المملكة التي تبحث عن أدوار إقليمية ودولية لم يعد بمقدورها أن يظل قرارها مرتهنا لجهات متعددة تنظر إلى الأشياء بأمزجة ووفق علاقات وحسابات متناقضة.
الأحد 2020/03/08الرياض - بات خيار الإصلاحات الذي يقوده وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان واقعا ملموسا، وحدثت تغيرات عميقة في المجتمع لا يمكن التراجع عنها تحت أيّ مسوّغات أو ضغوط من مراكز النفوذ والمصالح ودوائر التشدد التي تحاول عرقلة تلك الإصلاحات بتغذية الخلافات داخل فروع العائلة في المملكة.
وقالت أوساط سعودية إن السعودية الجديدة، سعودية الإصلاح والانفتاح وتثبيت النفوذ الإقليمي والدولي، لم تعد تقبل العودة إلى فترة أفرع العائلة التي تتوزّع مؤسسات الحكم وتربك قرار المملكة، وأن المركزية الآن بيد الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ عهده الأمير محمد، وذلك في تعليق على تقارير بشأن توقيفات لشخصيات معروفة من الأسرة الحاكمة.
ورغم عدم تأكيد السعودية ما تم تداوله في وسائل إعلام غربية عن توقيفات شملت الأمير أحمد بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، إلا أن مصادر سعودية أكدت لوكالة رويترز التوقيفات وأشارت إلى أنها ذات طبيعة مختلفة عن تلك التي صاحبت توقيفات أمراء ورجال سياسة ومال ممن واجهوا تحقيقات تتعلق بقضايا مالية بالدرجة الأولى.
وصرحت أربعة مصادر لرويترز بأنه تم احتجاز الأمير أحمد بن عبدالعزيز والأمير محمد بن نايف في العملية الأخيرة. وقال مصدران، أحدهما من المنطقة، إن احتجاز الأمير محمد بن نايف وأخيه غير الشقيق نواف تم أثناء وجودهما في مخيم خاص بالصحراء الجمعة.
وذكر المصدر الإقليمي أن وليّ العهد “اتهمهم بإجراء اتصالات مع قوى أجنبية، منها الأميركيون وغيرهم، لتنفيذ انقلاب”.
وأضاف “عزز الأمير محمد بن سلمان بهذه الاعتقالات قبضته على السلطة بالكامل. انتهى الأمر بعملية التطهير هذه”، مشيرا إلى أنه لم يعد أمامه الآن أيّ منافسين يمكن أن يعترضوا على اعتلائه العرش. وصرح مصدر آخر بأن الأمراء متهمون “بالخيانة”.
وذكر المصدر الإقليمي أن الملك سلمان وافق على عملية الاحتجاز الأخيرة، وقال “وقّع الملك على أمر الاعتقالات”. وأضاف أن الملك يتمتع بحالة عقلية ونفسية جيدة.
وقالت المصادر إنّ أفرادا من الأسرة المالكة يسعون لتغيير ترتيب ولاية العرش ويعتبرون الأمير أحمد، شقيق الملك سلمان الأصغر وشقيقه الوحيد الباقي على قيد الحياة، خيارا ممكنا قد يحظى بدعم أفراد الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
ويعتقد متابعون للشأن السعودي أنّ ما يجري من ترتيبات أمر متوقع وكان سيجري الآن، أو في وقت قريب آخر، لأن المملكة التي تبحث عن أدوار إقليمية ودولية لم يعد بمقدورها أن يظل قرارها مرتهنا لجهات متعددة تنظر إلى الأشياء بأمزجة ووفق علاقات وحسابات متناقضة، ما يجعل من الصعوبة بمكان الخروج بموقف موحّد في ظل تطورات إقليمية تحتاج إلى الجرأة والحسم حتى تتمكن السعودية من لعب الدور الذي يليق بها.
وبعد أن تجاوزت الارتباك الناجم عن تعدد مراكز القرار، باتت السعودية تتحرك بأكثر قوة وفاعلية في القضايا الإقليمية مثلما بدا بشكل جليّ في الأزمة مع قطر، فضلا عمّا قطعته من خطوات لتطويق التمدد الإيراني.
تغييرات وإصلاحات تلقى قبولا من الشباب السعودي
وأشار هؤلاء إلى أن إصلاحات وليّ العهد، رغم العوائق والاعتراضات التي تقابلها، باتت تلقى تفاعلا كبيرا في الداخل والخارج، خاصة مع التحديات الكبرى التي حددها من خلال رؤية 2030، وهذا ما يدفع بعض مراكز النفوذ التقليدية، في مسعى للدفاع عن مصالحها، إلى الاستنجاد ببعض المعارف داخل أفرع العائلة الحاكمة، ومحاولة تغذية الصراع على الحكم داخلها، وقد تجد بعض الاستجابات، ولكنها لم تعد مؤثّرة.
ورغم اعتراض بعض الأسماء البارزة مثل الأمير أحمد بن عبدالعزيز والأمير نايف، يحظى الأمير محمد بن سلمان بتأييد قوي من شخصيات داخل أسرة آل سعود التي تضم قرابة عشرة آلاف فرد. كما يتمتع بدعم شعبي خصوصا في قطاع الشباب بعد نجاحه في قطع خطوات كبيرة نحو الانفتاح ومقاومة المتشددين.
ومنذ تسلمه ولاية العهد تمكّن الأمير محمد بن سلمان من تقليص نفوذ الشرطة الدينية في المملكة، وإعادة الحفلات الموسيقية إلى العاصمة الرياض ومدن أخرى، وفتح دور السينما من جديد، متعهدا باعتماد إسلام معتدل قريب من حياة الناس.
ويعرف السعوديون أن حملات التشويه ضد خيارات وليّ العهد تقف وراءها دوائر متشددة، خاصة من الجماعات التي حظرتها السعودية بالقانون وصنفتها كيانات إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيمي القاعدة وداعش، وذلك لأن قرارات الأمير محمد بن سلمان سحبت من تحت أقدامها أهم الأوراق التي كانت تسطير بها على القرار السعودي تحت جبة الفتاوى، مثل المنابر الدينية والتعليمية والإعلامية، فضلا عن شبكات التمويل والتبرعات التي تم تنظيمها وإصدار قوانين صارمة بشأن التمويلات التي تذهب إلى جهات مشبوهة في الداخل والخارج.
وتركز وسائل إعلام غربية على قضيتين هما مقتل الصحافي جمال خاشقجي وحرب اليمن في محاولتها النيل من سمعة وليّ العهد السعودي، لكنّ مراقبين يرون أن هذين الملفين ليسا سوى ورقة ضغط على السعودية بسبب عزمها على التحول إلى قوة إقليمية ودولية وبناء علاقات خارجية على قاعدة تبادل المصالح، فضلا عن قطعها مع الرضوخ للابتزاز الذي دأبت عليه بعض المنظمات ووسائل الإعلام التي تتخفى وراء مقولات حقوق الإنسان ومهاجمة قضايا التطرف وأوضاع المرأة، وهي مرحلة قطعت معها السعودية الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق