يا أحزاب يسار الوسط… انتبهوا فالشعبوية الإقتصادية قد تحدد الفائز في انتخابات بريطانيا
ينبغي ألا تكون المدرسة الفكرية حكراً على اليمين. فالتركيز على عدم المساواة والشعور المتزايد بانعدام الأمن الاقتصادي قد يمنحا حزبي العمّال والديموقراطيين الأحرار تقدماً مهماً على المحافظين
أوليسيا ديميتراكوفا
صحافية وكاتبة
السبت 16 نوفمبر 2019
السبت 16 نوفمبر 2019
قد يكون التكهن السياسي مهمة غير محمودة خصوصاً في بريطانيا اليوم. وعلى الرغم من ذلك، لا بدّ من إلقاء نظرة على ما قد يُحسّن فرص حزب معيّن في انتخابات الـ 12 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ثمة عامل يجب أن يؤخذ في الحسبان وهو تزايد الشعور بانعدام الأمن الاقتصادي. تُعرّف دراسة جديدة صادرة عن "مركز الأداء الاقتصادي" التابع لـ "كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية،" هذا الشعور بأنه "القلق من تراجع الدخل في المستقبل." ويخلص مؤلّفوها إلى أن غياب الأمن الاقتصادي يرتبط بجانبين، يتمثل أولهما في مشاركة سياسية أكبر، كالنية في التصويت، على سبيل المثال. أما الثاني فهو يتجلى خصوصاً في المزيد من الدعم لأحزاب اليمين، في مقابل تراجع في الحماس لأحزاب اليسار.
وتظل هذه النتائج متوقعة بغضّ النظر عن الحزب أو الأحزاب الموجودة في السلطة، ما يعني ضمناً أن على حكومات اليمين أن تواصل إثارة قلق الناخبين، إذا ما أرادت البقاء في السلطة. وأظهر الباحثون أن انعدام الأمن الاقتصادي كان مرتبطاً "بدرجة كبيرة" بمزيد من الدعم لدونالد ترمب في انتخابات العام 2016 وفي استفتاء بريكست.
وقبل 6 أسابيع أو أكثر من موعد الاستحقاق، يبدو من خلال منظار الموارد المالية للناخب البريطاني، أن فرص حزب المحافظين في تحقيق فوز انتخابي هي أكبر من فرص الأحزاب الموجودة في وسط الطيف السياسي أو على يساره. وفي الشهر الماضي، تعرّضت ثقة البريطانيين بوضعهم المالي الشخصي خلال الأشهر الـ 12 المقبلة إلى ضربة قوية. وتبيّن أن هذه الثقة تراجعت عمّا كانت عليه العام الماضي، بحسب استطلاع أجراه مركز "النمو من خلال المعرفة" GfK. كما انخفض بشكل حاد، تقدير المفوضية الأوروبية المعادل، للمملكة المتحدة، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) ليصل إلى أقل من نصف متوسطه على المدى الطويل.
واستفاد سياسيّو اليمين من تنامي انعدام الأمن الاقتصادي على مدى أطول في دول العالم المتطوّر، مما ساهم بشكل خاص في صعود الشعبويّين، كما أظهر عدد من الدراسات. وكشفت بحوث نُشرت في العام 2017 عن وجود علاقة قوية بين فقدان الوظائف في أجزاء من الولايات المتحدة بسبب تدفق الواردات الصينية، والتصويت لدونالد ترمب. واعتُبر أيضاً أن ثمة صلة بين الواردات الصينية وبين الدعم الذي حظي به خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين لعب انخفاض الشعور بالأمن الوظيفي في السويد دوراً في الصعود اللافت عام 2014 للشعبويّين اليمينيّين المتطرفين من حزب "الديموقراطيين السويديّين."
لكن لاينبغي أن تكون الشعبوية حكراً على اليمين. ويمكن ليسار الوسط أن يفوز بالأصوات وأن ينقذ في النهاية الديموقراطية الليبرالية الهشّة في بريطانيا وخارجها، من خلال تبنّي ما يُسمى "الشعبوية الاقتصادية،" بغرض الر دّ على المخاوف المالية للناخبين، وإلحاق هزيمة بأحزاب اليمين في المجال نفسه الذي يتقنون اللعب فيه.
تختلف الشعبوية الاقتصادية عن السياسية، كما يرى داني رودريك وهو اقتصادي بارز يدرّس في جامعة "هارفارد" يقول إن النوعين من الشعبويّين يكرهان القيود المفروضة على الحكومة المنتخبة، ويزعمان أنهما يمثلان "إرادة الشعب" التي تحتاج إلى حمايةٍ من "أعداء الشعب." ألا يبدو هذا مألوفا؟ ويعني ذلك في السياسة، رفض الضوابط والتوازنات التي يمارسها المشرّعون والقضاة وكذلك وسائل الإعلام الحرّ، على السلطة التنفيذية.
ويرفض الشعبويون الاقتصاديّون أيضا القيود المفروضة على وضع السياسات، وبوجه التحديد السياسة الاقتصادية. ويلفت رودريك إلى أن الأعداء الملموسين لهذا النوع من الشعبويين هي البنوك المركزية المستقلة والهيئات التنظيمية المستقلة والقيود الخارجية مثل قواعد التجارة العالمية.
وفيما تعتبر بعض الأنظمة شعبوية بالمعنى السياسي والاقتصادي معاً، فإن الشعبوية تتجلى في حالات أخرى فقط في أحد هذين المجالين. على سبيل المثال، كان أوغستو بينوشيه في تشيلي ديكتاتورا، لكنه فوّض السياسة الاقتصادية في بلاده إلى التكنوقراط.
و يبدو تأكيد رودريك في مناقشات أخيرة على أن الشعبوية الاقتصادية ضرورية في بعض الأحيان موقفاً غير عادي. ويقول في هذا الإطار إن "الظروف الاستثنائية تتطلّب الحرية في إجراء تجارب في السياسة الاقتصادية". ويجب استخدام تلك الحرية لمعالجة عدم المساواة وانعدام الأمن الاقتصادي مع الحفاظ على التعددية السياسية.
وعلى سبيل المثال، يشير رودريك إلى أن الحكومات المنتخبة تستعيد السيطرة على السياسة الاقتصادية، وحسناً تفعل، من خلال التخفيف من صرامة القيود التي تفرضها الاتفاقيات التجارية، ولاسيما أن هناك أجزاء هذه الاتفاقيات من شأنها أن تضمن استفادة الشركات متعددة الجنسيات على حساب عمّالها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق