لقراءة المزيد من محتويات الكتاب اضغط هنا
تواصل المناظرة الأكاديمية بشأن مفهوم الوطنية ازدهارها. ومع أن هذه الظاهرةقد تبدو مناقضة للشعبية والهيمنة اللتين تتمتع بهما نظرية العولمة التي تبلورت مؤخراً، فإنها مواصل حتمية للمناقشة الدائرة بشأن طبيعة الدولة الحديثة وأصولها.
وعلى الرغم من أن هناك مدرسة فكرية أقدم لا تزال متمسكة بفكرة أن القومية، مهما بدت حديثة في ظاهرها، هي حصيلة إحساس جماعي حقيقي بالهوية العرقية الضاربة في الماضي، فإن الميدان أصبح يخضع، بصورة متزايدة، لهيمنة أولئك الذين يعتقدون أن الأمم، بما هي وليدة تحولات اجتماعية واقتصادية حديثة، هي موضع ُّل" أو "اختراع"، يبني إحساساً بالهوية من دون أن يكون موجوداً من قبل.
"تخي ويقدم بينيدكت أندرسون إضافة مهمة تتصل بالثقافة المطبوعة. فهو يرى أن دور "الصحيفة كنتاج ثقافي" متصل بتوسيع الإنتاج الصناعي وبالرأسمالية، يجعل من الممكن للمجموعة القومية المتخيَّلة أن تتطور.
وهكذا، فإن الصحافة "تمكِّن أعداداً متزايدة من الناس من أن يفكروا في أنفسهم،ومن أن ينتموا إلى آخرين بطرق جديدة كلياً."
إن فكرة القومية نفسها، بما أنها مشارَكة في الروابط حاضراًوماضياً (استناداً إلى جذور تاريخية مفترضة)، تتمتع بانتشارواسع من خلال صحافة شعبية متنامية ومتطورة.
وقد اهتم الكثيرون من الباحثين في تاريخ غرب آسيا وشمال إفريقيا بأصول القومية العربية وعلاقتها بالعثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، التي أدت هي نفسها إلى تفكك الإمبراطورية العثمانية،ونشوء تركيا الحديثة، وظهور نظام الانتداب في قراءات مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد ٩ ،العدد ٣٥) صيف ١٩٩٨ ،(ص ١٨٥ 2 سورية الطبيعية، ثم إلى تقسيمها لاحقاً.
وكان الوعي الوطني النتيجة المباشرة لـ"بناء الدول تحت الانتداب" الناجم عن التقسيم القسري المفروض من بريطانيا وفرنسان تحت مظلة عصبة الأمم،فضلاً عن الصراع الراهن بين الهويات الوطنية والإقليمية. وهذا يطرح مسألة الهويات المزدوجة،
ووفق ماوضعها شارل سميث في إطار ما إذا كانت "العلاقة الثقافية/ اللغوية مماثلة، أوربما مختلفة عن الهوية القومية." وكذلك ما إذا كان الوعي السياسي للعرب كسوريين وعراقيين،وأردنيين أوفلسطينيين في مقابل وعيهم الثقافي كعرب،قد حُلّ في إطار الدول الإقليمية، وما ينبئنا به ذلك عن القومية بصورة عامة، آخذين في الاعتبار أن من المهم التمييز بين فكرةالأمة وفكرة الدولة، إذإن الدولة هي حصيلة تطورات تاريخية ومؤسساتية يمكن، أو لا يمكن، ربطها بشعب يعتبر نفسه أمّة.
وفي حالة سورية الجنوبية، أوفلسطين، كما أصبحت تسمى بعد أن رسمت السلطات البريطانية حدودها الطبيعيةوالسياسية، بفصلها بادىء الأمر عن سورية، ثم بفصل المناطق الواقعة شرقي نهر الأردن وإقامة إدارة مستقلة عليها خاضعة لسلطة الأمير عبدالله، أصبحت قضيتا الهوية والوعي الوطني متداخلتين مع الكفاح ضد بنودالانتداب نفسه.
واستناداً إلى هذه المعطيات، أخذت سلطات الانتداب على عاتقها تهيئة الظروف لإقامةوطن قومي يهودي، حيث لا تبقى أية صفة للمواطنين الأصليين سوى أنهم "سكان غير يهود" في البلد.
وكان تشكيل الدولة في الحالة الفلسطينية يتعلق، في المقام الأول، بالمهاجرين اليهودالوافدين إلى البلد، بهدف محدد هو إقامة دولة يهودية فيه. وخاض "السكان غير اليهود" معركة دفاعية على جبهتين، ضد البريطانيين والحركة الصهيونية معاً، بالتزامن مع انهماكهم في عملية تحويل الهوية.
فبعد أن كانوا خاضعين للعثمانيين طوال مئات الأعوام، أصبحوا اليوم فلسطينيين بصورة رسمية.
وقد تم التعبير ماضياً وحاضراً عن مضمون هويتهم بمفاهيم تقليدية ودينية إلى حد بعيد.
وانتهى نظام الانتداب بهزيمتهم وطردهم الفعلي، وبدمار مؤسساتهم الاجتماعية التي كانت أقيمت خلال ثلاثين عاماً من الحكم البريطاني. وقد تضافر التشتت والمنفى بعد سنة ١٩٤٨، والوضع الجديد للفلسطينيين الذين أصبحوا "لاجئين عرباً" ضد قيام هوية وطنية مميزة لهم، حتى استعادواقدرتهم على إعادة تنظيم أنفسهم،والظهورفاعلين مستقلين على المسرح السياسي. وهذا ما استطاعوا أن يفعلوه عقب سنة ١٩٦٧ .
فوضعهم كلاجئين،وموقف الدول العربية تجاههم كمرتهنين وقاصرين في الوقت نفسه، قراءات مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد ٩ ،العدد ٣٥) صيف ١٩٩٨ ،(ص ١٨٥ 3 والنظرة السائدة في المجتمع الدولي إليهم، تواطأت كلها كي تمعهم من "حرية السرد"، كما قال إدوارد سعيد بكلمات بليغة.
إن كتاب رشيد الخالدي هو محاولة لتوظيف الدراسات المنشورة والمؤلفات السجالية بهدف تأكيد أن الهوية الفلسطينية ليست قليلة الأهمية كما أظهرها المشككون، وتقديم سردتاريخي وطني فلسطيني يستند إلى مصادر عربية.
وبينما لا يزعم الكتاب أن يكون إعادة تفسير لتاريخ فلسطين،فإن المؤلف يسند غلى نفسه مهمة استكشاف التفاعل بين الروايات المتعددة التي تشكل تاريخ فلسطين، كي يلقي الضوء على جوانب من هوية الفلسطينيين. وهو يسترشد بأندرسون في تزظيف الصحافة العربية الفلسطينية المحلية ليثبت أن الهوية الفلسطينية ترسخت جيداً، مع نهاية العقد الأول من الانتداب، بين النخبة المثقفة على الأقل، بعكس المؤرخين الصهيونيين الأساسيين، الذين يميلون إلى الإصرار على أن الهوية الوطنية الفلسطينية ظاهرةذات منشأ حديث نسبياً،وأنها ظهرت كردة فعل محددة على الصهيونية.
وهي بهذا المعنى تقارب أن تكون تأريخاً في خدمة عملية بناء الأمةوالهوية الجماعية. إن عالم الاجتماع الإسرائيلي النقدي، باروخ كيمرلنغ، ينتقد التأريخ الصهيوني لاختراعه وإحيائه أساطير يهودية محددة بهدف التشديد على الجذور القديمة للشعب اليهودي في فلسطين.
ويمضي قائلاً إن هذه الجهود شكّلت تحدياً للفلسطينيين كي يخترعوا ويستحدثوا أساطير مضادة. ويحاول الخالدي في كتابه أن يفعل المستحيل لإنجاز أمرين في وقت واحد:
الاول : الحفاظ على التزامه الوطني،وفي الوقت نفسه التزام المعايير المهنية للبحث التاريخي. إن الهم الأساسي لدى الخالدي هو أن يدحض الادعاءات أن الهوية الفلسطينية ظهرت، أساساً ردّاً على الصهيونية. فمع أنه يعترف بأهمية الصهيونية في تشكيل الهوية الفلسطينية – باعتبارها "الآخر" الأساسي الذي واجهه الفلسطينيون معظم هذا القرن – فهو يحاول أن يثبت أن عناصر انتماء الفلسطينيين إلى فلسطين تسبق مواجهتهم للصهيونية.
ثانيا : كما يبين أن الحجة بأن الصهيونية كانت العامل الأساسي في ظهور الهوية الوطنية الفلسطينية تتجاهل حقيقة أساسية هي أن ثمة عملية عامة كانت تتجلى للعيان في منطقة الشرق الأوسط آنذاك، تتعلق بالتماهي المتزايد مع الدول الجديدة الناشئة عن التقسيمات التي تلت الحرب العالمية الأولى. وفي جميع الحالات، فإن ذلك قام على أساس تطورولاءات موجودة سابقاً،ونشوءولاءات جديدة.
وكما هي الحال مع الفلسطينيين ً تماما، فإنه يمكن في جميع الحالات إثبات أن هذه قراءات مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد ٩ ،العدد ٣٥) صيف ١٩٩٨ ،(ص ١٨٥ 4 الهويات الجديدة طارئة، وحدسية،ومعتمدة على ظروف معينة، أكثر من كونها جوهرية أوأصلية. وكجزء من هذه العملية،فإن لبنان وسوريةوالعراق والأردن استطاعت جميعاً أن تطور هويات وطنيةقائمة على أساس الدولة – الأمة، خلال تلك الفترة، "
للمزيد اضغط الرابط ادناه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق