بقلم: محمد بوعود
تواصل حركة النهضة مشاوراتها مع مختلف القوى السياسية من أجل التوصّل إلى التركيبة الملائمة التي تمكّنها من تشكيل حكومتها وبالخصوص من ضمان الحد الأقصى من الحزام السياسي الذي يتوجّب عليها تحصيله حتى تكون ذات أغلبية مريحة في البرلمان سواء حين التزكية أو حين بدء الاشتغال على مشاريع القوانين التي ستمارس بها الحكم والتي يعرف الشيخ راشد الغنوشي انها لا تتطلب بالتأكيد عددا كافيا من الأصوات كميّا فقط، بقدر ما تتطلّب تحالفات متنوعة، مع أحزاب تستطيع أن تتعاطى معها على مستوى الملفات الحارقة داخليا وتستطيع أن تسوّق بها صورة توافقية في الخارج.
الأنباء الواردة من مونبليزير تقول إن النهضة شرعت في إجراء اتصالاتها منذ اليوم الأول للتصويت، وإنها عازمة على الانتظار حتى تظهر نتائج الانتخابات الرئاسية، لتكون التوافقات التي ستجريها أكثر نجاعة في مجال التعاطي بين الرئاسات الثلاث.
وفي آخر التسريبات من هناك يبدو أن الحركة لم تتوصّل إلى حد الآن إلى صيغة تفاهم مع الأطراف التي اتصلت بها وان قيادتها مجندة بكل ثقلها للتواصل مع الأحزاب والتيارات والائتلافات التي صعدت الى البرلمان وحتى مع المستقلين الذين يمكن أن يوسّعوا في الحزام الضّامن الذي تريده النهضة قبل الإقدام على إعلان تشكيلتها التي ستواجه بها معارضة يبدو أنها إلى حد الآن لم تبلور نفسها ولم تبدأ في التشكلّ بصورة واضحة على الأقل.
كثيرون رأوا أن الحركة يمكن ان تستند فقط إلى الأطراف القريبة منها وتعوّل على المستقلين في إكمال نصاب التزكية لكن للنهضة حسابات أخرى خاصة رئيسها الشيخ راشد الغنوشي الذي لا يريد ان يخرج على العالم وعلى الإقليم خصوصا بحكومة من أبناء الحركة ومن القريبين منهم فقط، أي ذات توجّه إسلامي في عمومها بل يبحث عن وجوه وتكتلات وأحزاب تمكنه من مواصلة تسويق الصورة التوافقية التي يحرص دائما على ابرازها للعالم الخارجي والتمسّك بها في كل أدبياته، وان كان اختار خطاب الثورة في الحملة الانتخابية، لكنه لم يتقمّصه طويلا لأنه يعرف ان خطاب التوافق في هذه المرحلة هو الأصوب.
لكن بالمقابل تبدو الاحزاب المعنية بامكانية التحالف مع النهضة والدخول معها في الحكومة ومساندتها غير واضحة المعالم الى حد الآن فحزب السيد يوسف الشاهد والذي كانت النهضة تعوّل عليه كثيرا في مواصلة التنسيق وتقاسم السلطة و«تمدين» الصورة، فاجأ الجميع بأنه لن يشارك في الحكومة، وأفاد عضو المجلس الوطني لحركة تحيا تونس محمد الصافي الجلالى، بأن المجلس الوطني للحزب الذي انعقد مساء أول أمس الخميس قرر عدم المشاركة في الحكومة المقبلة، قائلا: «نحن الحزب السابع في البرلمان القادم وموقعنا الطبيعي هو المعارضة».
وأكد في تصريح لوسائل الاعلام أمس الجمعة، أن المجلس دعا الأطراف الفائزة في الانتخابات التشريعية إلى الاسراع في تشكيل الحكومة، لافتا إلى أن رئيس الحزب يوسف الشاهد أعرب خلال حضوره المجلس الوطني عن استعداده لعملية تسليم السلطة.
وبخصوص موقف الحزب من الانتخابات الرئاسية التي سيجري دورها الثاني يوم الاحد 13 اكتوبر 2019 أبرز الجلالي أن المجلس الوطني ترك حرية المبادرة لأنصاره للاختيار بين المترشحين الاثنين كل وفق قناعاته قائلا: «نحن قدمنا مرشحنا خلال الدور الأول، واليوم المعركة الانتخابية ليست معركتنا».
كما قرر المجلس الوطني وفق ذات المتحدث عقد ندوة وطنية لتقييم أداء الحزب خلال الانتخابات وإعادة هيكلته وبنائه من جديد.
في الوقت نفسه نفت السيدة عبير موسي أمس في تصريح على هامش ندوة عقدها الحزب الحر الدستوري لتكريم النواب الذين صعدوا الى البرلمان، أن تكون لدى حزبها أية نية في الالتحاق بالحكومة أو التعاطي مع حركة النهضة والتحالف معها.
وهو ما يبدو نفس الموقف تقريبا لحركة الشعب، وان كانت كل الخيارات لا تزال مفتوحة أمام السيد زهير المغزاوي الذي قد يضطر الى الدخول في مفاوضات حول انضمام حزبه للحكومة، باعتبار أن البعض من نواب الحركة قد لا يرغبون في البقاء على الهامش، والاكتفاء بالفُرجة على المشهد السياسي من موقع المعارضة فقط.
وهو ذات الموقف الذي أعلنه السيد محمد عبّو الذي نفى في البداية القبول بالالتحاق بالحكومة لكنه أبدى بعض الليونة مع طرح شروط على الحركة وهو ما يعني بداية التفاوض الجدي حول الشروط وليس حول مبدإ الالتحاق بالحكومة.
والى حد الآن لم تتوضّح صورة التحالف الذي يمكن أن يبنيه الشيخ راشد ليحصّن حكومته ضد كل الظروف التي قد تنتظرها سواء من الداخل او الخارج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق