هواجس البيئة قلصت استثمارات القطاع وسط انقلاب صارخ في مسار صناعة النفط الصخري في أكبر منتج للخام في العالم.
نشاط مكلف يمتص الأرباح
الخميس 2020/01/30
يقترب خبراء الطاقة من حالة إجماع غير مسبوقة على أن أحلام ثورة النفط الصخري بدأت بالتبخر، وأنها بدأت تفقد قوة الدفع الكبيرة، التي مكنتها من تحقيق قفزات قياسية طيلة سنوات، في ظل عزوف المستثمرين بسبب هوامش الأرباح، حتى في حال ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة، إضافة إلى الهواجس البيئية التي تضغط على الشركات المنتجة.
لندن- تزايدت المؤشرات على أن فقاعة النفط والغاز الصخري تتجه للانفجار بعد تراكم البيانات، التي تؤكد هشاشة القوات التي استندت إليها طوال العقد الماضي.
وتشير أحدث البيانات إلى ترجيح تباطؤ نمو إنتاج النفط الأميركي بشكل كبير خلال العام الحالي في أفضل الأحوال. بل إنها لا تستبعد توقف النمو واستقرار الإنتاج عند مستوياته الحالية قبل أن يبدأ في الانخفاض في السنوات المقبلة.
ويعد ذلك التحول انقلابا صارخا في مسار صناعة النفط الصخري في أكبر منتج للخام في العالم، والتي شهدت نموا جامحا في السنوات الماضية.
ويتوقع معظم المحللين اليوم أن تؤدي تخفيضات في الإنفاق وتراجعات في مستويات الإنتاج في حقول النفط الصخري إلى انحسار معدلات نمو إنتاج الولايات المتحدة من الوتيرة السريعة في العام الماضي، والتي دفعت الإنتاج المحلي إلى تجاوز مستوى 13 مليون برميل يوميا.
وتشير توقعات بعض الخبراء إلى أن نمو الإنتاج خلال العام الحالي سوف يتباطأ وربما لا يرتفع بأكثر من 100 ألف برميل يوميا فقط.
وكانت ثورة إنتاج النفط الصخري على مدار السنوات العشر الماضية، قد نقلت الولايات المتحدة من أكبر مستورد للنفط إلى أكبر منتج للخام في العالم، لتتحول بذلك إلى قوة مؤثرة في صادرات الطاقة.
لكن البيانات المتراكمة بدأت تظهر حجم المصاعب المالية التي واجهتها، وأن الأرقام لا تدعم الصورة الحماسية البراقة لتلك الصناعة، والتي لم تترجَم حتى الآن إلى زيادة في أسعار أسهم الشركات المنتجة.
نمو جامح استمر 10 سنوات لكنه لم يترجم إلى عائدات وأدى إلى توقف تدفق الاستثمارات إلى صناعة النفط الصخري
وتؤكد الحقيقة الصادمة أن أسهم قطاع الطاقة الأميركي على المؤشر ستاندرد آند بورز 500 لم تربح سوى 6 في المئة على مدار السنوات العشر، وهو ما يقل بفارق شاسع عن العائد المسجل في مجمل المؤشر، والذي يصل إلى 180 بالمئة.
وتظهر البيانات أن النمو الجامح الذي استمر لعقد من الزمن، أخفق بشكل كبير في دعم الأرباح، الأمر الذي بدد أحلام المستثمرين ودفعهم إلى التوقف عن ضخ أموالهم ومواصلة مطاردة أحلام هذه الصناعة.
كما تعرضت صناعة النفط الصخري إلى ضغوط كبيرة في السنوات الماضية بفعل حرب أسعار من منظمة أوبك بدأت في عام 2014، مما دفع أسعار الخام الأميركي في إحدى المراحل إلى ما دون الثلاثين دولارا للبرميل.
وتباطأ الإنتاج مؤقتا بفعل تلك المواجهة، لكنه تسارع مرة أخرى قرب نهاية العقد، بعد أن تمكنت الشركات من خفض التكاليف بدرجة كبيرة وأصبحت أكثر كفاءة.
لكن تلك الصناعة فقدت قوة الدفع ولم تعد قادرة على مواصلة طريق زيادة الإنتاج حتى في ظل أسعار أعلى، بسبب امتناع المستثمرين عن ضخ أموالهم نتيجة اليأس من ضيق هوامش الأرباح.
وفي الوقت الحالي، يتوقع محللون أن يبلغ متوسط سعر الخام الأميركي الخفيف نحو 58 دولارا للبرميل خلال العام الحالي، وهو ما يمثل تراجعا طفيفا عن المستويات المتداولة في الأسواق حاليا.
وحتى إذا ظلت أسعار النفط فوق حاجز 60 دولارا للبرميل خلال العام الحالي، فإن المحللين يقولون إنها لن تثير فورة جديدة في الإنتاج بسبب ضغوط العوائد المنخفضة.
وعلى الرغم من صعود أسعار الخام الأميركي وأسعار النفط العالمية بنسبة 26 بالمئة خلال العام الماضي، فإن مؤشر أسهم شركات الطاقة المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لم يرتفع سوى بأقل من ثمانية بالمئة في عام 2019.
وتشير الآفاق المستقبلية إلى ضغوط جانبية متزايدة من المستهلكين بسبب الهواجس البيئية، التي تتزايد بشكل كبير، وتدفع جانبا من المستهلكين والمستثمرين إلى الابتعاد عن الشركات الملوثة للبيئة.
ولا يختلف الأمر في البلدان الأخرى المنتجة للنفط الصخري مثل كندا، التي تتصاعد فيها الانتقادات لمشاريع إنتاج النفط من الرمل الزيتي، والتي أدت إلى تجريف مساحات شاسعة من البلاد.
ويعتقد راؤول لابلانك، محلل الطاقة لدى آي.أتش.أس ماركت للأبحاث والاستشارات أن ظاهرة النمو السريع انتهت فعليا “بل إن إنتاج النفط من الصخر الزيتي ينخفض بسرعة من معظم الحقول، وهو ما يعني أنها تتطلب حفرا متواصلا ومكلفا للحفاظ على مستويات الإنتاج ثابتة”.
وتقول السلطات التنظيمية لقطاع الطاقة في ولاية تكساس الأميركية حيث يقع حوض بيرميان العملاق للنفط الصخري، إن شهر نوفمبر الماضي شهد تقليص خطط وضع اللمسات الأخيرة لتهيئة حقل جديد بنسبة 16 بالمئة.
وتشير بيانات موقع لنكدان إن التوظيف في حوض بيرميان انخفض بشكل حاد في أواخر العام الماضي.
وأكد ارتيم أبراموف، رئيس أبحاث النفط الصخري في شركة ريستاد لاستشارات الطاقة أنه مع انحسار النظرة المستقبلية لآفاق النفط الصخري فإن منتجي النفط الوحيدين الذين يحافظون على معدلات نمو سنوية عند ما يقارب 40 بالمئة، هم شركتا اكسون موبيل وشيفرون وبعض الشركات الخاصة.
وأشارت مذكرة لمصرف مورغن ستانلي في أوائل ديسمبر الماضي إلى أن إنتاج شركات النفط الصخري المدرجة في أسواق المال لم يرتفع خلال الاثني عشر شهرا المنتهية في سبتمبر الماضي سوى بنحو 460 ألف برميل يوميا مقارنة بنحو 1.3 مليون برميل يوميا في الفترة المماثلة السابقة.
وتؤكد جميع خلاصات البيانات أن الهامش الضئيل للأرباح وضغوط الهواجس البيئية لن يسمحا بضخ الاستثمارات التي تحتاجها صناعة النفط الصخري لمواصلة النمو، بل إنها قد لا تكفي للمحافظة على الإنتاج في مستوياته الحالية، حتى إذا ارتفعت الأسعار بشكل كبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق