التحليل
تزامن إعلان الرئيس ترامب عن اختيار مستشاره للأمن القومي من عصب التيار المحافظ “الواقعي” مع تصريح ناري لوزير خارجيته مايك بومبيو يوصف تعرض منشآت أرامكو السعودية إلى هجوم بأنه “عمل حربي .. ذو مستوى لم نشهده من ذي قبل،” سرعان ما تراجع عنه في محطة جولته في الإمارات مطلقاً خطاباً يشدد على أهمية التحرك الديبلوماسي الدولي.
خيبت واشنطن أمال “حلفائها وأصدقائها” الإقليميين بضبابية موقفها وعدم الانجرار لرغبات من راهنوا على حمايتها لهم لعقود متتالية بشن هجمات عسكرية، ولو محدودة، ضد إيران؛ دون إدراكهم أو قبولهم بالمتغيرات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية منذ حروب الخليج المتعددة واحتلال العراق.
عقدت الرياض مؤتمراً صحفياً، باللغة الإنكليزية، روجت له بأنها ستكشف عن تفاصيل عسكرية وتسليحية تعزز نظريتها باتهام إيران مباشرة، خيب آمال الحضور والمراقبين لناحية شح المعلومات الموثقة التي لم تتجاوز صوراً لبعض الشظايا والأضرار مشددة على أن اتجاه المسيّرات كان من الشمال وليس من جنوبي حدودها مع اليمن؛ اشتركت في الهجوم، وفق رئيس هيئة الأركان السعودية، 18 طائرة مسيّرة و7 صواريخ كروز.
في المعلومات العسكرية الأميركية “اتسمت الضربة بفعالية بالغة عسكرياً، وبأسلحة دقيقة للغاية .. الصواريخ الجوالة – كروز المهاجمة حلقت على ارتفاعات متدنية أقل من 300 قدم (90 متراً) مما لم يتح المجال لاعتراض الدفاعات الجوية من قبل العديد من البطاريات المتداخلة لصواريخ هوك وباتريوت؛ أسفرت عن تحطم صاروخ واحد فقط، مما يدل على إصابة بنسبة 95%” في منشأتي بقيق وخريص.
وأضاف بعض الخبراء بأن “دقة وبراعة الضربة .. لقطاع النفط لم يتم استهداف أي قطاع آخر للطاقة بمثل هذه القوة منذ القصف الدقيق الذي قام به التحالف الأميركي على العراق منذ عام 1991.”
أقصى ما ذهبت إليه واشنطن، وفق المعطيات المتوفرة راهناً، هو إنزال مزيد من العقوبات الاقتصادية تطال القطاع المصرفي الإيراني بشكل محدد؛ دون إغفالها تردد حلفائها الأوروبيين للقيام بالمثل، باستثناء أداتها الطيعة في بريطانيا. الملفت في الأمر تصريح رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بالغ الدلالة بأنه “تبادل وجهات النظر مع الرئيس الأميركي بالتوصل لرد ديبلوماسي موحد من الشركاء الدوليين.”
معالجة الأزمة المتجددة في شبه الجزيرة العربية، يمنيا وسعودياً، أضحى بعهدة مستشار الأمن القومي الجديد، روبرت اوبرايان، مع تطابق رؤاه مع وزير الخارجية مايك بومبيو، واللذين يتمتعان بمستوى ثقة معقول من الرئيس ترامب.
اوبرايان له باع طويل في أروقة الحزب الجمهوري وذو خبرة معتبرة في الشؤون الدولية نظراً لعمله سابقاً في بعثة بلاده الدائمة للأمم المتحدة خلال رئاسة جون بولتون للبعثة، وتعيينه من قبل الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن كمبعوث خاص لشؤون إطلاق سراح الرهائن المحتجزين، وعمل مؤخراً مع وزير الخارجية بومبيو لإطلاق سراح القس الأميركي اندرو برونسون من اعتقاله في تركيا.
واشتغل كذلك على ملف الإصلاحات القضائية في أفغانستان عبر وزارة الخارجية الأميركية. والأبرز في سجله العملي شغله منصب “مستشار الأمن القومي لثلاثة مرشحين للرئاسة” عن الحزب الجمهوري: ميت رومني وسكوت ووكر وتيد كروز.
ركزت وسائل الإعلام المختلفة على محتويات كتاب أصدره اوبرايان بعنوان “عندما كانت أميركا نائمة،” انتقد فيه السياسة الخارجية للرئيس أوباما خاصة ما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني واتهامه الرئيس السابق بأنه “شجع الاستبداديين والظالمين والإرهابيين.”
إيران بالنسبة لأوبرايان “عدو لدود للولايات المتحدة .. ملتزمة بمبدأ تغيير تضاريس الشرق الأوسط برمته وتدمير حليف أميركا الأساسي في الإقليم، إسرائيل؛ ببساطة لا يتوفر أي دليل يدعم فرضية إرساء الثقة بنظام إيران الثوري للتخلي عن هدفه طويل الأمد بتطوير سلاح نووي.”
ويرمي أوبرايان في كتابه إلى إعادة الاعتبار للترسانة العسكرية الأميركية قائلاً “أمام التحديات العالمية الجديدة، حان الوقت للعودة إلى سياسة أمن قومي مبنية على السلام عبر القوة،” في إشارات بالغة الوضوح للتصدي لروسيا والصين.
وعزز قناعته المناهضة للصين بين دفتي كتابه بصريح العبارة “.. أجريت مفاوضات في بكين مع مسؤولين رسميين كباراً. أعربوا عن ثقتهم العالية بأن اميركا والغرب هم بانحدار والقرن الحادي والعشرين سيكون ملكهم.”
فيما يخص قضايا “الشرق الأوسط،” قناعات اوبرايان بإعلاء القوة العسكرية لا تشي بحدوث تغيير مفاجيء للوجود العسكري الأميركي كانسحاب من أفغانستان أو سوريا. وبحكم خلفيته العملية كضابط في سلاح البحرية الأميركية، فإنه يولي الترسانة البحرية اهتماما عالياً في بسط النفوذ الأميركي، لا سيما عبر مطالبته بتحديث حاملات الطائرات وتأييده لتخصيص مزيد من الأموال على الإنفاقات العسكرية.
سياسياً وديبلوماسياً، لا ينظر اوبرايان بعين العطف المطلوب لدور وزارة الخارجية “بتضخم طواقمها الإدارية” والمطالبة بتعديل التوجه عبر “إدخال قدرات قيادية ذات بأس لتعديل بوصلة الوزارة،” وكذلك الأمر مع وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع والأجهزة الأخرى.
حافظ أوبرايان على تأييده ومنسوب ولائه للرئيس ترامب منذ بداية مشوار ترشحه للرئاسة؛ ونظراً لطبيعة عدم ميله الالتزام بموقف أيديولوجي، كسلفه بولتون، فمن المتوقع أن يستمر في علاقة وطيدة مع الرئيس وبأنه لن ينافسه داخل صفوف حزبه أو يتركه عارياً أمام تيار المحافظين المتشددين.
الموقف الأميركي، بعد افول بولتون، فيما يتعلق بمنشآت النفط السعودية جاء ثمرة أحدث اجتماع عقده الرئيس لمجلس الأمن القومي، الجمعة 20 الشهر الجاري، عززته جملة تغريدات للرئيس يمكن ايجازه بالمواقف التالية:
واشنطن لم توعد السعودية بالدفاع عنها؛ الحماية الأميركية المطلوبة سعوديا ينبغي أن يدفعوا أموالاً لقاء ذلك؛ فتح المخزون النفطي الاستراتيجي الأميركي لتعويض السوق الداخلية من أي نقص. الأهم ربما هو في تكرار الالتزام بتحرك ديبلوماسي عبر بوابة الأمم المتحدة لاحتواء الأزمة.
أسفرت سلسلة لقاءات ومشاورات رفيعة المستوى عقدها البيت الأبيض في الآونة الأخيرة للتوقف عند الرد الأمثل على اختراق المسيرات اليمنية للدفاعات الجوية وشبكات منصات الصواريخ المتعددة الأميركية المنوطة بحماية الأجواء السعودية وبلورة مواقف تعكس مركزية القوة العسكرية الأميركية: اجتماع للقادة العسكريين تلاه اجتماع لمجلس الأمن القومي بكافة أعضائه.
الغائب الأبرز عن تلك الاجتماعات والتصريحات المتتالية كان “الخيار العسكري،” دائم الحضور في المواقف الأميركية السابقة، لا سيما ما يتعلق بإيران. وعند الاستحقاق أخفقت واشنطن بتنفيذ ما كان وكلاؤها يعولون عليه – شن حرب على إيران نيابة عنهم.
اقتصر العرض الأميركي على إرسال مجموعة قتالية محدودة مختصة بالدفاعات الجوية لتعزيز القوات الموجودة في القواعد الأميركية. مما يطرح جملة أسئلة وتكهنات حول مهمة المعدات الأميركية المتطورة في قواعدها ولدى القوات السعودية: طائرات الاواكس، بطاريات الصواريخ الحديثة، أسلحة الرصد والتشويش، الأقمار الاصطناعية، وترسانتها من الطائرات المسيّرة الهجومية.
لم يشفِ العرض غليل المراهنين على “مواجهة إيران عسكرياً،” لا سيما في الشق العسكري الصرف لناحية تلك الميزانيات التسليحية الخيالية وحقيقة تنفيذها ووجهتها النهائية، إضافة للناحية التقنية التي يقر فيها الخبراء العسكريون بمنافسة فعالة لدول أخرى (روسيا والصين وإيران) للقدرات العسكرية الأميركية، ولما هو أبعد من ذلك ليطال ما لدى الكيان “الإسرائيلي” من تقنيات ومعدات مشابهة أخفقت أيضاً في المواجهة المحدودة على الحدود الشمالية والجنوبية لفلسطين المحتلة.
تجارة الأسلحة الدولية ستأخذ تلك التجربة وأدائها الباهت بعين الاعتبار، ومن غير المستبعد ان تحجم عدد من الدول المستوردة للأسلحة الأميركية عن المضي قدماً بالاعتماد عليها في ظل توفر بدائل زهيدة الكلفة بالمقارنة، جرى تطويرها في ظل حصار اقتصادي على عدد من الدول مثل روسيا وايران، وتخفف الأعباء المالية عن اقتصاديات الدول النامية تحديداً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق