ما تشهده المنطقة سواء بفشل «الإخوان» في مصر وتونس وحتى ما يحدث في مظاهرات العراق ولبنان حالياً وقبلها في الجزائر والسودان من غضب ضد أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب الموالية لها، بسبب فسادها وعدم تلبيتها لاحتياجات المواطن، تجعلنا نتساءل: هل الإسلام السياسي سيضمحل تدريجيا في المنطقة؟
فمازال المصريون إلى الآن يعانون من صدمتهم من حكم «الإخوان»، وما شاهدوه من سوء إدارة ومصادمات مسلحة، أسفرت عن مقتل العديد من الأشخاص، هذا عدا سعي «الإخوان» لمسح الهوية المصرية و«أخونة» الدولة من خلال التعدي على القضاء والهجوم حتى على الفن والثقافة المصرية. حكم «الإخوان» بث الغضب والخوف بين المصريين من كل دعاة الإسلام السياسي بمن فيهم الرئيس التركي «الإخواني»، رجب طيب أردوغان، وحزب «العدالة والتنمية».
وكما تصدى الشعب المصري لأتباع حركات الإسلام السياسي في مصر كذلك في الجزائر والسودان. فلم يغب عن ذاكرة الشعب الجزائري ما حدث في التسعينيات من حرب داخلية مع الأحزاب والجماعات والميليشيات الإسلامية. فعدد القتلى كان حوالي مابين 50000 إلى 100000 نتيجة أعمال إرهابية ومذابح جماعية. وفي نهاية المطاف، انتصرت الدولة بعد أن تخلى أكبر فصيل، «جبهة الإنقاذ الإسلامي»، مقابل العفو.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تلاشي الإسلام السياسي في السودان. فقد تمكن المتظاهرون من عزل رئيسهم، الجنرال عمر البشير، بعد 30 عامًا في السلطة والذي كان حليفا مع «الجبهة الإسلامية الوطنية»، وقد فرضت الشريعة على البلاد بناء على ذلك. هذا التحالف أدى إلى التمرد وبلغت الذروة في انفصال جنوب السودان.
حتى في العراق، فبعد أن كان الصراع مع «البعث» واجتثاثه بعد سقوط صدام حسين، وبعد أن سيطر الصراع الديني بين الشيعة والسنة، تجري الاحتجاجات الحالية في المناطق التي يسكنها الشيعة على وجه الحصر ضد حكومة يسيطر عليها الشيعة مدعومة من أحزاب الإسلام السياسي. فأغلب المتظاهرين لم يعيشوا ظلم صدام حسين بل عانوا من حكومة ذات أغلبية شيعية لم توفر لهم الخدمات العامة واستنزفت الموارد العامة الناجمة عن الفساد على نطاق واسع. فالمتظاهرون غير معنيين بالأحزاب الدينية أو العلاقات السُنية الشيعية.
وكذلك في لبنان، فلأول مرة أدرك اللبنانيون أن عدوهم الأول هو عدو الداخل الذي لم يوفر لهم الحياة الكريمة من رغد عيش ورفاهية، وأن بلدهم أنهكها الفساد. وقد أظهر المحتجون قدرا عاليا من الاتحاد بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والسياسية. فما جمعهم هو أزمة اقتصادية مستمرة أضرت بالناس من جميع الطوائف والمناطق حتى الشيعة. فلأول مرة منذ تشكيل «حزب الله» في الثمانينيات، انقلب الشيعة اللبنانيون ضده. ففي النبطية، معقل الحزب، أحرق المحتجون الشيعة مكاتب قادة «حزب الله».
كذلك في تونس فقد عكست الانتخابات الأخيرة تراجع الإسلام السياسي. في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حصل المرشح الذي أقرته حركة «النهضة» «الإخوانية»، على المركز الثالث، مما جعله غير مؤهل للجولة الثانية. فالتونسيون غير واثقين بحركة «النهضة» خاصة بعد كشف تورط قيادات في الحركة بتأسيس شبكة تجسس استهدفت مواطنين وسياسيين وأمنيين في البلاد،
وبعد الاتهام بضلوع الحركة في اغتيال القياديين بـ«الجبهة الشعبية» و«حركة الشعب»، شكري بلعيد ومحمد البراهمي سنة 2013، واللذين عرفا بمعارضتهما الشرسة لسياسات الحركة. نهاية الإسلام السياسي تعتمد على إقرار مشروع بديل، من قبل قادة وطنيين، يلبي فيه حاجة الناس من توفير الخدمات والوظائف ومحاربة للفساد بكافة أشكاله. أيضاً لابد من تقديم مشروع اقتصادي تنموي يستثمر طاقة المواطنين وخاصة الشباب. فعصر الشعارات قد انتهى.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي
الكاتب
د.نجاة السعيد
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي
الكاتب
د.نجاة السعيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق