2019-11-22
كما قالت وزارة الخارجية الفلسطينية، في أول رد فعل على إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بأن المستوطنات ليست ضد القانون الدولي، بأنه لا قيمة قانونية لهذا الإعلان، وكما هو حال تلك الإعلانات التي سبق لإدارة دونالد ترامب أن أعلنتها إن كان تلك الخاصة بالقدس أو الجولان، فلا قيمة قانونية لها، ذلك أنه ليست الولايات المتحدة من يصنع القانون الدولي، ولا من يقوم بصياغته، أو من يحدد شكله، بل المنظمات والمؤسسات الدولية ذات الاختصاص، وما تلك الإعلانات إلا تأكيد على أن ليس إسرائيل وحدها، بل معها إدارة ترامب خارجة عن القانون الدولي، وعن الإجماع السياسي الدولي، حيث قالت الأمم المتحدة والدول الكبرى في العالم ردا على إعلان بومبيو، بأن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وضد القانون الدولي، وإضافة إلى ذلك هي عقبة في طريق السلام وتقوض حل الدولتين.
لكن، وكما أوضح الموقف الفلسطيني عن وجه حق، فإن لذلك الإعلان تداعيات عملية، تؤجج من الواقع المتوتر على الأرض، وتشجع حكومة اليمين المتطرفة الإسرائيلية على مواصلة طريق إغلاق الأبواب أمام السلام والحل بين الجانبين، وتشجع المستوطنين أنفسهم على مواصلة استخدام العنف والاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم، أي أن هذا الإعلان بحاجة إلى مواجهته بصخب، ويجب أن لا يمر مرور الكرام، فعدم حرق الأخضر واليابس بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي قبل عامين، شجعه لاحقاً على اعترافه بضم إسرائيل المنافي للقانون الدولي للجولان، ثم ها هو يشجعه مجددا على هذا الإعلان الصفيق، المناقض تماما لعشرات قرارات الأمم المتحدة، بما فيها قرار مجلس الأمن 2334، الذي اتخذ في الأيام الأخيرة لولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وبعد انتخاب ترامب ولكن قبل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية.
وبالنظر إلى إعلانين سابقين لواشنطن، نقصد بهما ذلك الخاص بالقدس والآخر الخاص بالجولان، فإن أهم تداعيات لهما كانت على الداخل الإسرائيلي، ونظر إليهما الجمهور الإسرائيلي نفسه على أساس أنهما هدايا لليمين المتطرف الذي تتحالف معه إدارة ترامب أكثر مما تتحالف مع إسرائيل، ويبدو التوقيت قد جاء لإعادة الروح في فريق نتنياهو السياسي، عشية الفشل المزدوج في تشكيل الحكومة، ذلك أن الشلل الداخلي الإسرائيلي المستمر منذ عام، قد كان أحد أسباب عدم تحقيق الإعلانات الأميركية نتائج سياسية، حيث لم تتورط الكثير من الدول بنقل سفاراتها إلى القدس، كما لم يتعامل أحد من دول العالم مع الإعلان الخاص بالجولان.
وهدف السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي يبدو ملكيا أكثر من الملك ويمينيا إسرائيليا أكثر من "البيت اليهودي"، هو تكبيل يدي حكومة اقل يمينية من الحكومة الحالية، في إسرائيل تلوح في الأفق، إن كانت ستكون نتيجة توحد الحزبين أو نتيجة انتخابات ثالثة قد تكون حاسمة هذه المرة.
وحيث أن إسرائيل مع انتهاء مهلة بيني غانتس أول من أمس قد وصلت إلى مفترق طرق يتمثل في ثلاثة أسابيع أخرى يمكن أن يكلف رجل ثالث بتشكيل الحكومة، قد يكون افيغدور ليبرمان، صاحب مقود حكومة الوحدة الليبرالية، والوحيد القادر على فرض حكومة الوحدة، أو أن تذهب لانتخابات ثالثة في آذار القادم، وهذا هو الأمر المرجح بنسبة 70% كما قال النائب العربي أيمن عودة، فإن هناك فرصة ما زالت مواتية للكل الفلسطيني ليحرق الأرض تحت أقدام اليمين الإسرائيلي والإدارة اليمينية المتطرفة الأميركية.
وكان من الواضح طوال الشهرين الماضيين بأن حصول العرب على ثلاثة عشر مقعدا، ساهم جدا في منع إسرائيل من تشكيل الحكومة، بل وأظهر الجوهر العنصري لقادتها، أمام كل العالم، كذلك لجوء قيادة الداخل الفلسطيني للشارع ضغط على حكومة اليمين الانتقالية فيما يخص ملف الجريمة، فيما كانت القائمة العربية عنصرا حاسما ومتداولا طول الوقت وشكلت هاجسا لليمين بالدرجة الأولى، والذهاب لانتخابات ثالثة دون تشكيل الحكومة، سيزيد من قوة وتأثير العرب الفلسطينيين في داخل إسرائيل، بما يكبح من جماح اليمين المتطرف، فيما الأداء السياسي الرسمي للسلطة يساهم بدوره في التصدي للحرب السياسية والميدانية الإسرائيلية/الأميركية المنفلتة من عقالها، أما جبهة غزة فقد صمدت ميدانيا، فيما كان اليمين الإسرائيلي الحاكم، خاصة الثنائي نتنياهو_بينت حيث قادا الحرب على الجهاد الإسلامي قبل عشرة أيام يحاولان إخراج "حماس "من دائرة المواجهة ميدانياً كما كان نتنياهو قد أخرجها من دائرة دعم السلطة في المواجهة السياسية طوال اثني عشر عاماً مضت.
هنا يتساءل المراقب عن سبب امتناع "حماس" المفاجئ عن إطلاق مسيرة العودة اليوم_الجمعة، وذلك للأسبوع الثاني على التوالي، وهذه سابقة لم تحدث منذ انطلقت المسيرات قبل أقل من عامين، وخلال عشرين شهراً مضت، أي منذ ثمانين أسبوعاً لم يشهد الحراك ذاك توقفاً لجمعتين متتاليتين، وإذا كان التوقف يوم الجمعة الماضي مفهوماً، بسبب أنها جاءت في ظل صدام عسكري، نجم عن اغتيال القائد الجهادي بهاء أبو العطا، كونها جاءت بعد يومين من الاغتيال ومباشرة بعد القصف المتبادل، فإن إعلان عدم إطلاق المسيرة اليوم، يخشى أن يكون قد جاء بوحي الرغبة الإسرائيلية في أن تمر الأيام التالية على إعلان بومبيو بهدوء ودون صخب شعبي.
هنا تكون "حماس" قد تورطت بعلم أو بدونه في ألاعيب السياسية الإسرائيلية التي ما زال يتقن حبكها العدو نتنياهو، وأفضل رد إنما يكون بإنهاء الانقسام بأسرع وقت، وبإعلان إجراء الانتخابات الفلسطينية كمدخل لذلك، فهناك فرصة مواتية عبر توحيد جبهات المقاومة الثلاث ليس فقط لإسقاط نتنياهو، بل وإسقاط ترامب حتى لا يقتصر الأمر على استقالة بومبيو فقط، ومن ثم قلب الطاولة وإحداث التغيير في إسرائيل وأميركا إلى أن تخضعا للقانون الدولي كلاهما وليس فقط إجبار الاستيطان على الخروج من دائرة التناقض مع القانون الدولي، وإغلاق الشقوق الداخلية الفلسطينية، ومن ثم إطلاق المقاومة الشعبية هو الرد الحقيقي الذي يجعل من إعلان بومبيو وإعلاني ترامب من قبله مجرد حبر على ورق، بل وحبراً قد تلاشى على ورق تم حرقه، وحتى ورقاً أكلته الأرضة، ومن ثم إلقاؤه في سلة مهملات التاريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق