تتوالى عمليات انكشاف الفساد المالي لدى مرجعيات من مختلف الأديان والمذاهب. وتشابهت القضايا مع تنوع كهنة الدين وأتباعهم الملتحين، المتدثرين بمظاهر التقوى. ومؤخراً، بعد تسليط الضوء على تجاوزات المنظومتين الوقفيتين الشيعية والسنية في العراق، جاءت حكاية الأسقف المصري القبطي الأنبا دانيال، في مدينة سيدني الأسترالية. وفي مصر، كانت هناك من قديم، مرجعيات دينية غير رسمية، حزبية أو فقهية، توفر التغطية تحت عناوين الاستشارة والفتوى. وطوال تاريخ جماعة “الإخوان” كانت هناك حكايات وملاسنات كثيرة، حول وقائع فساد، لم تنته فصولاً حتى الآن، ومسرحها الأخير تركيا وما نشر عنها، بأقلام منتسبي الجماعة أنفسهم، ولم تتدخل فيه أنظمة حكم ولا مخابرات. فقد خاض مؤسس الجماعة في أربعينات القرن الماضي، أكثر من معركة للدفاع عن ذمته المالية، وبعضها كان يؤدي إلى انشقاقات. ولفلسطين وذريعة عون شعبها نصيب معتبر من تلك الحكايات. فعندما جُمعت التبرعات لثورة 1936، ودخلت جيب حسن البنا، ثم لم يظهر لها أثر، سئل الرجل عنها وأجاب. وفي كل مرة كان يُسأل، يرتجل الإجابة فتكون طريفة وتسبب انشقاقاً. في تلك المرة، قال إنه يرسل المال إلى الحبشة لإغاثة أهلها. ويحدث بعد ذلك، أن يتصدى لتعديل الإجابة، مؤرخ أو كاتب إخواني، مثلما فعل الشيخ محمود عبدالحليم، عضو الهيئة التأسيسية للتنظيم، في كتابه “الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ” إذ قال بصراحة “النقود التي كنا نجمعها لفلسطين من المساجد والمقاهي والبارات لم يكن القصد من جمعها إعانة إخواننا المجاهدين الفلسطينيين، فهم كانوا من هذه الناحية في غير حاجة إليها لأن أغنياء أهل فلسطين من التجار كانوا من وراء هؤلاء المجاهدين، فجمع التبرعات أسلوب من أساليب التأثير في نفوس الناس بهذه القضية، وربطاً لقلوب الناس بها”. لكن الأطرف هو ما قاله حسن البنا، عندما سأله أحد المريدين، عن مصدر النعمة الظاهرة في حياته وهندامه إذ قال “أخي الكريم، تسألني من أين أنفق؟ كان صلى الله عليه وسلم ينفق من مال خديجة، أما أنا فأنفق من مال أخوين يقرضانني، فأمامك أحد أمرين، إما أن تنضم للأخوين فتكون الثالث، وبذلك يخف الأمر عليهما، وإما أن تسدد لهما الدين، وأكون مديناً لرجل واحد هو أنت، فإن عجزت عن الأمرين، فأمامك أمر ثالث أن تدعو الله لي أن يعينني على سداد ديني”!
محترفو الاتجار بالدين، من ذوي اللحى المعطرة وخطابات الزُهد، لا زالوا يلهطون. ولا يكون الافتضاح بشطارة عسس أو مخابرات، بل يخرج من بين ظهرانيهم، وليعوّض الله المؤمنين الحزانى خيراً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق