كتب : فؤاد حسن
بعد إطلاق مجلس النواب الأمريكي الخميس رسميا إجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب، يبدو المعسكر الديمقراطي الساعي لإزاحة رجل الأعمال الجمهوري من الحكم أكثر قربا من تحقيق هدفه. فكيف بدأ هذا التحقيق وما هي أهم المراحل والأحداث التي مر بها؟
تركت التحقيقات في أنشطة دونالد ترامب بصمة واضحة على معظم مراحل رئاسته للولايات المتحدة التي تقترب من نهاية عامها الثالث. وبينما تدور الحملة الانتخابية للانتخابات التمهيدية في الحزب الديمقراطي بهدف اختيار مرشح ينافس الرئيس الجمهوري، ويحرمه من ولاية ثانية في البيت الأبيض، يسعى النواب الديمقراطيون في الكونغرس لعزل ترامب ومنعه من إتمام ولايته الرئاسية الأولى.
وعلى الرغم من أن الدعوات لعزل ترامب بدأت تنتشر في أوساط الحزب الديمقراطي منذ الأيام الأولى لرئاسته، على خلفية التحقيق في تواطؤ محتمل بين حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016 وروسيا، رفض كبار قيادات الديمقراطيين، وبالأخص زعيما الأقلية الديمقراطية في مجلسي النواب والشيوخ نانسي بيلوسي وتشاك شومر، العزل وفضلا التركيز على الانتخابات النصفية عام 2018 والانتخابات الرئاسية القادمة عام 2020، تجنبا لزيادة الهوة بين حزبي البلاد الرئيسيين، الجمهوري والديمقراطي.
ولم يتغير موقف قيادات الحزب الديمقراطي من قضية عزل الرئيس على الرغم من تحقيقهم مكاسب كبيرة في الانتخابات النصفية، وانتزاع الأغلبية في مجلس النواب، والاستطلاعات التي تشير إلى تدنٍ كبير في شعبية ترامب والحزب الجمهوري في البلاد. إلا أن هذا الموقف تغير بعد ظهور تسريبات تفيد بطلب ترامب من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فتح تحقيق بشأن جو بايدن، نائب الرئيس السابق وأبرز المرشحين الديمقراطيين لانتخابات 2020 الرئاسية، وابنه هانتر الذي كان موظفا في شركة أوكرانية اسمها بوريسما، طالتها مزاعم فساد.
وبعد هذه التسريبات أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فتح تحقيق بشأن هذه الواقعة الهدف منه البدء بإجراءات عزل الرئيس.
وزاد هذا من تعقيد المشهد السياسي في الولايات المتحدة، وأصبح موقف ترامب أكثر حرجا، خصوصا وأنه سيواجه على غير المعتاد منافسة من ثلاثة مرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري المزمع إجراؤها بين فبراير/شباط ويونيو/حزيران 2020، هم حاكم ولاية ساوث كارولاينا مارك سانفورد والنائب عن ولاية إيلينوي جو والش، وحاكم ولاية ماساتشوستس بيل ويلد.
فما هي أبرز المراحل والأحداث التي مر بها هذا التحقيق؟ وما أهم الوقائع التي ظهرت في هذه القضية؟
أبريل/نيسان ومايو/أيار 2019 : ترامب يبدأ الضغط على أوكرانيا
أوفد دونالد ترامب محاميه الشخصي رودي جولياني إلى أوكرانيا للضغط على حكومة كييف بهدف فتح تحقيق في أنشطة متعلقة بجو بايدن وابنه هانتر. والتقى الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي في 7 مايو/أيار بمساعديه للبحث عن طريقة للهروب من الضغط الأمريكي.
10 يوليو/تموز: "صفقة مخدرات"
جمع لقاء السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، إلى جانب مسؤولين أمريكيين آخرين، بعدد من المسؤولين الأوكرانيين في 10 يوليو/تموز بالبيت الأبيض. وقالت عدة مصادر إن سوندلاند وجه حينها طلبا للمسؤولين الأوكرانيين بفتح تحقيق متعلق ببايدن، وهو ما فاجأ بولتون، ودفعه لإنهاء اللقاء على عجل، واصفا الأمر بـ"صفقة مخدرات".
أواسط يوليو/تموز: تجميد مساعدات
في أواسط يوليو/تموز أبلغ مكتب إدارة الميزانية الأمريكي وزارتي الدفاع والخارجية أن الرئيس ترامب قرر تجميد مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 391 مليون يورو. وهو القرار الذي علم به المسؤولون الأوكرانيون في أوائل أغسطس/آب.
25 يوليو/تموز: محادثة ترامب-زيلينسكي الهاتفية سيئة السمعة
في 25 يوليو/تموز وخلال محادثة هاتفية، ذكّر ترامب نظيره الأوكراني زيلينسكي بأن "الولايات المتحدة كانت دائما جيدة جدا جدا (العلاقات) مع أوكرانيا"، وطلب منه القيام بـ"خدمة". إذ أن ترامب كان يرغب أن تعلن كييف فتح تحقيق متعلق بجو بايدن بقصد خلق بلبلة وشك فيما يتعلق بمزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016.
12 أغسطس/آب: بلاغ ضد ترامب
تلقى مكتب المفتش العام لهيئة الاستخبارات بلاغا سريا ضد ترامب. وتمكنت جهود إدارة ترامب من منع الكونغرس من الاطلاع على مضمون البلاغ لمدة ستة أسابيع.
1 سبتمبر/أيلول: لا تحقيق... لا مساعدات
أبلغ غوردون سوندلاند السفير الأمريكي إلى الاتحاد الأوروبي، أندريه يرماك مساعد الرئيس الأوكراني، بأن "أموال المساعدة الأمنية لن تصل ما لم يبدِ زيلينسكي التزامه بمتابعة التحقيق الخاص ببوريسما" وهي شركة الغاز التي كان يعمل بها هانتر، ابن جو بايدن، وذلك وفق شهادة السفير الأمريكي السابق إلى كييف بيل تايلور.
9سبتمبر/أيلول: رسالة نصية
بيل تايلور يرسل رسالة نصية إلى غوردون سوندلاند يقول فيها: "كما أبلغتك عبر الهاتف، أظن أنه من الجنون تجميد المساعدات الأمنية للحصول على مساعدة في حملة سياسية".
11 سبتمبر/أيلول: رفع التجميد
تم رفع التجميد عن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا في 11 سبتمبر/أيلول.
24 سبتمبر/أيلول: فتح التحقيق
أعلنت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب فتح التحقيق بقصد عزل ترامب، متهمة إياه بـ"خيانة قسم توليه المنصب، خيانة الأمن القومي، وخيانة نزاهة انتخاباتنا".
25 سبتمبر/أيلول: نص المكالمة
سمح البيت الأبيض يوم 25 سبتمبر/أيلول بنشر نص جزئي للمكالمة بين ترامب وزيلينسكي والتي جرت قبل ذلك بشهرين، بعد ساعات من أول لقاء جمع الرئيسين وجها لوجه في الأمم المتحدة.
26 سبتمبر/أيلول: نص الشكوى
في اليوم التالي لنشر نص المكالمة، تم نشر نص الشكوى التي قدمت على خلفية المكالمة، وتضمنت اقتباسا لكلام "أكثر من ستة مسؤولين أمريكيين"، وهي تمثل تسجيلا دقيقا لمكالمة الرئيسين، وتدعي أن البيت الأبيض حاول التستر على المكالمة.
2 أكتوبر/ تشرين الأول: ترامب يطلب تحقيقا صينيا أيضا
طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أوكرانيا والصين فتح تحقيق في أنشطة كل من نائب الرئيس السابق والاسم الأبرز بين المرشحين الديمقراطيين لمنافسة ترامب في الانتخابات الرئاسية 2020، جو بايدن وابنه هانتر. وجاءت تصريحات ترامب ردا على أسئلة صحافيين أثناء مغادرته البيت الأبيض لزيارة فلوريدا في 2 أكتوبر/تشرين الأول.
4 أكتوبر/تشرين الأول: الكونغرس يستمع لموفد ترامب إلى أوكرانيا
أدلى كورت فولكر، موفد ترامب السابق إلى أوكرانيا بشهادته أمام الكونغرس في 4 أكتوبر/تشرين الأول. ونشر المحققون بعد شهادته رسائل نصية عبر تطبيق واتساب تظهر متابعة مسؤولين أمريكيين لقضايا تهم الرئيس ترامب تتضمن "التحقيقات" بشأن بايدن، والتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
8 أكتوبر/تشرين الأول: رفض للتعاون
أصدر البيت الأبيض في 8 أكتوبر/تشرين الأول رسالة رفض فيها التعاون مع التحقيق الرامي لعزل ترامب، متهما الديمقراطيين بمحاولة قلب نتائج انتخابات عام 2016.
14 أكتوبر/تشرين الأول: شهادة مسؤولة أمنية
أدلت مديرة ملف أوروبا وروسيا في المجلس الأمريكي للأمن القومي فيونا هيل بشهادتها أمام الكونغرس. وأفادت هيل بأن هناك "سياسة خارجية سرية" في أوكرانيا يقودها رودي جولياني، وتحدثت عن الاجتماع في البيت الأبيض بتاريخ 10 يوليو/تموز، والذي كانت بين الحاضرين فيه، وقالت إن بولتون طلب منها إبلاغ مآخذها على الاجتماع إلى أكبر محامٍ لمجلس الأمن القومي.
17 أكتوبر/تشرين الأول: شهادة غوردون سوندلاند
استمع الكونغرس لشهادة غوردون سوندلاند، سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي، والذي قال إنه تصرف بناء على تأكيد ترامب له بأنه لا توجد "خدمات مشروطة بخدمات" مع أوكرانيا، ولكنه لاحقا عاد إلى الكونغرس لينقض هذه الشهادة بشكل جزئي أو كلي.
22 أكتوبر/تشرين الأول: بيل تايلور
أدلى بيل تايلور، السفير الأمريكي في كييف، بشهادته أمام الكونغرس. وأدلى بكلمة افتتاحية من 15 صفحة، تحدث فيها عن مخاوفه بشأن "قنوات دبلوماسية غير نظامية وغير رسمية" تسعى من خلالها إدارة ترامب لتحقيق أهداف في أوكرانيا "متناقضة مع الأهداف الأمريكية الثابتة منذ وقت طويل".
23 أكتوبر/تشرين الأول: اقتحام
اقتحم أكثر من عشرين نائبا جمهوريا جلسة استماع مغلقة في الكونغرس ورفضوا مغادرتها تعبيرا عن رفضهم لـ"هيمنة الديمقراطيين" على هذه الإجراءات التي وصفوها بـ"العملية على الطراز السوفييتي" نسبة للاتحاد السوفييتي المنهار، علما بأن لجنة التحقيق المجتمعة في الجلسة التي اقتحموها تضم أربعين جمهوريا.
29 أكتوبر/تشرين الأول: ضابط وخبير بالشأن الأوكراني
الضابط الأمريكي والخبير في الشأن الأوكراني في مجلس الأمن القومي، ألكسندر فينمان، يدلي بشهادته أمام الكونغرس. ووصف فينمان قلقه بسبب كونه شاهدا على قيام البيت الأبيض بـ"تخريب" السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في سبيل مكاسب سياسية داخلية لترامب. وقد أبلغ هذه المخاوف لكبير محامي مجلس الأمن القومي.
31 أكتوبر/تشرين الأول: تصويت على جدول العزل
وافق مجلس النواب في 31 أكتوبر/تشرين الأول على مشروع قرار يضع جدولا تنتقل بموجبه عملية العزل من جلسات استماع خلف أبواب المغلقة إلى جلسات علنية، وهو بمثابة إعلان انطلاق عملية العزل رسميا. وهو ما اعتبره ترامب "أكبر عملية مطاردة سياسية" في التاريخ الأمريكي.
ماذا بعد؟
في حال قرر مجلس النواب عزل الرئيس، فإنه سيخضع لمساءلة من قبل مجلس الشيوخ. وسيصوت هذا الأخير على إزاحة ترامب من منصبه، ولكنه سيكون بحاجة لأغلبية ثلثي الأعضاء لتمرير هذا الإجراء، وهو أمر غير متوقع لكون الجمهوريين يتمتعون بغالبية في الكونغرس. إلا أن شعبية ترامب المتناقصة بين أبناء حزبه وفي البلاد بشكل عام قد تسمح بالإطاحة به.
وعندئذ يتولى نائبه مايك بنس منصب الرئيس، إلا إذا ما تم إدراج اسم بنس أيضا في قرار العزل، وهو أمر وارد لأن ترامب نفسه أشار إلى اطّلاع بنس على كامل مجريات الملف منذ البداية. وفي هذه الحالة تتولى الديمقراطية نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب منصب رئيس البلاد.
فؤاد حسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق