكين باستخدام وإعادة كل شيء بداية من الملابس إلى الأثاث).
كما هو الحال دائما، في الأزمات تظهر الفرص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق