جبهة المعارضين تتسع وقبضة رئيس حركة النهضة تتراجع.
السبت 2020/09/19
تونس - صعّد رئيس حركة النهضة الإسلامية والبرلمان التونسي راشد الغنوشي من خطابه ضد عريضة المئة قيادي الذين كانوا قد طالبوه بعدم خرق القانون الداخلي الذي يمنعه من الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة.
ووصف الغنوشي في رسالة نسبت إليه، وتم تداولها في وسائل التواصل وبعض المواقع على الإنترنت، خصومه من قيادات تاريخية ونواب بالبرلمان وفاعلين مؤثرين في الحزب بالانقلابيين و”زوار الليل”، زاعما أن الأحزاب تختلف عن الدول، وأنه إذا كان رئيس الدولة يمنع من البقاء لفترات طويلة، فإن زعماء الأحزاب يمكن أن يبقوا طويلا. ولجأ إلى الحديث عن “الشرعية التاريخية” والزعامة لإظهار فضله على الحركة وتبرير شرعية بقائه.
ولم يعرف بعد من حرر الرسالة وما إذا كانت تعود للغنوشي أم لمقربين منه بسبب اختلاف طريقة كتابتها عن أسلوب الغنوشي وتعمدها الاستفزاز والسخرية من المعارضين، لكن من الواضح أن الرجل يقف وراء الرسالة وربما كلف بها أحد المحيطين به، وأنه تعمد الاستهانة بخصومه من خلال رسالة مجهولة وبخطاب استعلائي.
وقال القيادي في حركة النهضة وصهر الغنوشي، رفيق عبدالسلام، إنه “من خلال حدسي وقربي من الغنوشي.. أشك أنه هو من كتب الرد على رسالة المئة”، موضحا أن هذه “ليست لغة الشيخ ولا أسلوبه.. والأقرب أنه سيتم تكذيب هذه الرسالة”.
وشبه راشد الغنوشي “المعارضين” لمواصلة قيادته للحركة بـ”مجموعة انقلابية”. وقال وفق ما جاء في الرسالة المتداولة من دون أن ينشرها موقع حركة النهضة، إن زيارتهم شبيهة بـ”الزيارات المعتادة لنفر من قادة الجيوش في الهزيع الأخير من الليل لرؤساء بلادهم يبلغونهم الأمر بالتنحي”.
واعتبر الناشط السياسي عبدالعزيز القطي أن “الرسالة بمثابة تسريب من المقربين للغنوشي وهي مختلفة في صياغتها وطريقة كتابتها عن النحو الذي اعتاد الغنوشي الكتابة به”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الأهم من ردّ الغنوشي (إن ثبت ذلك) هو تصريحات أبرز قيادات النهضة الأخيرة على غرار سمير ديلو وعبدالحميد الجلاصي التي تؤكد أن النهضة أصبحت منقسمة إلى شقين، شق مناصر للغنوشي ويدفع نحو مواصلته لرئاسة الحركة وآخر يرفض استمرار الرجل في منصبه”.
وتابع القطي أن “الذي تأكد مرة أخرى أن المعركة خرجت من إطار حزب النهضة الضيق إلى العلن، وهو ما سيعمق الخلافات”.
عبدالعزيز القطي: الأهم من رد الغنوشي انقسام النهضة إلى شقين، مناصر ومعارض
ولاحظ أن “النهضة ما قبل عريضة الـ100 شخص ليست كما بعدها، بل أضحت حركة الشكوك والانقسام”.
وينص الفصل 31 من النظام الأساسي المنقح للنهضة، والمتعلق بشروط انتخاب رئيس الحزب على أنه لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين، وأن يتفرغ رئيس الحزب فور انتخابه لمهامه على رأس الحركة.
واتسعت جبهة المعارضين لبقاء الغنوشي على رأس حركة النهضة وتعالت الأصوات التي تدعو إلى عدم التمديد له إلى ولاية جديدة.
وبيّن القيادي بالحركة سمير ديلو في تصريح لإذاعة محلية أنّ العريضة تضمّنت العديد من التوقيعات من شخصيات داخل النهضة، بعضها لا يتقلّد أي منصب حزبي حاليا، إضافة إلى أنّ العديد عرضوا التوقيع، لكن أصحاب المبادرة خيّروا الإبقاء على مئة إمضاء كرقم رمزي.
وأوضح ديلو أنّ العريضة ليست محاجّة بالأخطاء، لكنها تدخل في إطار تقييم أداء الحزب، مندّدا بوصف العريضة بـ”الانقلاب”.
ووجّه حوالي 100 عضو من حركة النهضة، من بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي الوطني ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية، فضلا عن بعض القيادات بالجهات والمحليات، (على غرار عبداللطيف المكي ونورالدين العرباوي وفتحي العيادي وسمير ديلو وآخرين)، رسالة مفتوحة إلى الغنوشي طالبوه فيها بالإعلان عن عدم الترشّح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم.
واعتبر الممضون على العريضة أنّ هذا الإعلان سيؤكد احترام مقتضيات الفصل 31 من النظام الداخلي.
ويرى متابعون أن رحيل الغنوشي من عدمه سيكون مؤشرا قويا على انقسام حركة النهضة.
وقال المحلل السياسي منذر ثابت إن “الغنوشي يدرك جيدا أن الإسلام السياسي بصدد التراجع في المنطقة العربية، والانتخابات الأميركية القادمة ستكون مؤثرة بشكل كبير في مستقبله”.
واعتبر ثابت في تصريح لـ”العرب” أن “ظهور تباين داخل النهضة قد يمكّن الغنوشي من هامش مناورة إما لمغادرة النهضة من أجل تأسيس نهضة جديدة، أو لدفع الخط الراديكالي أو ما يسمى خط الصقور إلى الانفصال وتأسيس تنظيم على أرضية راديكالية”.
وأضاف “الرد يُغفل العلاقة العضوية بين التنظيم الحزبي والنظام السياسي.. ولا يمكن بناء ديمقراطية الأحزاب التي تدار دكتاتوريا”.
وبدأت تحركات الإطاحة بالغنوشي داخل النهضة منذ شهر مايو الماضي عندما طالبت مجموعةٌ من قيادات الصفّ الأوّل للحركة، أطلقت على نفسها تسمية مجموعة “الوحدة والتجديد”، بضمان التداول القيادي في الحركة، ما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي والأعراف الديمقراطية وسلطة المؤسسات.
وضمّت المجموعة آنذاك كلا من رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية رفيق عبدالسلام (صهر الغنوشي)، ومسؤول المكتب السياسي نورالدين العرباوي، ومسؤول مكتب الانتخابات محسن النويشي، ونائب رئيس مجلس الشورى مختار اللموشي، ومسؤول مكتب المهجر فخرالدين شليق، ونائب رئيس مكتب العلاقات الخارجية سهيل الشابي، ومسؤول المكتب النقابي محمد القلوي، وآخرين.
وسبق أن عقدت حركة النهضة في الثاني عشر من يوليو 2012 أول مؤتمر علني لها في تونس، وجددت خلاله انتخاب راشد الغنوشي على رأس الحركة لعهدتين متتاليتين، من 2012 إلى 2020.
خالد هدوي - صحافي تونسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق