الان لو دققت معي في الصورة لرأيت «ابتسامة» عريضة ترتسم على وجوه هؤلاء الذين لا يريدون لقطار الاصلاح ان يشق طريقه الى محطة السلامة ، ذلك ان أغلى هدية يمكن ان يقدمها دعاة الاصلاح إلى «خصومهم» من طبقة قوى الشد العكسي – وما اكثرهم – هي الصراخ بشعارات مغشوشة تبعث على الشك والريبة في صدور الاردنيين ، وتدفعهم الى الانسحاب للوراء والتزام الصمت ، خوفا من الدخول في دوامة الفوضى التي لا يريدها احد .
منذ أن انطلقت الاحتجاجات في بلدنا قبل نحو ثمانية اعوام اتفقنا على أن المطلوب هو «الاصلاح «، بما يعني الحفاظ على الشرعية السياسية وعدم تجاوزها، وبما يعني حماية «العرش» الذي يشكل «رمزاً» للدولة وقاسماً مشتركاً بين مكوناتها، وقتها كنا مطمئنين إلى أن هذه المسألة التي لا يختلف عليها الاردنيون بكافة اطيافهم ستحظى باهتمام المسؤولين في بلادنا، لا بمجرد الايمان فقط وانما بما تعبر عنه «الجوارح» من افعال ومقررات، لكن ما حدث بعد ذلك في الشارع كان شيئاً آخر، فقد ارتفعت سقوف بعض الشعارات وجرحت احياناً شرعيتنا السياسية التي توافقنا جميعا عليها.
كان من المفترض أن نلتقط هذه الذبذبات والاشارات وأن نتعامل مع رسائلها الخطيرة بمنطق الفهم والاعتبار، لا لإنها تشكل انحرافاً خطيراً عن مطالب الاصلاح، وإنما لأنها - ايضا - تحمل نذراً بتغير المزاج العام وتمسّ هيبة الدولة، وتسحب من رصيد المشترك السياسي الواجب احترامه وحمايته لحسابات غير معروفة.. وهذا «السحب» لا يتحمل وزره الحراك الشعبي فقط وانما يتحمله من دفع الناس لليأس بالمماطلة والدوران في الفراغ، ومن ورطهم بقصد أو دون قصد في «متاهة» البحث عن «ألغاز» واسرار جرى التغطية عليها دفاعاً عن اشخاص متنفذين، بدل أن يتم كشفها دفاعاً عن الدولة.. وشرعيتها السياسية ايضاً.
بقدر ما نحن مدينون بالشكر لهؤلاء الذين خرجوا للمطالبة بالاصلاح ، وفتحوا أمامنا ابواب الأمل بالتغيير وكشف المستور وردع «شراهة» المسؤول، فإننا نخشى أن يصطدم كل ما فعلناه وبنيناه بجدار اليأس وأن يفضي إلى الفوضى والعبث والمجهول،هذا – بالطبع – لا يتحمل مسؤوليته هؤلاء الذين خرجوا لكي يعبروا عما لحق بالبلد من تعطيل لحركة السياسة ، ومن بؤس في التخطيط الاقتصادي ، ومن ازمات تتناسل كل يوم ، وانما تتحمله حكومات قدمت نفسها على انها منقذة فإذا بها تحتاج الى انقاذ، ونخب كنا نعتقد أنها مستنيرة فإذا بها مرعوبة، ومجتمع تصورنا أنه استعاد عافيته فإذا به أضعف مما كنا نعتقد.
تصوّر لو تغيرت الصورة، وتوافقت الأطياف الوطنية المطالبة بالاصلاح كلها على تشكيل «اطار» واحد، يحمل مبادرة محددة، بأهداف واضحة، وقررت أن تعمل بذراعين: احداهما في الشارع للضغط وتحريك المزاج العام، والآخر على مستوى «النخب» المحترمة وذات الوزن الثقيل لقيادة هذا الشارع وتوجيهه، (لا الركوب طبعاً على مطالبه لا سمح الله)، تصوّر لو حدث ذلك، ووجدنا أمامنا مبادرة للاصلاح الوطني تحظى بتأييد (500) شخصية اردنية من كافة الأطياف والمشارب السياسية والفكرية، لا تمثل تياراً حزبياً ولا سياسياً محدداً، وانما عابرة لكل هذه التيارات والحراكات والألوان السياسية، هل يمكن لمشهدنا السياسي عندئذ أن يبقى معطلاً؟ هل يمكن لخصوم الاصلاح «ومرجئته» أن يناموا قريري العين؟ هل يمكن ان نسمع هذه الهتافات التي لا يقبلها احد من الاردنيين الحريصين على بلدهم ومستقبلهم..
إذاً كنا جادين في اعادة اصوات الناس إلى فضائها الطبيعي، وشعاراتهم الى حدودها المألوفة والمقبولة، فعلينا أن نتحرك على الفور على طريق الاصلاح و»التحول» الديمقراطي الحقيقي، فهو وحده من يحمي شرعيتنا السياسية من التجريح ويضبط «بوصلتنا» نحو المستقبل الذي يريده الناس وفق معادلات جديدة لا غالب فيها ولا مغلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق