طرابلس - تتحرك مصر في اتجاهات مختلفة للوقوف بوجه التدخل التركي في ليبيا الذي يهدد أمنها القومي وأمن دول الجوار الليبي ككل، في وقت تؤكد فيه تقارير مختلفة إرسال أنقرة مقاتلين موالين لها من سوريا إلى ليبيا ما يؤكد نوايا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في التدخل المباشر بليبيا رغم محاذير الغضب الإقليمي والدولي وخاصة الاصطدام بالنفوذ الروسي.
وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالات مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي، الخميس، لحشد تكتل دولي معارض للتدخل التركي.
وتميل الدبلوماسية المصرية إلى التحرك بشكل جماعي من خلال التنسيق مع قوى إقليمية ودولية للتصدي لممارسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يوسف العقوري: التصعيد التركي في ليبيا خطير وستكون له عواقب وخيمة على المنطقة
إلا أن مصادر دبلوماسية عربية عبرت عن استغرابها من عدم تقدير القيادة المصرية لجدية تحرك أردوغان في ليبيا باعتبارها جزءا من الأمن الإقليمي المصري.
وقالت المصادر في تصريح لـ”العرب” إن الاتصالات الهاتفية التي أجراها السيسي مع زعماء القوى الكبرى غير كافية، ولا يمكن لها أن تثني أردوغان عن عزمه نشر قوات تركية في ليبيا. مطالبة بموقف أكثر حزما يعي التغيرات في فضاء المتوسط.
وأوضح رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، العميد خالد عكاشة، أن القاهرة تحاول استعادة التنسيق المفقود مع كل من تونس والجزائر، والأخيرة أحد الأطراف الفاعلة التي تعوّل عليها مصر لبناء موقف موحد لدول الجوار من هذا التدخل، وإشراك أطراف أفريقية، مثل تشاد ومالي لتشكيل محور عربي – أفريقي بوجه التدخل التركي.
ويشير المراقبون إلى أن دور جوار ليبيا يكاد يكون منعدما، وأن المنظومة المشكلة لهذا الغرض عاجزة عن مواصلة عقد اجتماعاتها، ما منح أنقرة فرصة لتدخل سافر.
واستبعدوا أن تقوم مصر بتدخل عسكري فردي على الأرض، إلا إذا كان ذلك في سياق جماعي، لأن تحركات تركيا مثلما تهدد الأمن القومي المصري، فهي تمثل تهديدا كبيرا لدول جنوب المتوسط، التي عليها التحرك لحماية مصالحها، وأن القاهرة ليست مستعدة للعب دور شرطي المنطقة في مواجهة التمدد التركي.
لكن العميد خالد عكاشة، لم يستبعد “لجوء مصر إلى العمل العسكري المباشر عند الضرورة للدفاع عن أمنها القومي، وأنه ضمن الخيارات المطروحة على الطاولة، لكنه سيأتي بعد استنفاد جميع التحركات التي تسير باتجاه البحث عن حل سياسي للأزمة أولا”.
وتعتقد أوساط مصرية مطّلعة أن القاهرة لا تراهن على دور فعال للولايات المتحدة في الضغط على أردوغان لمنع إرسال قوات تركية على الأرض، وأن لديها شكوكا في أن الرئيس التركي قد يكون تلقى “ضوءا أخضر من الولايات المتحدة للتصعيد في ليبيا، ما جعل تحركات واشنطن تبدو بطيئة، بينما تتسارع خطوات أردوغان مصبوغة بقدر عال من الثقة”.
لكنّ متابعين للشأن الليبي استبعدوا أيّ تنسيق مسبق بين أنقرة وواشنطن بشأن التدخل التركي، معتبرين أن إرسال قوات إلى طرابلس يأتي ضمن سياسيات أردوغان الهادفة إلى توسيع دائرة النفوذ التركي في المتوسط، وأنه يستفيد من لامبالاة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي باتت استراتيجيتها تكتفي فقط بمنع تورط القوات الأميركية في النزاعات ولا تراعي مصالح حلفائها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
واعتبر المتابعون أن رهان القاهرة على وقف التدخل التركي، هو بدرجة أولى على موقف روسيا التي لم تعد تخفي انزعاجها من النوايا التركية في ليبيا، وهو ما عكسته تصريحات مسؤولين روس، وكذلك الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن القومي الروسي، الجمعة، برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين، حول الأزمة الليبية.
مقاتلون سوريون في خدمة أجندة أردوغان
وذكر بيان للكرملين أن المشاركين في الاجتماع “أكدوا على ضرورة دعم جهود المجتمع الدولي المتعلقة بحل المسألة الليبية”، وهو ما يؤشر إلى فشل جلسات الحوار مع الوفد التركي الذي يزور روسيا منذ أيام بشأن تقريب وجهات النظر بين موسكو وأنقرة حول الملفين السوري والليبي.
ولم تخف إيطاليا انزعاجها من التدخل التركي الذي قد يضع يد أنقرة على المكاسب التي حققتها روما من خلال وقوفها وراء حكومة الوفاق ومساعيها الداعمة لمؤتمر برلين وخروجها بحل توافقي بين طرفي الأزمة الليبية.
ووصفت نائبة وزير الخارجية الإيطالي، مارينا سيريني الوضع في ليبيا بأنه “لا يزال مقلقًا للغاية”. وقالت إن هناك حاجة ملحّة لمنع تدخل الجهات الخارجية الفاعلة في الأزمة الليبية.
وأشارت سيريني، في تصريحات صحافية نقلتها وكالة آكي الإيطالية، الجمعة، إلى أن ليبيا تمثل بالنسبة إلى بلادها “الملف الدولي الرئيسي”. وأضافت “نحن البلد الأكثر اهتمامًا بمنع مزيد من زعزعة الاستقرار وتدهور الوضع الأمني هناك”.
مارينا سريني: هناك حاجة ملحة لمنع تدخل الجهات الخارجية في الأزمة الليبية
ورغم مخاطر الصدام مع الأجندة الروسية والإيطالية في ليبيا، نقلت وكالة الأناضول الرسمية التركية، الجمعة، عن مصادر عسكرية أن القوات المسلحة التركية مستعدة للتوجه إلى ليبيا والقيام بمهامها، حال تلقيها التعليمات.
وطلبت حكومة الوفاق رسميا من تركيا الحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري لمواجهة الجيش الليبي الذي يشن عملية عسكرية لإبعاد الميليشيات المسلحة عن طرابلس.
وقال مسؤولون كبار في تركيا وليبيا، إن مجموعات تركمانية متمردة تدعمها أنقرة في سوريا سوف تنضم قريبا إلى قوات حكومة الوفاق للقتال ضد قوات الجيش الليبي.
وذكرت وكالة بلومبرغ، الجمعة، نقلا عن مسؤول بحكومة الوفاق، أن الحكومة عارضت في البداية فكرة مثل هذا الانتشار لكنها قبلته في النهاية مع تقدم قوات الجيش الليبي نحو طرابلس.
وقال مسؤول آخر بالحكومة إن الدعم جاء مما يطلق عليه لواء السلطان مراد السوري، وهو مجموعة متمردة، لن ينظر إليها على أنها نشر رسمي لـ”قوات تركية”.
من جهة أخرى، قال مسؤول تركي إن بلاده قد ترسل أيضا قواتها البحرية لحماية طرابلس، في حين تقوم قوات تركية بتدريب وتنسيق أنشطة قوات رئيس حكومة الوفاق.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، الخميس، أن الفصائل المسلحة الموالية لتركيا افتتحت مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
جاءت هذه الأنباء في ظل معلومات حصلت عليها “العرب”، قالت إن تركيا تنوي تجهيز شركة أمنية، على غرار فاغنر لتنظيم عملية توريد المقاتلين إلى ليبيا، لتهيئة المجال لإنزال قواتها النظامية على الأرض عند اللزوم.
وتساءلت أوساط ليبية عن اختفاء رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في الأيام الأخيرة وتوقفه عن أي نشاط داخلي أو خارجي في وقت يفترض أن يكون في الواجهة ويحدد مواقف حكومته من التدخل التركي وتداعياته خاصة في تدويل معركة طرابلس ودفع المدنيين لدفع ضريبة الحرب، بدل ترك الأمور لوزير الداخلية فتحي باشاغا الذي بدا وكأنه الرجل الأول والحاكم الفعلي وليس السراج.
أين اختفى
وتراهن القاهرة في تحركها الدبلوماسي على دور فعّال للبرلمان الليبي باعتباره يكتسب شرعية شعبية ودستورية أكبر من حكومة الوفاق.
وأعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، يوسف العقوري، أن قرار استرجاع طرابلس التي تسيطر عليها ميليشيات مسلحة، “سيادي لمجلس النواب والقيادة العامة للجيش، ونرفض التدخل السافر في شؤوننا الداخلية.. والبرلمان يعمل على اتخاذ إجراءات عدة لردع أيّ تحرك عسكري ضد بلادنا”.
وقال العقوري في تصريح لـ”العرب” إن “التصعيد التركي خطير وستكون له عواقب وخيمة على المنطقة بالكامل، وأنقرة تدعم الإرهاب والكتائب المسلحة لوضع أقدامها في ليبيا”.
واستهدف سلاح الجو التابع للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الجمعة، تمركزات تابعة للجماعات المسلحة بمحيط مصفاة الزاوية شمال غربي البلاد.
ورجحت مصادر سياسية لـ”العرب”، أن يقوم البرلمان الليبي بمناشدة مجلس الأمن بسحب الاعتراف من حكومة السراج “لإخلالها بواجباتها”، والتلويح بتفعيل دور الجامعة العربية، وحضها على بحث مسألة إرسال قوات عسكرية لردع الخطوات التركية.
إقرأ أيضاً:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق