الجزائر والعسكر // خيرالله خيرالله

. . ليست هناك تعليقات:



الانتخابات الرئاسية امتحان للمؤسسة العسكرية التي استجابت للمطالب الشعبية ولكن من دون ان تستجيب لها.

الأربعاء 2019/12/11


فيتو شعبي


ليس سرّا ان مؤسسة الجيش في الجزائر ما زالت تحتكر السلطة. جاءت المؤسسة العسكرية بعبدالعزيز بوتفليقة رئيسا في العام 1999 وازاحته في العام 2019 لحؤول دون توليه ولاية رئاسية خامسة. حصل ذلك في ظلّ حراك شعبي مستمر منذ ما يزيد على أربعين أسبوعا.



لا يمتلك هذا الحراك مطالب محددة بمقدار ما انّه يسعى الى تغيير طبيعة النظام الجزائري، وهو نظام اسّسه هواري بومدين في العام 1965 عندما انقلب على الرئيس احمد بن بله، اوّل رئيس جزائري بعد الاستقلال. لم يكن بن بله عبقريا، بل كان اقرب شيء الى سياسي ساذج يتخذ قرارات ارتجالية. في المقابل، كان بومدين ذا خلفية عسكرية وكان مأخوذا بالانظمة الاشتراكية وبوهم لعب دور على الصعيدين العربي والافريقي وفي العالم الثالث عموما. منذ 1965 والى اليوم ما زالت الجزائر أسيرة العسكر.

ليست الانتخابات المقرر ان تجري في الثاني عشر من كانون الاوّل – ديسمبر الجاري سوى امتحان للمؤسسة العسكرية التي استجابت للمطالب الشعبية ولكن من دون ان تستجيب لها. تخلّصت من بوتفليقة والمجموعة الفاسدة المحيطة به التي كانت تحكم الجزائر من العام 2013 لدى إصابة الرئيس الجزائري بجلطة دماغية جعلت منه رجلا مقعدا عاجزا عن التحدث الى شعبه.

هناك دائما خيارات محدّدة للمؤسسة العسكرية الجزائرية التي تريد بوضوح رئيسا جديدا ينتمي الى طبقة سياسية معروفة. مثل هذا الرئيس، الذي يعرف حدود سلطته، سيكون افضل واجهة مدنية لها. هذا هو الدور المطلوب من رئيس الجمهورية الجديد، وهو دور رفض بوتفليقة تأديته بسبب شعوره بامتلاك شرعية تاريخية مستمّدة من كونه الشخص الأقرب لهواري بومدين. الى ذلك، كان لدى بوتفليقة حساب يريد تصفيته مع الجيش الذي حرمه من الرئاسة في بداية العام 1979 بعيد وفاة بومدين. اختار الجيش وقتذاك العقيد الشاذلي بن جديد، اقدم الضباط الذين يحملون رتبة عقيد، لتولي الرئاسة مستبعدا بوتفليقة ومحمد صالح يحياوي الذي كان يمثل الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني).

منذ اختيار الشاذلي بن جديد رئيسا لم يتغيّر شيء في الجزائر. لا يزال الجيش السلطة الحقيقية في البلد ولا يزال مصرّا على ان يكون صاحب الكلمة الاولى والأخيرة عندما يتعلّق الامر بمستقبل البلد. هذا ما لم يفهمه بوتفليقة عندما فشل في ان يكون رئيسا في 1979 وبعدما اصبح رئيسا في 1999. ففي 1979، كان هناك قاصدي مرباح مدير جهاز الامن العسكري الذي اصطدم بوزير الخارجية عبدالعزيز بوتفليقة في مرحلة كان لا يزال فيها هواري بومدين رئيسا يمارس صلاحياته المطلقة. اصرّ مرباح في تلك المرحلة، حسب رواية خالد نزار وزير الدفاع السابق الذي يقيم حاليا في المنفى، على تعيين ضابط من جهازه في السفارات الجزائرية المهمّة. رفض بوتفليقة ذلك لعلمه ان ضابطا من الامن العسكري في أي سفارة سيكون اهمّ من السفير. ولدى الاحتكام الى بومدين، اعطى الرئيس الجزائري وقتذاك الحقّ لبوتفليقة داعما موقفه. اثار ذلك حقدا لدى مرباح ما لبث ان فجّره لدى البحث عن خليفة لبومدين.

في كلّ المراحل التي مرّت فيها الجزائر منذ الاستقلال في العام 1962، اعتبرت المؤسسة العسكرية نفسها وصيّة على البلد. لا شكّ ان للمؤسسة العسكرية ايجابيات كثيرة، بما في ذلك منع الجزائر من التفكّك في اثناء ما يسمّى "سنوات الجمر" بين 1998 و1998. كانت تلك السنوات سنوات حرب أهلية بدأت بانتفاضة شعبية على حكم الشاذلي بن جديد في خريف 1988 ما لبثت ان تحوّلت الى عصيان تقوده عصابات تنتمي الى مجموعات دينية متطرّفة رفعت رايات الإسلام، في حين انّها لا تعرف شيئا عن حقيقة الدين الحنيف وتعاليمه. على العكس من ذلك كانت هذه الجماعات التي ولدت من رحم الاخوان المسلمين مجرد مجموعات إرهابية ارادت وضع يدها على مؤسسات الدولة. وقفت المؤسسة العسكرية حاجزا في وجه الإرهاب وحمت الجمهورية الجزائرية التي عادت الاوضاع فيها الى شبه طبيعية بعد انتخاب بوتفليقة رئيسا في 1999.

ما يندرج في سلبيات المؤسسة العسكرية الجزائرية انّها لم تتحمّل يوما، قبل انتخاب بوتفليقة رئيسا، رئيسا قويّا يمتلك شرعية تاريخية مثل محمّد بوضياف الذي اغتيل في ظروف غامضة في العام 1992 بعد خلافته الشاذلي بن جديد الذي وجد نفسه مجبرا على الاستقالة نتيجة اكتساح مرشحي الإسلاميين الانتخابات البلدية.

ما يندرج في سلبيات المؤسسة العسكرية أيضا تغطيتها لنظام فاسد وعجزها عن التغيير في ارث هواري بومدين الذي فشل في كلّ ما يسمّى "الثورات" التي نادى بها بدءا بالتعريب وصولا الى "الثورة الزراعية"، مرورا بـ"الثورة الصناعية" التي كانت اقرب الى نكتة من ايّ شيء آخر. استطاعت الجزائر بناء مصانع كبيرة تنتج الصلب، لكنها لم تفكر في الأسواق التي ستستوعب انتاج تلك المصانع التي وجدت نفسها عديمة الفائدة يأكلها الصدأ في نهاية المطاف.

لا حاجة الى تعداد كلّ المساوئ التي غطتها المؤسسة العسكرية، بما في ذلك المشاركة في الفساد ومنع أي تطوير للنظام الاقتصادي الذي حرم البلد من ثرواته وجعله اسير أسعار النفط والغاز واسير عقدة وهم الدور الإقليمي. جعل هذا الدور الجزائر تدعم جبهة تسمّى "بوليساريو" لا فائدة تذكر منها سوى انّها تسعى الى خلق مشاكل للمغرب والتغطية على الدور الجزائري في اثارة قضية مصطنعة اسمها الصحراء المغربية التي هي جزء لا يتجزّأ من المغرب.

مع اقتراب السنة 2019 من نهايتها، ليس امام المؤسسة العسكرية الجزائرية سوى ان تتغيّر. لا يكفي التخلص من الجنرال محمد مدين (توفيق) الذي تحكّم طويلا بالأجهزة الأمنية وتقديمه الى المحاكمة كي تقول هذه المؤسسة انّها استجابت للمطالب الشعبية.

سينتخب الجزائريون رئيسا جديدا غدا الخميس. هل ذلك يكفي ليدخل البلد عهدا جديدا مختلفا؟ لا شكّ ان المؤسسة العسكرية ما زالت ضمانة للاستقرار، لكنّ هناك ما هو ابعد من ذلك بكثير في حال كان الضباط الجزائريون يريدون رؤية ما هو ابعد من انوفهم. هناك بلد في حاجة الى إصلاحات في العمق، إصلاحات تأخذ في الاعتبار طموحات الشباب الجزائري من جهة والحاجة الى التخلّص من عقد كثيرة. في مقدّم تلك العقد وهم الدور الإقليمي وان في الإمكان العيش الى ما لا نهاية من مدخول النفط والغاز. هل في استطاعة المؤسسة العسكرية مواجهة هذا النوع من التحديات القديمة – الجديدة في الوقت ذاته، والتي عمرها من عمر الاستقلال.


خيرالله خيرالله



مقالات سابقة
الحرب العراقية – الايرانية المستمرة
"عهد حزب الله" شبه انتهى
العراق ولبنان
اهمّية عدن
قبل دعوة العرب الى مساعدة لبنانخيرالله خيرالله







مقالات ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا