عبارة " الكون انسان كبير"، التي يقولها المتصوفة، ونظرية أثر الفراشة الفيزيائية التي تقوم على فكرة أن رفرفة جناح فراشة في الصين قد يتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن، وغيرها من النظريات التي تشدد على أن دوائر الكون متصلة جدا، تتجلى أيما تجلي فيما يحدث حولنا عبر العالم كله، أثر الفراشة هنا في التأثيرات المتبادلة والمتواترة لحدث، ولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية التي يفوق حجمها بمراحل ما وقع في البداية.
لنا عبد الرحمن |
فايروس يضرب خمسين دولة، ويترك البشر في حالة قلق قصوى، مع سؤال ينفتح على المدى، ويظل عالقا بلا إجابة، إن كانت الحياة بعد كورونا ستكون هي عينها التي عرفناها قبل هذه الأزمة ؟
ثمة ذكريات تتشكل يوما بعد يوم لأوقات العزلة وما فيها من اضطراب وفراغات وعبث وقلق وخوف. جزء من هذه الذكريات يبدو جماعيا تشترك فيه وتختبره جماعات كثيرة من البشر يسهل تواصلها، وتبادلها الأفكار والآراء والخبرات عبر شبكات التواصل الإجتماعي. أسئلة من قبيل ماذا ستفعل اليوم ؟ أو أي فيلم- مسلسل- ستشاهد؟ أو أي كتاب سوف تقرأ تجدها شائعة بالتوازي مع أخبار كورونا التي يتبادلها الناس ويعيدونها على بعضهم مرارا وتكرارا. الوسواس الجمعي الذي حل بالبشر لم يستثنِ أحدا من عذاباته سوى أولئك الذين لم يستوعبوا خطورة الموقف، أو الذين يفضلون بطبيعتهم تجاهل المصائب الكبرى حتى وصولها إلى عتبة دارهم، محاولين حينها انقاذ ما يمكن انقاذه.
ولأن الفن أكثر بقاء من الحياة نفسها، وأكثر خلودا من حياة أصحابه. يستمد منه البعض يقينهم للاستمرار وقبول ما يحدث حولهم من تحولات خيالية. الأفراد المنشغلون بالإبداع من كتابة ورسم وغير ذلك، ممن أراد منهم كسر إطار العزلة الفردية واختراع أنشطة فنية مشتركة يسعى للتواطؤ مع غيره لإنجاز عمل يُشعره بجدوى الحياة في ظل وجود شبح الموت، نجد على صفحات الفيسبوك دعوى لكسر العزلة وكتابة نص عن ما يحدث حولنا، صفحة أخرى تقول أنها تُعد ورشة كتابة أونلاين، أستاذ جامعي في كلية الفنون الجميلة يحاضر لتلاميذه عبر شاشة الكمبيوتر.
تأمل ما يحدث حولنا، يقول أن الأرض تستريح قليلا، السماء فوق الصين أقل تلوثا بنسبة 25%، بسبب توقف حركة الطيران، والقطارات، والمصانع. يا لها من مفارقة أن يكون انخفاض مستوى التلوث بسبب انتشار الفيروس! مدن كبرى مثل نيويورك، وباريس، وروما وغيرها، لا تفرغ من البشر ليلا ونهارا، بات من السهل تشبيهها بمدن الأشباح، حيث أُغلقت المتاحف والمسارح والمدارس والجامعات والمكتبات والمطاعم والمقاهي والحانات وصالونات التجميل والأندية الرياضية، وأماكن كثيرة أخرى، وفرغت الساحات العامة من روادها.
في أوروبا والشرق الأوسط ألغيت آلاف الرحلات.. وحده وباء كورونا جعل سكان الأرض يجلسون في أماكنهم ويتوقفون عن استخدام كل ما يزيد الأذى على سطح هذا الكوكب .. كل المؤتمرات الدولية التي اجتمع فيها رؤوساء الدول الكبرى وصُرف عليها ملايين الدولارات للحديث عن التلوث والاحتباس الحراري ونقص المياه، لم تؤت نفعا، ولم يحصل أي تحول يُذكر بالنتائج المرجوة للتقليل من شيوع وتمدد رقعة الخراب على سطح الأرض، النهم الذي يميز الإنسان لاقتناء المزيد من الثروات ينتصر على أي شيء آخر، وحده الإنسان يرغب بالمزيد دوما بلا رادع لطمعه، وهذا على مستوى جمعي، تقوم الحروب طمعا بالثروات ونهبا للأرض، الإنسان كائن لا يبالي بانذارات الطبيعة الذكية، ولا يهتم بالانصات لحركة الكون، يغامر غالبا بكل غرور للتأكيد على قدرته الفذة على التحكم بالحيوات من حوله، حيوات كل الكائنات الأخرى العاقلة وغير العاقلة.
لكن الإنسان لا يتحرك مع خيمة فوق رأسه، تحميه من الخطر، وينسى أنه كائن أعزل في مواجهة المجهول. لعل ما يخيف حقا، وما يُنذر بأن الحياة لن تكون كما كانت عليه قبل كورونا، هو اهتزاز ثقة الإنسان بالحضارة ككل، ادراكه في لحظة من اللحظات أن حياته العادية المتاحة يوميا، قابلة للتحول في أية لحظة. التجبر الذي حكم الإنسان في ظنه أنه أخضع الطبيعة لسلطانه، وأن ما يهدده فقط هو إنسان آخر مثله، الخوف من الحروب، من قنبلة نووية، بل والخوف عند البعض من عدم الحصول على مستوى الحياة ذاته الذي اعتادوا عليها، فيركضون لاهثين نحو مزيد من ساعات العمل، من أجل متع كثيرة معلومة ومجهولة،
ثمة ذكريات تتشكل يوما بعد يوم لأوقات العزلة وما فيها من اضطراب وفراغات وعبث وقلق وخوف. جزء من هذه الذكريات يبدو جماعيا تشترك فيه وتختبره جماعات كثيرة من البشر يسهل تواصلها، وتبادلها الأفكار والآراء والخبرات عبر شبكات التواصل الإجتماعي. أسئلة من قبيل ماذا ستفعل اليوم ؟ أو أي فيلم- مسلسل- ستشاهد؟ أو أي كتاب سوف تقرأ تجدها شائعة بالتوازي مع أخبار كورونا التي يتبادلها الناس ويعيدونها على بعضهم مرارا وتكرارا. الوسواس الجمعي الذي حل بالبشر لم يستثنِ أحدا من عذاباته سوى أولئك الذين لم يستوعبوا خطورة الموقف، أو الذين يفضلون بطبيعتهم تجاهل المصائب الكبرى حتى وصولها إلى عتبة دارهم، محاولين حينها انقاذ ما يمكن انقاذه.
ولأن الفن أكثر بقاء من الحياة نفسها، وأكثر خلودا من حياة أصحابه. يستمد منه البعض يقينهم للاستمرار وقبول ما يحدث حولهم من تحولات خيالية. الأفراد المنشغلون بالإبداع من كتابة ورسم وغير ذلك، ممن أراد منهم كسر إطار العزلة الفردية واختراع أنشطة فنية مشتركة يسعى للتواطؤ مع غيره لإنجاز عمل يُشعره بجدوى الحياة في ظل وجود شبح الموت، نجد على صفحات الفيسبوك دعوى لكسر العزلة وكتابة نص عن ما يحدث حولنا، صفحة أخرى تقول أنها تُعد ورشة كتابة أونلاين، أستاذ جامعي في كلية الفنون الجميلة يحاضر لتلاميذه عبر شاشة الكمبيوتر.
تأمل ما يحدث حولنا، يقول أن الأرض تستريح قليلا، السماء فوق الصين أقل تلوثا بنسبة 25%، بسبب توقف حركة الطيران، والقطارات، والمصانع. يا لها من مفارقة أن يكون انخفاض مستوى التلوث بسبب انتشار الفيروس! مدن كبرى مثل نيويورك، وباريس، وروما وغيرها، لا تفرغ من البشر ليلا ونهارا، بات من السهل تشبيهها بمدن الأشباح، حيث أُغلقت المتاحف والمسارح والمدارس والجامعات والمكتبات والمطاعم والمقاهي والحانات وصالونات التجميل والأندية الرياضية، وأماكن كثيرة أخرى، وفرغت الساحات العامة من روادها.
في أوروبا والشرق الأوسط ألغيت آلاف الرحلات.. وحده وباء كورونا جعل سكان الأرض يجلسون في أماكنهم ويتوقفون عن استخدام كل ما يزيد الأذى على سطح هذا الكوكب .. كل المؤتمرات الدولية التي اجتمع فيها رؤوساء الدول الكبرى وصُرف عليها ملايين الدولارات للحديث عن التلوث والاحتباس الحراري ونقص المياه، لم تؤت نفعا، ولم يحصل أي تحول يُذكر بالنتائج المرجوة للتقليل من شيوع وتمدد رقعة الخراب على سطح الأرض، النهم الذي يميز الإنسان لاقتناء المزيد من الثروات ينتصر على أي شيء آخر، وحده الإنسان يرغب بالمزيد دوما بلا رادع لطمعه، وهذا على مستوى جمعي، تقوم الحروب طمعا بالثروات ونهبا للأرض، الإنسان كائن لا يبالي بانذارات الطبيعة الذكية، ولا يهتم بالانصات لحركة الكون، يغامر غالبا بكل غرور للتأكيد على قدرته الفذة على التحكم بالحيوات من حوله، حيوات كل الكائنات الأخرى العاقلة وغير العاقلة.
لكن الإنسان لا يتحرك مع خيمة فوق رأسه، تحميه من الخطر، وينسى أنه كائن أعزل في مواجهة المجهول. لعل ما يخيف حقا، وما يُنذر بأن الحياة لن تكون كما كانت عليه قبل كورونا، هو اهتزاز ثقة الإنسان بالحضارة ككل، ادراكه في لحظة من اللحظات أن حياته العادية المتاحة يوميا، قابلة للتحول في أية لحظة. التجبر الذي حكم الإنسان في ظنه أنه أخضع الطبيعة لسلطانه، وأن ما يهدده فقط هو إنسان آخر مثله، الخوف من الحروب، من قنبلة نووية، بل والخوف عند البعض من عدم الحصول على مستوى الحياة ذاته الذي اعتادوا عليها، فيركضون لاهثين نحو مزيد من ساعات العمل، من أجل متع كثيرة معلومة ومجهولة،
كلها تصب في محور توفير المال، من أجل دراسة الأبناء في جامعات باهظة التكاليف، من أجل السفر، من أجل السيارات والثياب والعطور وغيرها.. كل هذا يبدو بلا قيمة الآن، فالواقع أكثر التباسا وغموضا، إذ على البشر ترتيب أولوياتهم الضرورية جدا وهم في بيوتهم، لا مزيد من الخطط المستقبلية للعمل، للنزهات، للترفيه للمصايف، للرحلات. تغيير العادات والأفكار والأماكن، والقيام بالمواجهة مع كل ما كانوا يفرون منه سابقا، البقاء في العزلة يستدعي أسئلة وجودية حتمية. الزمن بحركته الأبدية يُحضر أمام أعيننا الماضي والحاضر، وسؤال لا يجرؤ على البزوغ عن المستقبل الغامض، ليس مستقبلنا وحسب، بل مستقبل كوكب الأرض كله. نسأل أنفسنا عن أحبة غائبين إن كنا سوف نراهم مرة أخرى، إن كنا سنتمكن نحن وهم من النفاذ من بؤرة مرض لعين يهدد الحياة .. إنه الواقع الذي ينتصر ويكتب نفسه دون من حاجة لخيال مؤلفٍ فانتازي كي يكتبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق