رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ يستنجد باتحاد الشغل لتنقية المناخ الاجتماعي في البلاد
الجمعة 2020/05/29
فاقمت التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا منسوب الاحتقان الاجتماعي في تونس رغم أنه ليس وليد الأزمة في حد ذاتها وإنما هو نتاج لسياسات تنموية فاشلة اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ 2011، فيما تزداد الفجوة الاجتماعية بالاتساع بين السياسات التي يصرّح بها المسؤولون الحكوميون وتوقّعات المجتمعات المحلّية.
تونس - يعكس تفجر موجة من الاحتجاجات المطلبية المتزامنة في تونس هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما ينذر بانفجار اجتماعي وشيك قد تطال حممه الأوضاع السياسية في ظل تنامي دعوات لحل البرلمان التونسي وتغيير نظام الحكم في البلاد.
وعمقت أزمة كورونا هوة الاقتصاد التونسي ما أثر سلبا على الفئات الهشة وحتى المتوسطة التي خرجت الخميس في وقفات احتجاجية سلمية للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد الدولي انكماشا غير مسبوق للاقتصاد التونسي.
وخرج المئات من المحتجين من المعطلين عن العمل وعمال الحضائر وسواق وسائل النقل الخاصة في كل من ولايات سليانة وتونس العاصمة وسيدي بوزيد والقيروان وسوسة وغيرها مطالبين بتحسين ظروفهم الاجتماعية وحقهم في التنمية، ما يعمق الضغوط على الحكومة التونسية الفتية التي وجدت نفسها أمام محاربة وباء كورونا منذ انطلاق عملها.
واستشعرت السلطات التونسية في وقت مبكر الغليان الاجتماعي نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وسارعت إلى الاستنجاد بالاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر المنظمات العمالية) في محاولة لاحتواء الغضب الاجتماعي المتصاعد، لكن يبدو أن محاولتها باءت بالفشل رغم تطمينات النقابة العمالية.
ومطلع الأسبوع الجاري التقى رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي حيث اتفق الطرفان على تنقية المناخ الاجتماعي العام بالبلاد في ظلّ الظرف الوبائي الاستثنائي وفترة ما بعد أزمة كورونا.
وتم الاتفاق أيضا على مزيد التشاور حول جملة من القضايا الاجتماعية والصحية وفي أولويات الاستقرار الاجتماعي والعناية بالفئات الهشة والفقيرة ووضعيات المتقاعدين والصناديق الاجتماعية.
وشدّد الطبوبي على ضرورة تضافر الجهود في هذا الظرف الذي يتطلب أكثر عدالة اجتماعية بما يمكّن من تجاوز التداعيات الاجتماعية للأزمة.
ويرى مراقبون أن التجاذبات السياسية والخلافات بين رئيس حركة النهضة الإسلامية والبرلمان التونسي راشد الغنوشي والسلطة التنفيذية ساهمت في ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي، بعد أن تبلورت قناعات لدى التونسيين أن مؤسسات السلطة منهمكة في تصفية حساباتها على حساب الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية العاجلة.
ويشير هؤلاء إلى أن استفحال أزمة الثقة بين القائمين على مؤسسات الدولة والمواطنين يضع حكومة الفخفاخ في الميزان، إذ أن فشلها في إدارة الأزمة وتلبية المطالب سيغذي دعوات سقوطها واستبدالها، خاصة وأن هذا السيناريو يلقى دعما غير مباشر من حركة النهضة، شريك الحكم.
وتفاقمت التجاذبات وتصفية الحسابات السياسية بين مكونات الائتلاف الحكومي، ما يدفع باتجاه انفراط عقده خاصة مع غياب مبدأ التضامن بينه في فترة تواجه فيها البلاد تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة نتيجة تفشي وباء كورونا.
ويؤكد متابعون أن حركة النهضة تعمل عبر تصعيدها للخلافات مع شركائها في الحكم (حركة الشعب والتيار الديمقراطي) إلى إرباك الأداء الحكومي وتثبيت حالة من عدم الانسجام تمهد الطريق أمام سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وتشكيل حكومة جديدة تستجيب لأجنداتها وتصوراتها للمرحلة المقبلة.
فشل حكومة إلياس الفخفاخ في إدارة تداعيات الأزمة
وتلبية المطالب الاجتماعية سيغذي دعوات إسقاطها
وقالت المتحدثة باسم أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل سهام الكرامتي إن المحتجين يطالبون الحكومة بمراجعة قرار تجميد الانتدابات لسنة 2020 وانتداب أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل ممن طالت بطالتهم 10 سنوات، مشيرة إلى ضرورة تشغيل فرد من كل عائلة في مختلف الاختصاصات.واصطدمت الحكومة التونسية الجديدة بأعباء اقتصادية إضافية جراء تداعيات وباء كورونا على اقتصاد البلد الذي يعاني أصلا من أزمات لا حصر لها، ما يزيد من حجم التركة الثقيلة أمامها.
وسجّل الاقتصاد التونسي نسبة نمو 1 في المئة في العام الماضي، مقابل 2.5 في المئة في 2018، و1.9 في المئة في 2017.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3 في المئة في سنة 2020 تحت وطأة كورونا، وهو أعمق ركود تشهده البلاد منذ استقلالها في عام 1956.
وأمام هذه الوضعية الاقتصادية الحرجة وجدت الحكومة التونسية نفسها مجبرة على اتخاذ إجراءات تقشفية ضمن الموازنة التكميلية لسنة 2020 وموازنة 2021، من ضمنها إغلاق باب الانتدابات في الوظيفة العمومية والمحافظة على نسبة اقتطاع 1 في المئة من أجور الموظفين لفائدة الصناديق الاجتماعية المفلسة، ما قوبل برفض مجتمعي واسع حذر الاتحاد العام التونسي للشغل من تداعياته.
وانتظمت الخميس وقفات احتجاجية مشتركة أمام مقر ولاية القيروان، نظمتها كل من تنسيقية الانتداب حقي وتنسيقية تشغيل فرد من كل عائلة وتنسيقية شباب الأغالبة للمعطلين عن العمل وذلك على غرار بقية الولايات.
وندد المحتجون بطول بطالتهم وطالبوا بتمكينهم من حقهم في التشغيل، كما عبروا عن رفضهم رفضا مطلقا للقرار الحكومي الصادر مؤخرا بغلق باب الانتداب في إطار سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة.
وطالب المتحدث باسم عمال الحضائر سامي بن علي بتفعيل بنود الاتفاق المبرم بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة لتسوية الوضعيات المهنية.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الحكومة مجبرة على تقليص أعباء الإنفاق واستحداث آليات تمكنها من تعبئة موارد مالية إضافية، في ظل توقعات بانكماش حاد للاقتصاد التونسي.
وأظهرت دراسة اجتماعية ميدانية أعدها مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع الجامعة التونسية أن رقعة الفقر توسعت خلال السنوات الأربع الماضية بنسبة 30 في المئة بعد أن تآكلت الشرائح السفلى من الطبقة الوسطى وفقدت موقعها الاجتماعي لتتدحرج إلى فئة الفقراء نتيجة التحولات الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية في ظل نسق تصاعدي مشط لارتفاع الأسعار مما أدى إلى بروز “ظاهرة الفقراء الجدد”، بعد أن تدهورت المقدرة الشرائية لتلك الشرائح بشكل حاد.
وتقول الدراسة التي شملت 5300 عينة موزعة على كامل أنحاء البلاد إن “الفقراء الجدد” يمثلون نسبة 30 في المئة من العدد الجملي لفقراء تونس البالغ عددهم نحو مليوني فقير من جملة 12 مليونا هم عدد سكان تونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق