من حيث لا ينتظر جاءت الضربة القوية لرئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، من قبل الديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي، حين بدؤوا إجراءات عزله بسبب اتصالاته مع الرئيس الأوكراني، وطلبه منه معلومات عن نائب الرئيس السابق، الساعي إلى ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، جو بايدن وابنه.
وبعد جولة من التحقيق وتداول القضية، سيعقد مجلس النواب الأمريكي، الخميس (31 أكتوبر)، أولى جلسات تصويت رسمي في إطار التحقيق الرامي إلى عزل ترامب، وفق نائب بالكونغرس.
وينص الدستور الأمريكي على أن الرئيس "قد يعزل من المنصب في حالة اتهامه بالخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم والجنح الخطيرة".
وتنطلق إجراءات عزل الرئيس وفق الدستور الأمريكي من مجلس النواب (يسيطر عليه الديمقراطيون الراغبون بعزله)، ولا تحتاج إلا لأغلبية بسيطة لتمريرها، أما محاكمته فيجب أن تجرى في مجلس الشيوخ.
ويحتاج الديمقراطيون للحصول على أصوات ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ من أجل تمرير قرار عزل ترامب، وهو أمر لم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
الأمريكان يريدون إقالته
وعلى الأرض إلى جانب الخطوات البرلمانية الأمريكية لعزل ترامب بدأ الشارع الأمريكي بالتفاعل مع القضية، وتعالت أصوات منددة بالرئيس، ولم يشفع له إعلان قتل زعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي، الذي تحدثت تقارير عن أنه يستخدمه كدعاية انتخابية.
وتداولت وسائل إعلام أمريكية مقطع فيديو يظهر تعالي صيحات وهتافات صاخبة تطالب بسجن ترامب، وذلك أثناء حضوره مباراة بين فريقي "واشنطن ناشونالز" و"هيوستن أستروس"، في إطار مباريات "السلسلة العالمية للبيسبول"، الأحد الماضي، في واشنطن.
وهتفت الجماهير الأمريكية ضد ترامب، وأطلقت مصطلح "اعتقلوه"، وهي العبارة التي كانت تتردد أثناء الحملة الرئاسية الخاصة بالرئيس في عام 2016، أمام منافسته هيلاري كلينتون.
كذلك كشف استطلاع أمريكي أن أكثر من نصف شعب الولايات المتحدة يؤيد إقالة ترامب وتنحيته من منصبه، وهي نسبة غير مسبوقة في إطار التحقيق الذي يقوده الديمقراطيون.
جاء ذلك في استطلاع للرأي نشرته قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، في 10 أكتوبر الجاري، أورد أن "51% تريد إقالة ترامب وإزالته من منصبه، بينما يعارض 40% عزله تماماً".
وفي يوليو الماضي، أيد 42% من الشعب الأمريكي الإقالة والعزل، في حين قال 5% منهم نعم للإقالة ولكن لا لإزالة ترامب، في الوقت الذي عارض 45% منهم الإقالة.
يشار إلى أن "فوكس نيوز" التي أجرت الاستطلاع هي المحطة المفضلة لدى الرئيس ترامب بين جميع القنوات الأمريكية، التي يهاجمها بين الحين والآخر باعتبارها قنوات كاذبة.
شاهد مهم
يرغب رئيس التحقيق في عزل الرئيس الأمريكي في استدعاء مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، للإدلاء بشهادته، مرجحاً مقاومة البيت الأبيض هذه الرغبة.
وقال آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الذي يقود تحقيقات عزل الرئيس، في تصريح لشبكة "أيه بي سي" (28 أكتوبر)، إن بولتون "شاهد مهم جداً".
وأضاف: "نحن نعرف بالفعل من شهادة آخرين أن بولتون هو شخص شعر بالقلق من أن أشخاصاً في وزارة الخارجية يحضرون صفقة مخدرات، وكان يعني بذلك صفقة فساد".
وتابع قائلاً: إن "من الواضح أن لديه معلومات مهمة، ونريد منه أن يتقدم للشهادة".
تحركات داخل البنتاغون
وفي خطوة أكثر جدية ضمن إجراءات عزل ترامب، طالب رؤساء اللجان الديمقراطيون بمجلس النواب الأمريكي وزارة الدفاع "البنتاغون"، ومكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، بتسليم عدة وثائق في إطار تحقيق لعزل الرئيس على خلفية "فضيحة أوكرانيا".
ونقلت وكالة "الأناضول"، في 8 أكتوبر الجاري، أن الرؤساء الديمقراطيين للجان الشؤون الخارجية، والاستخبارات والرقابة، أصدروا مذكرات استدعاء لكل من القائم بأعمال مدير مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، راسل فوت، ووزير الدفاع مارك إسبر.
وكتب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، آدم شيف، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، إليوت إنجل، ورئيس لجنة الرقابة، إيليا كامينغز، في خطاب أنه ينبغي توفير الوثائق المطلوبة بحلول 15 أكتوبر الجاري.
وأضافوا في الخطاب: إن "مذكرات الاستدعاء المرفقة تتطلب وثائق ضرورية لفحص تسلسل الأحداث، والأسباب الكامنة وراء قرار البيت الأبيض حجب المساعدات العسكرية الحرجة لأوكرانيا، التي خصصها الكونغرس لمواجهة العدوان الروسي".
المكالمة الفضيحة
وتعود فضيحة ترامب، حين أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زلنسكي، في 25 يوليو الماضي، مطالباً إياه بإجراء تحقيق بخصوص عائلة جو بايدن، المنافس المحتمل له في انتخابات 2020 الرئاسية.
صحيفة "واشنطن بوست" قالت، قبل أيام: إنّ "اتصال ترامب تضمن تهديداً من قبله بحجب مساعدات عسكرية أمريكية عن أوكرانيا إن لم يقم زيلينسكي بتشويه صورة بايدن عبر إجراء التحقيق مع أفراد من عائلته".
من جانبه أقر ترامب بأنه تحدث عن بايدن مع الرئيس الأوكراني خلال المكالمة الهاتفية، ولكنه أنكر أن يكون سلط ضغوطاً على كييف حتى يُجرى تحقيق بشأن أعمال أسرة المرشح الديمقراطي في كييف؛ حيث إن لدى أسرة بايدن مجموعة من الأعمال بمجال الطاقة في أوكرانيا.
ولمح ترامب مراراً إلى أن بايدن وابنه هانتر ارتكبا مخالفات، دون أن يقدم أدلة على ذلك، في حين لا توجد أدلة على أن بايدن استغل منصبه لمساعدة ابنه في مسألة أوكرانيا.
في 24 سبتمبر الماضي، أعلنت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، رسمياً إطلاق تحقيق رسمي بهدف عزل ترامب، الذي يشتبه بأنه استغل نفوذه بما يخدم مصلحته في مضايقة منافسه في الانتخابات الرئاسية، متهمة إياه بـ"الخيانة".
وفي الوقت الذي دعا فيه جو بادين الرئيس إلى الالتزام التام بالتحقيقات التي يجريها الكونغرس بشأن مكالمته مع الرئيس الأوكراني، قال إنه "إذا واصل دونالد ترامب ازدراءه للقانون فإنه لن يكون هناك من خيار سوى البدء بإجراءات إقالته".
وتعهد ترامب بنشر المكالمة الهاتفية التي أجراها مع زيلينسكي، الأربعاء 25 سبتمبر، إلا أن لاري فايفر، المسؤول السابق في الاستخبارات الأمريكية، أشار إلى أن القانون الفيدرالي الأمريكي يحظر تسجيل المكالمات الهاتفية الرئاسية منذ عام 1974، كما أنه يمنع الوكالات الاستخبارية من القيام بذلك.
ولفت المسؤول الاستخباري إلى أنه عوضاً عن ذلك فإن البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي يقومان بمراقبة المكالمات وتطوير نصوص، لذا لا يمكن الحصول على نسخة مُفصلة، لكن من الممكن الحصول على نسخة مُنقحة، وهناك فرق كبير بين الاثنين.
ورد ترامب على تقديم طلب ببدء إجراءات العزل بحقه في سلسلة من التغريدات عبر تويتر، اتهم فيها الديمقراطيين بالسعي عن عمد إلى "تدمير وتقويض" رحلته إلى الأمم المتحدة بسلسلة من الأخبار العاجلة من "التفاهات"، مضيفاً: "إنهم حتى لم يروا تفريغاً لنص المحادثة. الأمر بكامله تصيد".
ويبدو أن هذه الفضيحة ستشغل الرأي العام الأمريكي خلال الفترة القادمة، خصوصاً في ظل الإعداد للحملات الانتخابية الرئاسية في عموم الولايات المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق