قرار الحكومة العراقية بطرد نائب رئيس مكافحة الإرهاب في البلاد الفريق عبد الوهاب السعدي في أواخر سبتمبر كان الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات الحالية.
بقلم: إيلان بيرمان
فجأة، لا يبدو النظام الديني في إيران قويا للغاية. في الأسابيع الأخيرة، ولّد سلوك إيران الإقليمي العدواني المتزايد (بما في ذلك تورطها في هجوم 14 سبتمبر على المنشآت النفطية السعودية)، ورد الفعل الضعيف على هذا النشاط من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، ولّد انطباعا بأن طهران في تقدم مستمر. لكن الآن، يواجه القادة الإيرانيون بعض المشاكل غير المتوقعة بالقرب من الداخل الإيراني، في العراق المجاور.
خلال الأسبوع الماضي، انتشرت الاحتجاجات الجماهيرية في مختلف أنحاء العراق، حيث خرج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع في انتفاضة شعبية متصاعدة - ودموية. يعود غضب المتظاهرين إلى الكثير من الأسباب. هو رد فعل على سوء الإدارة والأداء الكبيرين للحكومة العراقية، والتي فشل رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي في التعامل معها بحزم. كذلك هو رد فعل على الفساد والكسب غير المشروع المنتشر في البلاد، والذي صنفته مجموعات المراقبة مثل منظمة الشفافية الدولية من بين الأسوأ في العالم. لكن للاحتجاجات سبب آخر أيضا: تدخل إيران السياسي المتفشي في أراضي جارتها الغربية.
قرار الحكومة العراقية بطرد نائب رئيس مكافحة الإرهاب في البلاد، الفريق عبد الوهاب السعدي، في أواخر سبتمبر، كان الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات الحالية. السعدي، وهو قائد عسكري، تحول إلى ما يشبه البطل الشعبي لدوره القيادي في الحرب العراقية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي. لكن شعبيته المتزايدة بين عموم العراقيين جعلت من السعدي تهديدا سياسيا للنخب السياسية في البلاد، والتي نجحت في الإطاحة به.
كذلك فعلت إيران. إذ يشاع أن طهران ضغطت سرا لصالح طرد السعدي، الذي اعتبرته تحديا لسياسييها المفضلين في بغداد. واعتبر العراقيون هذه الخطوة تكثيفا للتدخل السياسي الإيراني في العراق وتآكلا غير مقبول لسيادة بلدهم. وهذا بدوره ساعد في تغذية رد فعل عكسي واسع النطاق موجه، بشكل جزئي على الأقل، ضد بصمة إيران السياسية والاستراتيجية الواسعة على أرض العراق.
رد إيران على التظاهرات العراقية كان دفاعيا حتى الآن. أغلقت الجمهورية الإسلامية عدة معابر حدودية، مما زاد من تعقيد الحج الشيعي السنوي إلى مدينة كربلاء جنوب العراق هذا الشهر. لكن طهران لم تقم بالكثير عدى ذلك.
يضيء هذا الشلل على مشكلة أكبر تواجه النظام الإيراني حاليا: بالمعنى الحقيقي، إيران تخسر العراق. أظهر استطلاع للرأي العام العراقي أجرته العام الماضي "مجموعة المستقلة"، وهي شركة أبحاث خاصة، أن معدل تفضيل الجمهورية الإسلامية بين الشيعة العراقيين قد انخفض من 88 في المئة في عام 2015 إلى 47 في المئة في الخريف الماضي. خلال الفترة نفسها، وجدت الدراسة أن المواقف غير المؤيدة تجاه إيران بين الشيعة العراقيين ارتفعت من ستة بالمئة إلى 51 بالمئة. وهذا يعني، وفقا لرئيس "المستقلة"، منقذ داغر، أن "غالبية الشيعة العراقيين لديهم حاليا مواقف سلبية تجاه إيران". يمثل هذا تغييرا حقيقيا.
بعد حرب العراق عام 2003، تقدمت إيران لملء الفراغ الناجم عن الإطاحة بصدام حسين عبر إنشاء شبكة واسعة من الوكلاء والعملاء السياسيين التابعين لها. وعلى الرغم من معارضة السنة والأكراد العراقيين لهذه الممارسة، فقد استمرت لأكثر من عقد. لكن في السنوات الأخيرة، تزايد عدد العراقيين ـ بمن فيهم الشيعة ـ الذين ينظرون إلى إيران كتهديد لسيادة بلادهم، عوضا عن كونها شريك موثوق. لقد أدى طرد السعدي إلى تحفيز الخطاب الذي برز منذ فترة: خطاب جهات سياسية ومدنية العراقية الرافض للقوى التابعة للنفوذ الإيراني.
بالنسبة لواشنطن، يمثل الاعتراض العراقي المتزايد فرصة مهمة. اليوم، ما تزال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملتزمة بحملة "الضغط الأقصى" ضد النظام الإيراني. ومع ذلك، على الأقل حتى الآن، لم تحرز تقدما كبيرا في دحر نفوذ إيران الإقليمي الواسع.
توفر التظاهرات في العراق فرصة لواشنطن للبدء في القيام بذلك. عبر ممارسة ضغط رسمي على بغداد لتنفيذ الأهداف التي يطالب بها المحتجون ـ أي مساءلة حكومية أكبر وإصلاح سياسي ذي مغزى وفرص اقتصادية أكبر ـ يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في تشجيع التغيير الحقيقي في العراق. خلال هذه العملية، قد تكون قادرة على البدء في عملية إخراج العراق من المدار الإيراني. ومن الواضح أن هذا أمر يرغب به كل من الولايات المتحدة والشعب العراقي.
نُشر في شبكة الشرق الأوسط للإرسال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق