ما من شكّ في أنَّ جميعهم يدركون أنَّهم تجاوزوا بذلك الخطّ الأحمر في جمهورية إيران الإسلامية لا سيما وأنَّ الرقص والاحتفال بشكل علني محظوران في إيران منذ أربعين عامًا.
بقلم: إيمان أصلاني
"حان الوقت لتقبيل شفتيك، حان الوقت لرقصة سكسية": بأغنيته "جنتلمان" (المحتوية على هذه الكلمات)، أحدث مغنِّي البوب الإيراني ساسي، الذي يعيش في الولايات المتَّحدة الأمريكية، زلزالًا في بعض المدارس الابتدائية في إيران. يُشاهد (في الفيديو) فتيانٌ يرتدون الزيّ المدرسي وفتياتٌ محجَّبات، يقفزون ويصرخون على الإيقاعات السريعة ومن الواضح أنَّهم يستمتعون كثيرًا. يظهر في بعض الأحيان حتى معلمون يقومون بتوجيه الأطفال ويُصوِّرون كلَّ شيء بهواتفهم المحمولة.
ما من شكّ في أنَّ جميعهم يدركون أنَّهم تجاوزوا بذلك الخطّ الأحمر في "جمهورية إيران الإسلامية" - لا سيما وأنَّ الرقص والاحتفال بشكل علني محظوران في إيران منذ أربعين عامًا.
من غير الواضح إن كان استخدام العديد من المدارس (في إيران) لهذه الأغنية من أجل الترفيه عن تلاميذها وتسليتهم يعتبر عملًا متَّفقًا عليه أم مجرَّد صدفة. ولكن على أية حال انتشرت مقاطع فيديو منذ بداية شهر أيَّار/مايو (2019) على الإنترنت وقد أدَّت إلى إثارة موجة من التعليقات المؤيِّدة والمعارضة. وضمن هذا السياق تم بالفعل نشر رسوم كاريكاتورية على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أنَّ هناك أشخاصًا من خارج المدارس يقومون بتصوير رقصاتهم على هذه الأغنية ونشرها.
الصلاة بدل الرقص
ونتيجة لذلك فقد أدان الرقصَ في المدارس نائبُ رئيس البرلمان الإيراني، علي مطهري، المعروف بتصريحاته المعادية للمرأة والذي كان والده واحدًا من مهندسي الجمهورية الإسلامية، وطالب بإقالة المعلمين "عديمي المسؤولية" وكذلك بإصدار وزير التعليم تصريحًا حول هذا الأمر. كما أدان نوَّاب برلمانيون هذا السلوك "غير الإسلامي".
من جانبه أنشأ وزير التعليم محمد بطحائي لجنة مكوَّنة من ثلاثة أعضاء للتحقيق في هذه الحوادث. ونقلت وكالة تسنيم الدولية للأنباء - المُقرَّبة من الحرس الثوري - عن الوزير بطحائي قوله: "يجب إقامة صلاة الجماعة في المدارس من أجل حماية الأطفال من مثل هذه الأضرار الخطيرة. العلاقة الوثيقة بالقرآن وأسلوب حياة الأئمة تسمح للأطفال بالنمو في ثقافة إيرانية إسلامية".
تشدِّد اللوائح الجديدة الصادرة عن وزارة التعليم الإيرانية على الالتزام بالقواعد القديمة - التي تنصُّ تحديدًا على عدم السماح للفتيات والنساء بالغناء الفردي ومنع أية مشاركة للمعلمين الذكور في النشاطات الترفيهية داخل مدارس البنات وعلى عدم السماح في جميع المدارس إلَّا بتشغيل الأغاني "المناسبة للفئة العمرية" حصرًا، المعتمدة على القيم والعادات الثقافية والتاريخية الإيرانية". هذا يعني الإسلام - فقبل الثورة الإسلامية في عام 1979، لم يكن الرقص والموسيقى الراقصة محظورين في إيران.
تجاوز الأطفال والمراهقون الراقصون الكثير من الخطوط الحمراء دفعةً واحدةً، مع أنَّ الأمر يتعلق في المقام الأوَّل بالرقص والموسيقى الراقصة. بالإضافة إلى ذلك اعترض النُقّاد على أنَّ محتوى الأغنية غير مناسب للعمر وغير مناسب تمامًا لتلاميذ المدارس. تتحدَّث أغنية ساسي عن الحبّ والإثارة وجمال الجسد - وهذه موضوعات محرَّمة في جمهورية إيران الإسلامية. ولهذا السبب فقد هاجر هذا المغنِّي قبل بضعة أعوام وأصبح يعيش منذ ذلك الحين في منفاه الأمريكي.
لا يجوز من وجهة نظر رجال الدين الشيعة المحافظين أن تحتوي أية أغنية على أية "إثارة جنسية". يمكن بهذه الصيغة القابلة للتفسير بحرِّية حظر معظم أغاني الحبّ والموسيقى الراقصة.
هناك خطٌ أحمر آخر يتمثَّل في الغناء المنفرد من قِبَل النساء، وهذا أمر لا يتم التسامح معه بأي شكل من الأشكال من قِبَل القوى المحافظة في إيران. كثيرًا ما يتم إلغاء حفلات موسيقية تمت الموافقة عليها بالفعل وقد بيعت جميع تذاكرها وأحيانًا قبل بعض دقائق من موعد بدئها، وذلك إمَّا بسبب جلوس عازفات على المسرح أو ظهور مغنِّيات في الخلفية. في أغنية ساسي توجد أيضًا مقاطع يتم غناؤها بصوت أنثوي.
وأخيرًا وليس آخرًا: ينبغي ألَّا يكون لدى جيل الشباب- بحسب انتقادات المتشدِّدين في إيران - قدوة مثل مغنِّي البوب ساسي. إذ إنَّ المتشدِّدين يريدون أطفالًا مصلين يتلون القرآن مستعدِّين للموت في المستقبل من دون تردُّد كشهداء من أجل عقيدة آبائهم.
غير أنَّ آباء الأطفال الراقصين ينتمون إلى عصر آخر. فقد شعروا بأحلك فصول تاريخ إيران الحديث روحيًا وجسديًا: من بدايات أسلمة الحياة العامة والاضطهاد الدموي للمعارضين والحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) والعقوبات إلى العزلة الدولية وحالة الفقر والعوز. فهل هم لهذا السبب يمنحون أطفالهم حرِّية الاستمتاع بالحياة؟ أم أنَّ هناك خطأً ما قد حدث مع "الأسلمة الكاملة" للمجتمع الإيراني، التي كانت هدف الثائرين الإسلاميين بعد عام 1979؟
الاستمتاع بالحياة بدل الاستشهاد
يمثِّل الأطفال الراقصون دليلًا على أنَّ "قيم الثورة" قد ضاعت، مثلما اشتكى أحد الناقدين، بينما كتب ناقد آخر على موقع تويتر: "لا يمكن تدمير إسرائيل بأطفال مبتهجين". وكذلك نشر مستخدم آخر لموقع تويتر فيلمًا يظهر فيه أطفالٌ صغار يقومون بغناء مراثي دينية ويلطمون صدورهم بقوة. وأشاد صاحب الحساب في موقع تويتر بهذا المشهد المعتاد في الاحتفالات الدينية في إيران.
أصوات النساء تثير غضب الملالي في إيران: لا يُسمح للمغنِّيات الإيرانيات - مثل المغنِّية مامك خادم - بإحياء حفلات عامة في جمهورية إيران الإسلامية، وذلك بسبب وجود حظر على غناء النساء المنفرد حتى يومنا هذا، ولذلك يضطر العديد من الموسيقيين الإيرانيين إلى مغادرة وطنهم. في الصورة: المغنية الإيرانية مامك خادم وهي تغني عام 2013 على مسرح قاعة الفيلهارمونيا في مدينة كولونيا الألمانية.
هكذا فإنَّ الأطفال الراقصين يكشفون عن التناقض الكبير بين نظرتين إلى العالم معاصرتين في إيران: من جهة العقيدة المعادية للغرب والميتافيزيقية، التي يتم الترويج لها من قِبَل النظام، ومن جهة أخرى وجهات النظر العلمانية لدى أغلبية المواطنين المحبين للحياة.
لكن ماذا فعل بالذات المغنِّي ساسي، الذي يتم توبيخه من قِبَل المتشدِّدين بوصفه بـ"الشرير"؟ لقد كتب ما يلي إلى نائب رئيس البرلمان الإيراني: "شغلتَ نفسك بأغنيتي بدلًا من الاهتمام بوقف فقدان العملة الإيرانية قيمتها ووقف التضخُّم!".
وأخيرًا دعاه إلى سماع الأغنية بنفسه. وقد وعد ساسي بأنَّ علي مطهري سيرقص على أغنيته من دون شكّ.
ترجمة: رائد الباش
نشرت في قنطرة الألمانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق