أفلام فرنسية عن الجزائر.. هل تُزيف التاريخ؟

. . ليست هناك تعليقات:


لعقود من الزمن شكلت القصص التي تحكي تاريخ الجزائر رقما صعبًا في معادلة السينما الفرنسية، وفي أحدث حلقات الجدل، أصدرت وزارة الاتصال الجزائرية قرارا يقضى بمنع قناة "أم 6" الفرنسية من العمل في الجزائر بعدما قامت هذه الأخيرة، بإنتاج فيلم وثائقي وصف بأنه يقدم صورة مغلوطة عن الحراك الشعبي الجزائري.

وبعد نحو أسبوعين من الترقب، اكتشف المشاهد الجزائري حكاية الفيلم الوثائقي الفرنسي، وقد ترك حالة من الغضب لتركيزه على الصور النمطية التي عادة ما يقدمها الإعلام الفرنسي عن الجزائر، كما أعاد الفيلم الذاكرة لموجة السخط التي اندلعت في شهر مايو، عقب بث قناة "فرانس 5" لفيلم وثائقي عن الحراك بعنوان "الجزائر حبيبتي".

وعلى النحو نفسه عقب عرض فيلم قناة "فرانس 5"، تبرأ عدد المشاركين في العمل الذي أعدته قناة "أم 6 "، حيث نشرت "الناشطة الجزائرية" نور على حسابها الخاص في إنستغرام فيديو عبرت فيه عن امتعاضها لما وصفته تحريف الصحافي للمادة التي قام بتصورها معها، وقالت إن القناة الفرنسية حرفت كلامها وسعت لإظهار صورة مشوهة تسيء للمرأة الجزائرية.

من جهتها، أكدت جمعية الإرشاد والإصلاح الجزائرية التي ورد اسمها في التقرير أن العمل حمل الكثير من الافتراءات والأكاذيب، وقالت الجمعية في بيانها : ليس غريبا على منتحلي صفة الإعلام الذين يكيدون للجزائر وشعبها باستمرار.

التاريخ يكتبه المنتصر

وبشكلٍ عام يتحسس الجزائريون من الصورة التي تقدمها العدسة الفرنسية سواء عبر السينما والتلفزيون خاصة في الأمور التاريخية، وللأمر علاقة مباشرة بالتاريخ المشترك والجوانب السياسية والاقتصادية.

وخلافا للقاعدة التاريخية التي تقول "التاريخ يكتبه المنتصر"، فإن كتابة تاريخ الثورة الجزائرية لايزال رهينة الأرشيف الذي تحتفظ به فرنسا وتطالب الجزائر باسترجاعه.

وفي هذا السياق، يقول الناقد الجزائري أحمد بجاوي لـ"سكاي نيوز عربية": "الحالة الجزائرية هي الاستثناء، فالجيش الفرنسي الذي يوصف تاريخيا بالمهزوم في حرب الجزائر هو من يكتب التاريخ اليوم" .

ولا تزال فرنسا تحاول تقديم روايتها للتاريخ بما يتماشى ومصالحها الاستراتيجية و الاقتصادية في المنطقة، وهي تستعد لطرح سلسلة جديدة من الأفلام الوثائقية بعنوان "حروب من أجل الجزائر"، سيتم عرضها بحلول عام 2022، بمناسبة الذكرى الـ60 للتوقيع على اتفاقيات إيفيان 18 مارس 1962، وهي سلسلة تتضمن شهادات للأعضاء السابقين في منظمة الجيش السري وللحركي وقادة الجيش الفرنسي الذين عملوا خلال الثورة الجزائرية "1954-1962" على تكريس فكرة الجزائر أرض فرنسية.

وبالنظر إلى ما تقدم فإن الناقد بجاوي يلقي اللوم على الجانب الجزائري، مشيرا إلى غياب التخطيط لدى الحكومة رغم المحاولات، التي قامت بها البلاد لإنجاز أعمل عن الثورة الجزائرية بالتزامن مع الذكرى الـ50 للاستقلال عام 2012، ولكنها أعمال ظلت في معظمها حبيسة الأدراج وتعتمد على الدعاية لإبراز وجهة نظر السلطة دون مراعاة الجانب الفني والإبداعي في العمل السينمائي.

ولعقود من الزمن سعت فرنسا لاستخدام السينما كوسيلة للدعاية والترويج لمشروعها الاستعماري، وهو ما يشير إليه الباحث الجزائري، علي عيد، المتخصص في تاريخ السينما الفرنسية خلال الفترة الاستعمارية، وصاحب كتاب "الجزائر في لعبة السينما الفرنسية 1897-1962"، الذي يتناول صورة البلاد التي انعكست في الأعمال السينمائية في ذلك الوقت.

ويوضح الكتاب أن السينما الفرنسية خلال تلك السنوات أعطت صورة مشوهة عن البلاد وسكانها الأصليين. وهي لا تزال تتبنى وتدعم الاستراتيجيات الاستعمارية طوال فترة تطورها، ومن ثم فهي تساهم بقوة في تأييد الأكاذيب السياسية.

وتأخذ الأفلام الفرنسية المنتجة عن الجزائر شكلين، إما أن تكون أعمال لمخرجين فرنسين أو أفلام لمخرجين ينحدرون من أصول جزائرية، ويكثر الجدل مؤخرا حول النوع الثاني حيث يواجه أي مخرج يريد السباحة بعيدا في موضوع الذاكرة صعوبة في الحصول على التمويل والدعم في فرنسا.

وهي قصة واحد من أحدث الأفلام الأوروبية للمخرج الفرنسي عبد الرؤوف ظافري ذو الأصول الجزائرية، الذي يتحدث عن تجربته مع فيلمه الجديد "دم نجس".

وأشار عبد الرؤوف في حوار مع صحيفة "لبوان" الفرنسية إلى الصعوبات، التي واجهها للحصول على دعم فرنسي لعمله الذي يحكي جانب من تاريخ الجزائر، وقال "قبل أن أبلغ سن الأربعين وصلت إلى عالم السينما، وأدركت أن فرنسا لديها مشكلة حقيقية مع الجزائر، هناك بالفعل عنصرية داخل السينما الفرنسية".

ولم يفلت المخرج البلجيكي، لوكا بلفو، من تلك المعادلة عندما قام بإخراج فيلمه الجديد الموسوم بـ"رجال" إنتاج 2020، الذي يحكي جانب من تاريخ الثورة الجزائرية من وجهة نظر تركز على الآثار التي خلفتها الحرب على الفرنسيين، الذي يشعرون اليوم بالذنب والندم.

وخلال الخمسين عاما الماضية أنتجت فرنسا 150 فيلما عن الجزائر بين قصير ووثائقي وطويل، منها 50 فيلما صورت خلال الثورة، وهي أفلام تتشارك في نقطة التقليل من مصداقية العمل العسكري للثوار والفدائيين وتقدم الثوار في صورة المحاربين الذين لا هدف لهم إلا الانتقام من أجل الميراث والشرف.

حرب المصطلحات

ويؤكد الباحث في التاريخ الجزائري، جمال يحياوي، أن فرنسا تعمل مع الأفلام التي تتناول تاريخ الجزائر بمنهج الأكاديمي والتوثيقي والسياسي، وقال لـ"سكاي نيوز عربية": "فرنسا تفرض رقابة على المصطلحات والأحداث، لقد كرست السينما الفرنسية مصطلح التهدئة لإزالة صفة الجرائم التي ارتكبتها ضد الإنسانية".

وتتميز الأفلام الفرنسية بحرب المصطلحات، فهي تتحاشى استخدام العبارات والأوصاف التي تصب في صالح الثورة الجزائرية أو تعري بشاعة الاستعمار، ومن بين أبرز المصطلحات التي حرصت السينما الفرنسية على التسويق لها من خلال أفلامها مصطلح "أحداث الجزائر" بدلا من مصطلح "الثورة" و"الحرب"، فهي لم تستخدم مصطلح "حرب الجزائر" إلا بحلول عام 1990، وركزت على مصطلح "أحداث" طيلة الفترة السابقة في محاولة لتوجيه الرأي العام العالمي وتصوير ما وقع في الجزائر على أنها مجرد أحداث يقودها الخارجون عن القانون ضمن حرب العصابات.

وحسب تقارير فرنسية، فإن واحد بالمئة فقط من الأفلام الفرنسية تصور الصراع الحقيقي بينما تركز كل الأفلام على الصراعات الهامشية، وهو ما يعتبره الباحث في التاريخ دليلاً على أن المسؤولين في فرنسا لم يتسامحوا مع المخرجين الذين أرادوا تصوير أفلاما عن الجزائر، وهو ما يفسر موجة الجدل التي عاشتها فرنسا عام 2010 عندما عرض فيلم "الخارجون عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب في مهرجان كان السينمائي.

والرهان على أصدقاء الجزائر

وإذا كانت اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب، فإن السينما هي كنزها، من هذا الجانب يتحدث الناقد الجزائري جمال حازورلي، مشيرا إلى الروابط التاريخية التي جمعت الصناعة السينمائية الجزائرية والدعم الفرنسي لها بعد الاستقلال وكيف حققت الأفلام نجاحًا كبيرًا.

وقال حازورلي لـ"سكاي نيوز عربية" :"لا يمكن الحديث عن السينما الجزائرية اليوم دون الإشارة إلى فيلم "زاد" الذي أخرجه كوستا غافراس عام 1969 وحازت الجزائر بفضله على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 1970.

واكتسبت السينما الجزائرية شهرة كبيرة عام 1975 عندما حاز فيلم "وقائع سنوات الجمر" للمخرج محمد لخضر حامينا على السعفة الذهبية، في مقابل ذلك شن اليمين الفرنسي حينها هجوما على الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان وأتهم بأنه عرض على الجزائر السعفة في إطار تطبيع العلاقات بين الجزائر وباريس.

وبالنظر إلى التاريخ المشترك المؤلم فقد تعاونت الجزائر وفرنسا لفترة طويلة، وعملتا على إنتاج الأفلام سواء أثناء حرب التحرير أو بعد الاستقلال، ولكن دون توقيع اتفاقية رسمية للإنتاج المشترك، فقد أبرمت الجزائر اتفاقيات إنتاج مشترك مع إيطاليا ومصر وبلجيكا وكندا، ولم تبرم أبدًا اتفاقية إنتاج مشترك مع فرنسا. ولكن ذلك لم يمنع من إنتاج أفلام مشتركة سواء في الإطار الخاص أو حكومي.

ويؤكد حازورلي أن السينما العالمية اليوم تبنى على الإنتاج المشترك، فما تحتاجه الجزائر اليوم يتطلب التوجه نحو بناء علاقات سينمائية قوية مع السينمائيين الفرنسيين الأحرار.

وقال الناقد الجزائري: "فرنسا ليست واحدة بل هي متعددة الأطراف"، مضيفا أن "الرهان يجب أن يكون على التعاون مع الفرنسيين الذين يحبون السينما ممن لديهم أهداف نبيلة لإيصال رسالة السينما، فقد كانت هناك تجارب جيدة، قدمت العديد من الأعمال الوثائقية الفرنسية التي أدانت المستعمر".

ومن ضمن الأعمال الفرنسية الجيدة أعمال المخرج جون لوك غودار "فيلم الجندي الصغير 1963"، وأفلام المخرج الذي يلقب بصديق الجزائر رونيه فوتيه الذي أخرج عام 1972 فيلمه الروائي " 20 عاما في الأوراس"، والذي تسبب له في العديد من المشاكل مع الرقابة في فرنسا.

ويصنف المؤرخون الفيلم الوثائقي القصير للمخرجة الفرنسية سيسيل ديكوغيس 1956 بعنوان "اللاجئون" كواحد من أول الأفلام الفرنسية التي دعمت الثورة الجزائرية، رفقة المخرج الراحل رينيه فوتييه الذي اعتقل عام 1958 وحكم عليه بالسجن 10 سنوات لدعمه لجبهة التحرير الوطني.

وعن هذه الأعمال يقول الناقد :"نحتاج إلى مثل هذه الأفلام وإلى مراجعتها وبناء إنتاج مشترك وفق ذلك الطرح وهو ما يتطلب مراجعة السياسية السينمائية للوصول إلى العالمية وسد الطريق أمام الإستغلال السياسي ونشر المغالطات والتحريف للتاريخ".

وأضاف حارزولي "هؤلاء الفرنسيون، الذين تبنوا قضية الجزائر، وحكايتها هم جزء من قصة اليسار الفرنسي الذي أيد الثورة بصناعة الأفلام وتدريب صناع الأفلام الجزائريين المستقبليين، بعدها أخذ السينمائيون الجزائريون زمام أمورهم لإنجاز أعمال بقيت في الذاكرة السينمائية.

وفي خطوة جديدة نحو التصالح مع الذاكرة، عين البلدين لجنة خاصة لكتابة التاريخ، فمن الجانب الفرنسي اختارت باريس المؤرخ واسع الاهتمام بتاريخ الجزائر بنجمان ستورا، بينما عينت الجزائر المؤرخ عبد المجيد شيخي للعمل معا على ملف الذاكرة ودراسة إمكانية كتابة مشتركة للتاريخ بعيدا عن التشنج والاستغلال السياساوي للملفات التاريخية سواء في السينما أو التلفزيون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا