ماذا يمكن أن يحدث إذا قرر الإله استبدالنا؟ اقرأ “تلاوات المحو” و”قيامة الظل” لتعرف الإجابة
بقلم سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تم النشر: 25/07/2020
عر ض - رواية “قيامة الظل” - للاديب مصطفى منير
تبدأ قدرة الفنان في إنتاج أعمال فنية حقيقية من اللحظة التي يتحرر فيها من القيود، سواء كانت تلك القيود تمثل القيود المنطقية العقلية أو حتى القيود الفنية التي تُعيق العمل الفني في أغلب الأحيان.
في عالم مصطفى منير الذي يتكون من الواقعية السحرية والسرد الشاعري داخل إطار المدينة المظلمة، نجد إمكانيات مصطفى منير المتعددة بين الخيال الخصب الذي يجعله يُقيّم ظلال الناس كلها لتكون هي المحور الرئيسي في روايته “قيامة الظل” وبين الواقعية شديدة السوداوية القائمة على نظرة الناس للظواهر والأحداث على أنها عقاب إلهي مُنزل لكل شخص باسمه وصفته من السماء عقاباً له على خطاياه كما حدث في “تلاوات المحو”.
مصطفى منير واحد من ضمن هؤلاء ممن يقدّرون النص ولا يضعونه في قالب معلّب، بل إنه يعطي النص الكثير من الحرية كي يُكتب بالطريقة التي تناسبه. ويعطي للسرد القدر الأكبر من الاحترام، ما يكفيه للخروج من النمطية الخبرية أو التقريرية ويجعله شِعراً ينساب كما يشاء حتى يُضيف للنص بُعداً جمالياً إضافياً آخر بعدما يكون البُعد الجمالي الأول هو لغة كتابة النص الرصينة والسهلة في مفرداتها والصعبة أحياناً في مفادها وما بين سطورها.
قيامة الظل
في رواية “قيامة الظل” ثارت الظلال على البشر عبيد الشهوات والخانعين، وقررت أن تصبح هي الطبقة العليا عن البشر، بمجرد أفعال بسيطة يمكنك إثارة الفتن وإشعال ثورة في صفوف بالكاد تتجمع من الأساس ثم تفترق لأي سبب. وفي “تلاوات المحو” جاءت الشرارة الأولى إلهية، حيث إن سقوط كتب من السماء تخبر الناس بكل أفعالهم لم يكن سوی شرارة بسيطة لهؤلاء كي يتشتتوا ويتقاتلوا، وكل منهم يظن نفسه صائباً ويُرضي الإله بأفعاله.
تُعد نظرة الناس للذات الإلهية محوراً رئيسياً في العملين، وتعد الأحداث التي تحدث بواسطة الإله، ذريعة الحريق والثورة بينهم، حيث إنهم يتصارعون دوماً كي ينجو الفائز منهم برضا الإله، إذ إن الفوز في الحرب بينهم دائماً لا يعني لهم سوى الفوز بالجنة والنعيم الأبدي.
الواقعية السحرية في المدينة المظلمة
في الرأس تنبت مئات الملايين من الأفكار كل يوم، وتتصارع للوصول إلی أسرع طريقة للوضوح والاكتمال كي يتسنى لصاحب ذلك الدماغ ترجمة الفكرة لتكون ملموسة أو مقروءة أو مسموعة.
يعد أدب الواقعية السحرية وسيلة جيدة لوضع أكثر الأفكار غرابة في إطار فني، ليعبر عن أكثر المخاوف التي قد تراود المرء بصورة هزلية أو واقعية صادمة، وقد يتم استخدام الواقعية السحرية لتكون إطاراً ممتازاً لعمل أدبي يدور في المدينة المظلمة، حيث يصنع الإنسان بنفسه جحيمه الخاص.
اعتمد منير في العملين على الحدث الذي يحرك الناس من سكونهم، وما يتوقعه من بعد هذا الحدث يحدث دائماً، حيث إن الخراب والفوضى يقعان تحت دعاوى نصرة دين الحق والفوز بالجنة أو الخلود في الملكوت.
تعامل الكاتب مع تلك الأمور الحساسة بنظرة خارجية للأمور في المجمل، وداخلية تشمل أدق المشاعر بالنسبة لأبطال أعماله، حيث إن الظلال في “قيامة الظل” تجعل الناس تثور وتغضب وتحارب كي يستردوا ظلالهم ثم كي ينتصروا لدينهم. وفي “تلاوات المحو” الكل كان يود معرفة ماذا سيحدث بعد 3 أبريل، والكل فسّر حدث سقوط الكتب من السماء علی أنه دنو النهاية، وإن محو التاريخ وأثار الذنوب قد تمكنهم فعلاً من نيل الجنة بقدر أقل من العذاب.
وقع الناس في الروايتين تحت الظلم والقهر نفسه، تحت وطأة الفقر والاستعباد من قبل الحاكم الظالم الذي يحاول دوماً أن يبدو متحكماً في كل الكوارث، ويحاول أن يهدّأ من روع محكوميه، ويعلن من وقت لآخر أن الأمور تحت السيطرة.
تعد مسألة التفكر في الإله وقدرته على إنزال العقاب محورية في أعمال مصطفی منير، وهي موضوع التساؤل والشك بالنسبة للبشر، إذ يعتقدون أن ما يحدث في مدينتهم عقاب إلهي، وينظرون خطأً إلی الإله وكأنه مثلهم يغضب ويثور على أبسط الأشياء، لكن حقيقة الأمر أنهم من ينقلبون ويثورون فجأة لا علی الظلم ولا علی أنفسهم، بل علی بعضهم البعض.
مشروع فريد
أفكار أعمال مصطفی منير شديدة الغرابة، واللغة التي تكتب بها الأعمال شديدة العذوبة والقوة، قيامة ظلال الناس لتكون هي الخليفة في الأرض وإعطائهم تاريخاً مقدساً منذ زمن بعيد يعطي بعد شديد التعقيد والإرباك للقارئ.
ثلاث دهشات لحياة واحدة في “تلاوات المحو” شيء عجيب لا يتخيله عقل، شيء يصعب علينا تصوره.. ماذا يمكن أن يحدث إذا قرر الإله استبدالنا، أو محونا تماماً، أو وقوع ثورات على أساس ديني تجعل الجيران والأصحاب يتقاتلون في نفس الشوارع التي لعبوا فيها سوياً نشأوا فيها.
تُعد “تلاوات المحو” عملاً جديداً لسلسلة أعمال المدينة المظلمة في عالم مصطفی منير، حيث نشأ ذلك العالم في “قيامة الظل”. والتشابه في الخطوط العريضة بين العملين يضفي على مشروع مصطفی منير مزيداً من الدهشة والانبهار، حيث إن قدرته على الكتابة في تلك النواحي الخاصة، والعوالم التي خلقها في دماغه تجعله متفرداً ومجدداً وبعيداً كل البعد عن مشاريع الكتابة التقليدية العادية التي قد ترتكز علی اللغة فقط أو الفكرة فقط.
بقلم سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تم النشر: AST 25/07/2020 12:55
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق