لم تكن كارثة الفيضانات التي حلّت بالعاصمة السودانية نتيجة الأمطار الغزيرة فحسب، إذ ثمة عوامل أخرى فاقمت من حدة محنة سكان الخرطوم الفقراء، الذين غرقت منازلهم بالمياه، بحسب ما يرى خبراء.
واعتبر خبراء في مجال الري وهندسة الخزانات والمياه والإنشاءات أن السبب الرئيسي في كارثة إغراق آلاف المساكن في الأحياء الفقيرة في الخرطوم يعود إلى التلاعب في منح رخص منازل ومشاريع، من بينها مشروع تابع لشركة قطرية.
وأضافوا أن هذه الرخص التي منحت تمت دون استشارة الجهات المختصة، وعلى رأسها وزارة الري لاستكمال شروط السلامة اللازمة لحماية الأحياء الفقيرة.
وأدت هذه المشاريع مع مرور الزمن إلى تضييق مجرى نهر النيل، الذي لم يجد سبيلا عندما فاضت مياهه سوى الأحياء الفقيرة.
وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من نصف مليون سوداني تضرروا من الفيضانات التي تسببت بها الأمطار الغزيرة التي رفعت منسوب النيل.
وأضافت أن أكثر مناطق السودان تضررا هي الخرطوم وشمال دارفو (غرب) وسنار (شرق)، مشيرة إلى تضرر نحو 111 ألف منزل.
وبحسب الدفاع المدني السوداني، فقد لقي 103 أشخاص مصرعهم وأصيب عشرات آخرون بجروح من جراء الفيضانات التي ألحقت أيضاً أضراراً بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
المشروعات والفساد
وذكر الخبراء أن معظم الأضرار التي لحقت بالمناطق الواقعة خارج الخرطوم والبعيدة من النيل تسببت فيها عمليات بيع أراض ومخططات سكنية في أودية ومجاري سيول.
وشهدت ضفاف النيل عند الخرطوم تنفيذ عدد من المشروعات، من بينها مشروع معماري ضخم في منطقة المقرن الأمر الذي كان على حساب جزء كبير من المجرى، إضافة إلى مشروع آخر ضخم أقامته شركة "الديار" القطرية ومشروع فندق قصر الصداقة شمال الخرطوم.
وتشير تقارير إلى وجود شبهات فساد كبيرة في عدد من المشروعات العمرانية التي أقيمت على ضفاف النهر خلال العقدين الماضيين.
"جريمة جنائية"
وتقول وزارة الري السودانية إن التوسعات العمرانية على مجرى النيل تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الأضرار التي لحقت بأحياء فقيرة في جنوب وشرق وغرب الخرطوم.
واعتبر الخبير القانوني محمد الحافظ أن ما حدث "جريمة جنائية يجب عدم التهاون فيها".
وقال الحافظ لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي تكبدها سكان الأحياء الفقيرة بسبب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها النظام السابق والمتمثلة في منح تراخيص بناء استثماري دون مراعاة للآثار المحتملة على حياة وممتلكات الناس.
وأضاف أن هذه الأخطاء تتطلب من الحكومة الحالية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل من شارك في ارتكاب هذه الجريمة المكتملة الأركان، بحسب تعبيره.
ووفقا لعدد من الخبراء فإن تصاريح منح وبناء تلك المشروعات لم تراعي الوضع الهندسي والجغرافي للمناطق الفقيرة التي دفعت الثمن غاليا.
وفي هذا الإطار يقول المهندس المعماري، وليد الريح، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية" إن من الطبيعي إقامة مشروعات عمرانية وسياحية على ضفاف الأنهار في أي مكان في العالم.
"لكن الشيء غير الطبيعي هو الطريقة الغير مسؤولة التي اتبعت في إقامة تلك المشروعات في الخرطوم خلال السنوات الماضية"، بحسب الريح.
دون استكمال الإجراءات
وأوضح الريح أنه لم تستكمل كافة المتطلبات وفي مقدمتها استشارة الجهات المسؤولة عن التوقعات المستقبلية للمناسيب والفيضانات، إضافة إلى تأمين الأحياء الفقيرة المحيطة، وهو ما لم يحدث لذلك كان تأثير تلك المشروعات كارثي خلال الفيضانات الحالية.
وأكد وزير الري الأسبق عثمان التوم، وهو خبير أيضا في مجال الخزانات أن وزارة الري كمؤسسة لم تتم استشارتها في أي من تلك المشروعات.
وقال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن المباني التي أقيمت قرب مجرى النيل في الخرطوم تسببت في تضييق المجرى، وعندما ارتفع مستوى منسوب النيل في الخرطون بفعل الأمطار الغزيرة في الهضبة الأثيوبية، وجدت المياه متنفس لها في الأحياء الفقيرة وحدثت الكارثة التي أضرت بالسكان.
منذ 2007
ويتفق صادق شرفي أستاذ المياه في جامعة الخرطوم مع فرضية تسبب تضييق التوسعات العمرانية لمجرى النيل في الكارثة.
ويوضح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الحكومة السودانية شرعت في العام 2007 في منح شركات وجهات استثمارية مشاريع ومخططات على ضفاف النيل، دون استشارة وزارة الري التي يفترض أن تكون إحدى أهم الجهات المناط بها تحديد أي آثار سلبية محتملة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق