بقلم : ديفيد اغناتيوس
صحافي
اشتعلت المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، مرةً أخرى هذا الأسبوع، إثر تبادل الهجمات المميتة بين ميليشيا مدعومة من إيران والقوات الأمريكية في العراق. ويحذر القادة الأمريكيون من أن النزاع قد يندلع مرة أخرى قريبًا إذا لم تكن إيران حذرة.
ويَرى القادة الأمريكيون هذا على أنه نقطة انعطاف خطيرة. حيث تعاني إيران من فيروس كورونا وقد تشتتت بعد القتل المستهدف للواء قاسم سليماني في يناير. ويبعث قادة البلاد المحاصرين، الذين يبحثون عن نقطة تجمع، الرسائل لأتباعهم بأنهم يريدون ضرب القوات الأمريكية وطردها من المنطقة.
ويعد العراق أكثر منطقة صراع متفجرة في الحرب غير المعلنة بين الولايات المتحدة وإيران. ففي ليلة الأربعاء، أطلقت كتائب حزب الله، أحد أقرب شركاء الميليشيات الشيعية في العراق، وابلاً من 30 صاروخ كاتيوشا على قاعدة في معسكر التاجي، على بعد 17 ميلاً شمال بغداد، مما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين.
وقد ردت القوات الأمريكية الخميس بضرب خمسة مواقع في العراق حيث تقوم كتائب حزب الله بتخزين الأسلحة، وفقًا للجنرال كينيث "فرانك" ماكنزي جونيور، قائد القيادة المركزية الأمريكية. وندد المسؤولون العراقيون بالهجمات زاعمين أن غارة واحدة أصابت مطار كربلاء المدني الذي يستخدمه الزوار الشيعة.
كان رد الولايات المتحدة استجابة محدودة لوفاة أمريكيين اثنين، بالنظر إلى قائمة الخيارات. حيث كان القادة الأمريكيون مستعدين لأمرٍ بضرب إيران مباشرة إذا قتل أمريكيون. لكن مثل هذه الضربة المباشرة على إيران من شأنها أن تكدر الأسواق المالية والنفطية التي كانت في حالة هبوط مستمر لمعظم هذا الأسبوع، وقد تفسر الرغبة في تجنب الاضطرابات الإضافية جزئياً حذر الولايات المتحدة النسبي.
هذا ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن تأثير كوفيد 19 كان شديدًا في إيران. ومن بين 429 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها رسميًا كان هناك أعضاء في البرلمان ومستشار للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وبحسب ما ورد، فإن العشرة آلاف شخص المصابين بالفيروس رسميًا كان من بينهم نائبان للرئيس ونائب وزير الصحة. بينما يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن السلطات الإيرانية اتخذت إجراءات صارمة في محاولة لحماية خامنئي.
وقد أدى الوباء إلى مزيد من الصدمة لبلد هزته بشدة الإدارة الأمريكية بقتلها سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه بدون صوت سليماني المهيمن، فقد ظهرت خصومات داخل المؤسسة الأمنية، حيث تتحدى كل من وزارة المخابرات وقادة الجيش، الحرس الثوري الإيراني ويضغطون من أجل تولي أدوار أكبر.
وشبّه أحد المسؤولين الأمريكيين مقتل سليماني بمقتل الجنرال راينهارد هيدريش خلال الحرب العالمية الثانية. وربما كان هيدريش قائد ألمانيا الأكثر فعالية والوحشي للغاية، والذي وصفه أدولف هتلر بأنه "الرجل ذو القلب الحديدي". ولم يعثر الألمان على بديلٍ له قط.
إذ يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنه بعد اغتيال سليماني، تحولت إيران من تهديد السعودية والإمارات وحلفاء أمريكيين آخرين في الخليج - نحو تحدي أمريكا مباشرةً. وهذه استراتيجية عالية المخاطر، ولكن هدف إيران على المدى الطويل هو إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، بدءًا بالعراق.
ويبدو أن القادة الأمريكيين مصممون على البقاء في العراق، على الرغم من تعليقات الرئيس ترامب في يناير بأنه مستعد للانسحاب. ويتوقع المسؤولون أن الولايات المتحدة قد تسحب قواتها بشكل قليل من 5000 إلى 3000، لكن مهمتها الرئيسية المتمثلة في تدريب وتقديم المشورة لخدمة النخبة العراقية لمكافحة الإرهاب ستستمر، مع قيام الولايات المتحدة بتركيب بطاريات صواريخ باتريوت في قاعدة الأسد الجوية واربيل لحماية القوات الأمريكية هناك.
ويُقال إن كبار القادة العراقيين، بما في ذلك المؤثر زعيم الميليشيا الشيعية هادي العامري، قد أشاروا بهدوء إلى واشنطن أنهم لن يعارضوا الوجود الأمريكي المستمر، على الرغم من تصويت البرلمان العراقي غير الملزم بأنه يجب أن تغادر القوات الأمريكية. لكن هذا القبول الهادئ يمكن أن يتغير إذا اشتدت حدة المواجهة.
تُراقب إيران السياسة الأمريكية بدقة، وسيكون العنصر المفاجئ في الأشهر المقبلة هو ما إذا كانت طهران قد تتخذ عمداً إجراءات من شأنها أن تزعزع استقرار الاقتصاد العالمي لدرجة أنها ستضر بآمال ترامب بإعادة الانتخاب وربما تؤدي إلى إدارة أمريكية جديدة وتخفيف للعقوبات. وسيكون هذا بمثابة استراتيجية "تغيير نظام" إيرانية، وهي واحدة من العديد من الشكوك المخيمة على الشرق الأوسط المتقلب باستمرار.
Volume 0%
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق