الطائفية انحراف عن استحقاق الدولة المدنية // بقلم : محمد الرميحي

. . ليست هناك تعليقات:


لا أحد يعرف على وجه اليقين متى وعلى أي صورة سوف ينتهي الحراك الشعبي اللبناني والعراقي، كلاهما الآن في صيرورة متحولة، ولا أحد يجزم على أي ميناء سياسي سوف ترسو سفن الحراك الكبير. المؤكد أن هناك قوى منظمة ومسلحة ومستعدة لوأد الحراك. كما أنه من المؤكد أن هذا الحراك جديد من حيث الكم والكيف، وأنه متوقع أن يحدث ممن يرصدون المسرح السياسي في البلدين. 


كل الاحتمالات واردة بما فيها تكرار المثالين الليبي والسوري المؤديين كما نعرف إلى نفق الحرب الأهلية، في هذا الحال تتغلب تحالفات (زعماء الطوائف والأحزاب) على الحراك ومن ثم إعادة إنتاج ما هو قائم. الأهم أن خطوط المعركة واصطفاف الفرقاء أصبحت بينة، بين أكثرية تدافع عن الوطن وتَحركُها عفويٌ وعابر للطائفة تطالب بشكل عام بدولة مدنية حديثة وعادلة تُعلي فيها قيم المواطنة،

 وبين أقلية (طائفية) تدافع عن الحكم القائم وترغب في بقاء لبنان والعراق كما هما تحت سيطرة إيران وإن استطاعت أن تزيد من التبعية لإيران، على قاعدة: لنا السلطة والمال... ولكم يا شعب «الطائفية والفقر»! ذلك هو مسرح العمليات الذي تحتدم فيه القوى بين الأغلبية غير المنظمة والعفوية، وبين الأقلية القابضة على السلطة في المكانين. من الخفة القول إن المعركة هينة أو إنها قابلة للحل في بضعة أسابيع أو أشهر، هي معركة قد تطول لأن المصالح الداخلة فيها من جانب الأقلية كبيرة وكثيرة.

إلا أن أول ما يكشف هذا الحراك في البلدين، هو الانفصام في الاستراتيجية الإيرانية، التي كانت تجاهر بـ«تصدير الصورة» ولما أتت على غير مقاسها أصبحت «تخريباً»، وهو انفصام يزيد انكشاف السلطة الإيرانية. إيران تريد الاحتفاظ بقولها الفصل في كلٍّ من لبنان والعراق من خلال تابعية الاثنين لها، ليس لأن لها مشروعاً حديثاً، فقد سقط مشروعها في عقر داره، وورّث الفقر والقمع معاً، ولكنها ترغب في تحقيق هدفين واضحين؛ الأول مساومة القوى العالمية على الساحات التي ترى أن لها نفوذاً فيها (لبنان، والعراق، واليمن)، والآخر تعطيل قيام الدولة الوطنية الحديثة والعادلة التي تنظر إلى المواطنين كمتساوين في وطن حر.
تتصدر رفع راية المشروع الإيراني في لبنان قيادة «حزب الله»، وفي العراق مجموعة من العمائم والدراويش السياسيين، وفي المكانين ترفدهما «قوة زعران» غائبة عن الفهم وقابلة للاستخدام ومغيَّبة الوعي. لقد حان الوقت للقول إن كل الجماعات الأقلية السياسية في لبنان والعراق لا تمثل الشيعة العرب،

 فشيعة لبنان العرب خرج من بينهم كتّاب وشعراء ومسرحيون وصحافيون وأكاديميون وروائيون ومعلمون ورجال دولة، وجميعهم حداثيون أثْروا الثقافة العربية وما زالوا، وسعوا مع آخرين لبناء وطن للجميع، كما خرج من شيعة العراق العرب كمٌّ وافر من الرجال والنساء الذين ساهموا في نهضة الثقافة والفكر العربي وما زالوا. قائمة الأسماء طويلة وما زال بعضهم يقاوم التصنيف والإلحاق والإتباع، يرابطون بوطنيتهم أمام حملات التزييف والتخويف، ويحلمون بوطن مستقل وعادل للجميع، يحكمه القانون النابع من مصالح الجمهور الأوسع، وتسود فيه الشفافية ويُجرم فيه الالتحاق بدول خارجية، بصرف النظر عن إرهاب مكرر لهم، مرة كونهم «شيعة السفارة» وأخرى كونهم «شيعة الإنجليز»، في محاولة لتحقيرهم واتهامهم بالعمالة تمهيداً لتصفيتهم. في مراحل حضارية سابقة لم يكن هناك شقاق بين السنة والشيعة في كثير من الحقب التاريخية،

 بل كان الوئام هو الأصل، وما يتطلبه الوضع الإنساني والسياسي العالمي اليوم هو أن يعيش الناس في المجتمعات التعددية تحت سقف دستور حديث يُعلي المواطنة فوق أي انتماء كان، فقد وُلدنا في أدياننا ومذاهبنا ولم نخترها. إشهار التعصب الطائفي في كلٍّ من لبنان والعراق واليمن وحتى في إيران، كما هو إشهار التعصب السني، مصدره الأساس التغيرات السياسية في إيران منذ 1978 التي أطلقت حكماً ثيوقراطياً ملتزماً بإشعال الثورة على مقاسه في العالم! أما التفسير الحقيقي لإعلاء الطائفية لدى الطرفين الطائفيين (السني والشيعي) فهو حرف النضال العربي وحتى الإيراني عن خوض معركة الحداثة المستحقة. الجهود لحرف ذلك المسار ضخمة، تبدأ بالاتهامات ولا تنتهي بالإرهاب الأسود: في لبنان أن هناك «سفارات» تموّل الحراك، وفي العراق أن هناك دولاً خلف الحراك، ولدى جماعات الإرهاب أن هناك مَن «كفر» والعياذ بالله... في إهانة شديدة من جميع الأطراف لذكاء المواطن العربي العادي سواء في لبنان أو العراق أو على امتداد الأرض العربية.

أما التناقض الصارخ بل والمدوي أن يتهم زعماء «حزب الله» قوس قزح اللبناني الثائر بأنهم جميعاً «عملاء»، في الوقت نفسه الذي يكرر فيه «حزب الله» وعلى رؤوس الأشهاد، أنه تابع لمشروع «تذوب فيه الجمهورية اللبنانية في جلد الجمهورية الإيرانية الإسلامية وتكون خاضعة لها»، يقال هذا الكلام على الملأ بعد عقود من النضال العربي ضد المستعمر وملايين الضحايا العرب الذين قدَّموا على مذبح الحرية والاستقلال أرواحهم، يكفي استحضار مسمى «ساحة الشهداء في لبنان»، كما أن كثرة اللبنانيين إنْ نسوا فلن ينسوا منذ سنوات قليلة فقط أنهم ثاروا ضد استئثار جار بقيادة نظام سلطوي على مقدرات الوطن اللبناني، كان ذلك عام 2005، حيث اضطر نظام الأسد مرغماً على المغادرة، 

فكيف يمكن هضم «خطب الإلحاق» في المعدة اللبنانية السياسية، إلا من خلال التهديد بإشهار السلاح في وجه المخالفين وتغييب فئات أخرى تحت شعاراتٍ مرجعُها أساطير؟ في العراق أُشهر التعصب الطائفي والمحاصصة من أجل إجهاض المسيرة نحو دولة مدنية، فقد نُكب العراق بديكتاتورية عمياء إبان حكم «البعث» وعروبة مشوّهة وفقر في الحكم الرشيد، وانتهى بأحزاب قصيرة النظر يتكسب زعماؤها على حساب الوطن وعدم قدرة على بناء مشروع وطني أو حتى إدارة حديثة، مع ترك زمام التسيير لممثلي طهران ومحازبيها، وكأن العراق قد استجار من الرمضاء بالنار! اليوم الشعب العراقي لا يرغب في العودة إلى الرمضاء ولا يطيق النار التي هو فيها، يكفي للمراقب أن يقرأ الشعارات التي رفعها الشارع العراقي، التي تُظهر بوضوح أين قلب وعقل العراقي العادي، المواطن الذي يرفض الطائفية والمحاصصة بل ويهزأ بها، ويتوق إلى دولة مدنية حديثة، لقد ملّ الشعار الطائفي واكتشف أمراضه الخبيثة على الوطن.

حكم الطوائف والطائفية قرب على السقوط في كلٍّ من لبنان والعراق، أما الشيعة العرب فهم باقون بجوار طموحات أمتهم وشعبهم، في وطن حر سيد مستقل، وسقط أيضاً اللعب من جانب السلطات الحاكمة والمتحكمة في الورقة الطائفية التي استبدلت ببيرق الدولة الناصع بيارقها الخاصة الملونة والملوثة.

آخر الكلام:

دراسة الشعارات التي رُفعت في الحراك اللبناني والعراقي مثيرة ومعبرة، كل مقدسات الكذب الشخصية والعامة تم الهزء بها، كما بيّنت مستوى الوعي لدى الناس. إنها مرجعية تستحق أن تُخصص لها ندوات، كمثال (الفاسدون مثل أبو بريص، تريد تضربه بالنعال، يختفي وراء صورة الإمام) ومثل ذاك الكثير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

احدث الاخبار لهذا اليوم

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا