عادة اختراع القضية الفلسطينية! // بقلم : حازم صاغية

. . ليست هناك تعليقات:


«صفقة القرن» تستحقّ الهجاء الذي نالها وأكثر: تنكّرٌ للحقّ والعدل. دعم زعيم لزعيم، والاثنان تسائلهما المحاكمات، وتنتظرهما الانتخابات. بتّ المسألة كأنّها مسألة عقاريّة. تغييب «الشريك» الفلسطينيّ. ضعف الغطاء الدوليّ... إذن فشلٌ مُرجّح.


هذا كلّه لا يقلّل من خطورة «الصفقة» كسابقة في شرعنة الأمر الواقع. مجرّد صدورها يهبط بالسقف إلى الأدنى، ويعلن عن رغبة، قد تكبر، في طي هذا الصراع بأي ثمن، أو بالأحرى، بلا ثمن.

لكنّ «الصفقة» لم تهبط من عدم، ولا هي نتاج تآمر هنا وخيانة هناك. ثمّة تاريخ يمتدّ على مدى قرن من الصراع تغيّر فيه العالم العربي كثيراً، وتغيّر العالم أكثر.  


أمّا الفلسطينيّون فعملت الأكثريّة الساحقة من تلك التغيّرات ضدّهم: اجتمع سوء الحظّ وسوء السياسة وضعف الموقع التفاوضي، ليجعل هذا القرن قرناً من الهزائم.

وللأمانة، لم يترك الفلسطينيّون شيئاً إلاّ فعلوه على مدى القرن. الصالح جُرّب والطالح جُرّب. النتائج لم تتغيّر.

في 1936 قاتلوا كعائلات وحمولات. بين 1967 و1982 قاتلوا كتنظيمات وفصائل. بعد 1993 قاتلوا كسلطة. قاتلوا إبّان الحرب الباردة وقبلها وبعدها. من الأراضي المحتلّة قاتلوا بما أتاحته انتفاضتان، سلميّة وعنفيّة، وقاتلوا من الخارج العابر للحدود. قاتلوا مدعومين من السوفيات والصينيّين، لكنّهم أيضاً سالموا مدعومين من الأميركيّين والأوروبيّين. مارسوا السلام المتصلّب مرموزاً إليه بعرفات، والسلام المتراخي مرموزاً إليه بعبّاس، والسلام عبر المدخل الاقتصادي لفيّاض. قادهم في الحرب والسلم طرف «يمينيّ» هو «فتح»، وفي الحرب تحديداً ساهمت في قيادتهم أطراف «يساريّة» كالجبهتين الشعبيّة والديمقراطيّة، وأخرى إسلاميّة كـ«حماس» و«الجهاد».

 اعتمدوا «حرب الشعب طويلة الأمد»، واعتمدوا خطف الطائرات قصير الأمد، وجذبتهم تجارب تمتدّ من غيفارا إلى مانديلا، ووسّعوا صفوفهم لأفراد ككارلوس ولمنظّمات ثوريّة وإرهابيّة من أبعد أطراف العالم، كما لأفراد باسيفيّين مُحبّين لأي سلام ومناهضين لكلّ حرب. انفتحوا على يهود معادين للصهيونيّة وضمّوا حاخاماً منهم إلى مجلسهم الوطنيّ، وأتاحوا لأصوات لاساميّة أن تنمو في مناخ ثورتهم. 

وفي هذه الغضون، تحالفوا مع أنظمة عربيّة محافظة، ومع أخرى عسكريّة وانقلابيّة، ومع إيران. بعضهم، كجبهة «القيادة العامّة» وقبلها «الصاعقة»، كان امتداداً للنظام السوريّ، وبعضهم، كـ«جبهة التحرير العربيّة»، كان امتداداً للنظام العراقي في عهد صدّام، والبعض الأكبر الذي عبّرت عنه «فتح» تمسّك بـ«القرار الوطني المستقلّ»، ما كلّف الفلسطينيّين غالياً على يد حافظ الأسد. وعلى مدى تلك السنوات، عملوا في ظلّ شعار «عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة» للبلدان العربيّة، وفي ظلّ شعارات كـ«كلّ السلطة للمقاومة» التي كلّلت حربين أهليّتين في الأردن ولبنان.

والعرب أيضاً، وفي حدود إسهامهم، شاركوا في تقلّب التجارب، وزادوها تقلّباً، وغالباً ما ضاعفوا مرارتها. حاربوا إسرائيل كأنظمة محافظة وكأنظمة عسكريّة. حاربوها كحلفاء للغرب وكحلفاء للسوفيات. حصل ذلك في 1948 و1967 و1973، بسبعة جيوش ثمّ بثلاثة ثمّ بجيشين، قبل أن تنحصر الحروب، منذ 1982، بلبنان والضفّة وغزّة.

هذا المسار التاريخيّ، بتناقضاته وهزائمه، صار يستدعي إعادة تعريف، أو إعادة اختراع، للقضيّة الفلسطينيّة. الوضوح بات مفقوداً، والجاذبيّة باتت ضعيفة.

فاليوم، مثلاً، تُسمع من البيئة الفلسطينيّة أربعة أصوات: نريد أراضي تقسيم 1947. نريد أراضي 1948. نريد أراضي 1967. نريد أراضي أوسلو في 1993.

أيضاً، لم يعد مفهوماً تماماً هل القضيّة وطنيّة فلسطينيّة، أم قوميّة عربيّة، أم إسلاميّة تحتلّ الصلاة في القدس موقع القلب منها، أم كلّ هذه معاً؟ وهل هي قضيّة سياسيّة يجوز تعريضها للسؤال كما يجوز فيها الاختلاف، ومن السؤال والاختلاف تنبثق الأفكار، أم أنّها قضيّة مقدّسة لا يجوز عليها السؤال ولا يجوز فيها الاختلاف، بحيث تتعفّن ويُترك أمرها لحكّام مُرائين يستثمرون في قداستها.

ومن ثمّ، هل الثورات العربيّة مفيدة للقضيّة الفلسطينيّة ومكمّلة لها، أم أنّها تنافسها وتضرّ بها؟
وأخيراً، هل «صفقة القرن» نفسها نكبة كبرى تحاول تكريس ما انتهت إليه حرب 67 في أسوأ تأويلاته، أم أنّها فرصة لتفجير طاقة ثوريّة لا يوجد دليل عليها، لا بين الفلسطينيّين، ولا بين سائر العرب المشغولين بهمومهم الفائضة؟

إعادة اختراع المسألة بات مطلوباً بإلحاح، وأوّل العمليّة نبذ الكلام القديم والمكرور، في السياسة والأدب والإعلام، والبحث تالياً عن كلام جديد، ولا بأس بأن نقول: كلام صادم ومفاجئ. وإعادة الاختراع تمرّ حتماً باستبعاد تلخيص الموضوع، وتجنّب البحث عمّا سماه الكاتب الفلسطيني حسن خضر «كبش المحرقة». فعبّاس و«حماس» وأوسلو والمقاومة وسواهم، ومَن قبلهم ومَن بعدهم...، كلّهم أسهموا فيما وصلنا إليه، لكنْ ما من طرف وحيد فعل هذا كلّه. تحميل طرف بعينه هو عودة، من طريق التفافيّة، إلى منطق الحرب الأهليّة.

السلطة سيّئة؟ نعم، لكنْ ماذا عن «حماس»؟ «حماس» سيّئة؟ نعم، لكن ماذا عن السلطة؟ الطرفان سيّئان؟ إذن ما البديل؟ مقاومة؟ بأي مجتمع واقتصاد ومعنويّات وإرادة؟

يقول البعض: «الأمّة في مواجهة الصفقة». لكنْ أين «الأمّة»؟ في إدلب؟

* نقلا عن "الشرق الأوسط"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا